كيف سيتطوّر الذكاء الصناعي في العقدين المقبلين؟

خبير صيني يتوقع إنجازات باهرة للبشرية

كيف سيتطوّر الذكاء الصناعي في العقدين المقبلين؟
TT

كيف سيتطوّر الذكاء الصناعي في العقدين المقبلين؟

كيف سيتطوّر الذكاء الصناعي في العقدين المقبلين؟

انضمّ كاي - فو لي، مؤلّف كتاب «قوى الذكاء الصناعي العظمى: الصين، وادي سيليكون، والنظام العالمي الجديد» والمسؤول التنفيذي السابق في «غوغل»، إلى مؤلّف كتاب «ويست تايد» (مدُّ النفايات) تشن كيوفان، ومن خلال كتاب جديد، لتقديم عرض لتطور الذكاء الصناعي في المستقبل القريب. أجرى لي مقابلة مع ناثان غاردلز، رئيس تحرير مجلّة «نوئيما» (Noema) الأميركية للحديث عن كتابه الجديد «الذكاء الصناعي 2041».
> غاردلز: لقد وضعت مع شريكك كاتب الخيال العلمي الصيني الشهير تشن كيوفان نوعاً أدبياً جديداً في كتابكما «الذكاء الصناعي 2041» (AI 2041) من خلال دمج الخيال التخميني، أو التكهني، (speculative fiction) مع تحليل التقنيات القابلة للتحقيق، وسميتماه «خيالاً علمياً»، بينما يوصف عمل كيوفان بـ«واقعية الخيال العلمي». لقد رسمتما صورة إيجابيّة جداً، إن لم نقل منظوراً طوباوياً عمليّاً، بدل الرؤية البائسة التي رُوّجت عن الذكاء الصناعي من قبل أشخاص كثر مثل إيلون ماسك الذي يعتقد أنّ الآلات الخارقة الذكاء ستحكمنا يوماً ما. يستعرض الكتاب عشرة سيناريوهات للمستقبل. هل يمكنك أن تحدّد لنا أكثرها إقناعاً؟
نظم الرعاية الصحية

- لي: ستكون للعناية الصحيّة حصّة الأسد من الاختراق العلمي الكبير الذي سيحقّقه الذكاء الصناعي عبر اكتشاف أدوية ووسائل تشخيص وعلاج جديدة ستعيد رسم قطاع الرعاية الصحية بشكلٍ كامل ليحسّن حياة البشر خلال العقود القليلة المقبلة.
يعد اكتشاف الأدوية الجديد الثمرة الأسهل قطفاً، لأنّها لا تتطلّب أيّ تعطيل للممارسات الطبيّة الحالية. ستبقى التجارب العيادية كما هي، وكذلك الصناعات الدوائية، وسيستمرّ الأطباء في وصف الأدوية وستُقاس النتائج بالطريقة المعتمدة نفسها حالياً. لكن هذا الجانب سيسرّع التقدّم.
يستطيع الذكاء الصناعي غربلة جزيئات محتملة واستهداف أمراض مرجّحة، كما يستطيع الغوص في تجارب سابقة لفاعلية الأدوية أو فشلها، واستكشاف التركيبة الجزيئية للأدوية التي أظهرت فاعلية على أشخاص مختلفين. بهذه الطريقة، يمكن للذكاء الصناعي أن يحدّد ويقترح مرشّحين جدد للتجارب السريرية.
قد يلعب الذكاء الصناعي دوراً أيضاً في خفض تكاليف شركات صناعة الأدوية الباحثة عن علاجات لأمراضٍ نادرة كانت في الماضي عالية الكلفة.
إنّ الفرصة الكبرى التي سيقدّمها الذكاء الصناعي في الطبّ ستكون في تحوّله إلى المساعد الكامل للطبيب من خلال اقتراح التشخيصات والعلاجات في مجالات محدّدة، او ما يُعرف بالطبّ الدقيق. لا شكّ في أنّ الذكاء الصناعي، سيتفوّق أخيراً وبعد جمع القدر الكافي من البيانات، على الغالبية الساحقة من الأطبّاء.
ستتطلّب هذه العملية وقتاً طويلاً بسبب حساسيّة جمع المعلومات الشخصية، فضلاً عن أنّ عمليّة العلاج قد تؤدّي إلى بعض العرقلات، دون أن ننسى الآثار القانونية والأخلاقية المترتّبة على علاج النّاس بواسطة برنامج رقمي. وفي النهاية، ستكون القرارات جميعها بيد البشر.
> غاردلز: هل تعتقدون أنّ التطبيقات التي ستظهر في العقدين المقبلين ستسهم في تسريع تطوير اللقاحات للجوائح التي تشبه جائحة كوفيد؟
- لي: قد يكون هذا الاحتمال وارداً ولكنّه أقلّ ترجيحاً، لأنّنا لا نملك بعد الكمّ الكافي من البيانات التّاريخية عن كوفيد لتدريب الذكاء الصناعي - كنجاح وفشل التجارب السريرية والمعلومات الموثوقة حول الأشخاص والأمراض الكامنة التي يعانون منها والتاريخ العائلي المرضي، وما إذا كان العلاج قد نجح أم لا - خصوصاً أنّ المعلومات التي تركها تفشّي فيروس «سارس» عام 2002 كانت قليلة جداً.

التعلّم العميق
> غاردلز: إذن، تقنية مساعدة الذكاء الصناعي متوفّرة منذ اليوم ولكنّ عملها في هذا العالم يعتمد على توفّر البيانات.
- لي: نعم، هذا صحيح. يستطيع الذكاء الصناعي منذ اليوم المساهمة في حلّ بعض أجزاء المشكلة. انظروا مثلاً إلى نظام «ألفا فولد» (AlphaFold) للتعلّم العميق الذي طوّرته شركة «ديب مايند» (DeepMind) لتوقّع كلّ ما يتعلّق بتركيبات البروتينات التي تعد جزءاً من مشكلة صناعة اللقاحات. يستطيع العلماء باستخدام أداة كهذه تطوير اللقاحات أو تسريع اكتشافها على أقلّ تقدير. لا تزال هذه الأدوات ثانويّة اليوم ولكنّها في طور التحسّن.
> غاردلز: ما حدود التعلّم العميق لدى الذكاء الصناعي؟ يحاجج بعض النقّاد بأنّ الآلات الذكية قد تتفوّق على البشر لناحية الأداء في المهام متعدّدة الجوانب وتعلّم المهام الجديدة، ولكنّها «لا تفهم» حرفياً ماذا تفعل وهذا ما يُسمّى «الذكاء غير المفكّر» (unthinking intelligence).
- لي: أعتقد أنّ التعلّم العميق أثبت أنّه قادر على فهم بعض الجوانب من سياق الفطرة ولو بطريقة مختلفة عن فهم البشر. ولكن إذا كنتم تنظرون إلى تعلّم ذاتي الإشراف كما نرى في تقنية «جي بي تي -3» (GPT-3) وغيرها من التقنيات، فهذه دُربت دون إشراف بشري من خلال رسم سياق البيانات التي توفّرت لدى مطوّريها. وهذا يعني أنّنا لا نقول للروبوت: «هذا كلب، هذا قطّ، هذا إنسان»، أي لا نقول له الحقيقة المجرّدة، بل يُعطى الكثير من النصوص ليفهم ما يستطيع منها.
وتجدر الإشارة إلى أن نظام «جي بي تي -3» يتعلم مدخلات ومخرجات اللغة الطبيعية عبر تحليل آلاف النصوص... بهدف وضع نصوص جديدة بنفسه.
لنقل إنّكم تقرأون الفصل الأخير من كتاب ما. توجد اليوم خوارزميات تعلّم عميق تستطيع التنبؤ بالجملة التّالية أو الإجابة عن سؤال حول شيء حصل في وقتٍ سابق بالاعتماد على السياق. تنجح التقنية المتوفّرة اليوم في كثير من الأحيان بإنتاج جواب بجودة جوابي هذا أو حتّى أفضل، بينما يكون إنتاجها غير مفهوم في أحيان أخرى. هذا الأمر لا يمكن أن يتمّ دون فكرة عن السياق.
لا يتوقّف الأمر على حفظ ملايين الكلمات فحسب، لأنّنا يجب أن نعلم أيّ هذه الكلمات هي المهمّة. طوّرت شركتا «مايكروسوفت» و«علي بابا» ذكاءً صناعياً تفوّق على البشر في بيانات الإجابة عن أسئلة جامعة ستانفورد عام 2018. وقد ولّد هذا التفوّق نوعاً من الذهول لأنّه أظهر أنّ الذكاء الصناعي قادر على رصد بعض السياق.
يتجاوز التعليم «الذاتي الإشراف»، المشكلة السابقة التي عانى منها التعلّم العميق والتي كانت تتطلّب خبيراً متخصصاً في كلّ شيء، فضلاً عن أنّه يحدّ من درجة معالجة البيانات. تسلّط فكرة إمكانية تدريب الذكاء الصناعي دون إشراف بشري الضوء على القوّة التي يمكن أن تبلغها تقنية التعلّم العميق. فإذا أضفنا مزيداً من البيانات وعالجناها بواسطة الكومبيوتر، ستصبح أفضل وأفضل.
ولكنّ قدرة الذكاء الصناعي على التعرّف على السياق لا تعني أنّه سيلغي البشر أو يصل إلى مستوى التفرّد أو الذكاء العام الصناعي.
تعاون دولي

> غاردلز: عبّر كتابك الأخير «قوى الذكاء الصناعي العظمى» عن أملٍ بالتعاون بين دولتين رائدتين في تطوير هذه التقنية هما الولايات المتّحدة والصين. اليوم، تشهد المنافسة بينهما تطوّراً شرساً. هل تعتقدون أنّها ستؤدي إلى إثباط أو إشعال التطوّرات التي توقّعتموها بحلول 2041؟
- لي: تشكّل المنافسة المتوقّعة معضلة على المستوى الجيوسياسي لأنّها تفصل العالم إلى مجموعتين من التقنيات والمعايير غير القابلة للتبادل، وهذا الأمر غير فعّال طبعاً. من ناحية أخرى، تؤمّن هذه الديناميكيّة مزيداً من التمويل للتقنية في البلدين وهذا أمر جيّد. أعتقد أن قمر «سبوتنيك» الصناعي الروسي مثلاً ساعد في تقدّم الجهود الفضائية الأميركيّة والسوفياتية بهذه الطريقة.
عندما ألّفت كتاب «قوى الذكاء الصناعي العظمى»، لم أتوقّع أن تكون المنافسة بهذا الشكل. إنّ أفضل ما يمكن أن نتمنّاه في السنوات القليلة المقبلة هو تحديد الدولتين للمشاكل التي يجب أن يتعاونا في حلّها كالمناخ والعناية الصحيّة.
يبقى الجانب المشرق الوحيد هو أنّه رغم وجود هذه التحديّات الجيوسياسية، يواظب الأكاديميون والعلماء على العمل بعضهم مع بعض.
* باختصار عن «غلوبال فيوبوينت نيتوورك»
- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025
TT

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

2025

كان هذا العام مهماً جداً لقضايا المناخ، حيث تميز ببعض الانتصارات الكبرى.

سياسات المناخ تهدد حقوق الإنسان

وعلى سبيل المثال قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في أبريل (نيسان) الماضي، بأن سياسات المناخ الضعيفة في سويسرا تهدد حقوق الإنسان لمواطنيها، ما مهد الطريق لدعاوى قضائية مماثلة فيما يقرب من 50 دولة أخرى.

وحديثاً، دعمت المحكمة العليا في مونتانا بالولايات المتحدة 16 ناشطاً من نشطاء المناخ الشباب في دعواهم القضائية ضد الدولة لانتهاك حقهم في بيئة نظيفة.

ولكن كانت هناك أيضاً بعض الخسائر الكبيرة، مثل جهود شركة «شل» الناجحة للتملص من قاعدة تلزمها بخفض انبعاثات الكربون بشكل كبير.

قضايا المناخ أمام المحاكم

ماذا سيجلب عام 2025؟ فيما يلي حفنة من القضايا المهمة التي قد تكون على جدول الأعمال:

القضية الأولى قد تشكل قواعد المناخ الدولية. إذ تنظر محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، التي تسمى أحياناً «محكمة العالم»، في قضية المناخ التي قد يكون لها أكبر تأثير محتمل. وفي قلب هذه القضية التاريخية سؤالان رئيسان: ما الواجبات التي تقع على عاتق الدول لمكافحة تغير المناخ؟ وما العواقب القانونية التي يجب أن تترتب على الدول إذا خانت هذه الواجبات بطريقة تضر بالمناخ؟

لن يكون رأي المحكمة بشأن هذه القضايا ملزماً قانوناً، ولكنه قد يشكل قواعد القانون الدولي ويمهد الطريق لمقاضاة كبرى الجهات المساهمة في الانبعاثات لدورها في تفاقم أزمة المناخ.

رفعت القضية دولة فانواتو في المحيط الهادئ، وهي أكبر قضية للمحكمة على الإطلاق. وعلى مدى أسبوعين في نهاية عام 2024، استمعت اللجنة المكونة من 15 عضواً إلى شهادات مما يقرب من 100 دولة والعديد من الخبراء والجماعات المناصرة الذين يجادلون لصالح وضد القواعد الدولية الجديدة لمحاسبة كبرى الجهات المساهمة في الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري العالمي.

الدول الفقيرة تقاضي الغنية

ويدعي عدد من الدول الفقيرة والجزر الصغيرة أن الدول الغنية مسؤولة عن معظم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، ومع ذلك فإن الدول النامية، التي تنتج انبعاثات منخفضة نسبياً، هي التي تخضع لأشد العواقب تطرفاً، وحتى وجودية. وتقول إن إطار تغير المناخ الحالي -أي اتفاق باريس- يعتمد على التزامات طوعية يصعب فرضها، وأن هناك حاجة إلى قواعد دولية أكثر صرامة وملزمة قانوناً لمعالجة التهديد المتزايد المتمثل في ارتفاع درجات الحرارة.

وزعمت الدول الغنية، بما في ذلك الدول الملوثة الرئيسة مثل الولايات المتحدة والصين وأستراليا، العكس من ذلك، وأصرت على أن القواعد الحالية كافية. ومن المتوقع أن تصدر المحكمة رأيها الاستشاري في عام 2025. وقال الدكتور دلتا ميرنر، العالم الرائد في مركز العلوم لقضايا المناخ في اتحاد العلماء المعنيين: «إنها (المحكمة) لديها القدرة على إعادة تشكيل حوكمة المناخ الدولية من خلال تقديم إرشادات واضحة وموثوقة بشأن التزامات الدول بموجب القانون الحالي».

قضية لولايات أميركية مناهضة للبيئة

القضية الثانية تهدد الاستثمار البيئي والاجتماعي المتوازن والحوكمة. في قضية «ولاية تكساس ضد شركة (بلاك روك)»، أقامت دعوى قضائية على بعض أكبر مديري الأموال في العالم من قبل 11 ولاية يقودها الجمهوريون بتهمة التآمر لخفض إنتاج الفحم العالمي والترويج لـ«أجندة بيئية مسيسة».

تستهدف الدعوى القضائية، التي تم رفعها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، شركات الاستثمار «بلاك روك»، و«ستيت ستريت كوربوريشن»، و«فانغارد غروب»، ويقودها المدعي العام لولاية تكساس كين باكستون، الذي قال إن الشركات «شكلت كارتلاً للتلاعب بسوق الفحم، وتقليل إمدادات الطاقة بشكل مصطنع، ورفع الأسعار»، كل ذلك في محاولة لتعزيز أهداف خفض انبعاثات الكربون.

في الواقع، تستهدف القضية ما يسمى استراتيجيات الاستثمار البيئي والاجتماعي والحوكمة. شاركت المجموعات الاستثمارية الثلاث في مبادرات للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي والوصول إلى الصفر الصافي بحلول عام 2050.

وقد وصف المحافظون مثل هذه الجهود بأنها «رأسمالية متيقّظة» وشنوا حرباً باستخدام قوانين مكافحة الاحتكار، وهو سلاحهم المفضل. وتتولى محكمة الاستئناف بالدائرة الخامسة، التي تضم عدداً كبيراً من القضاة الذين عينهم الرئيس الجديد دونالد ترمب، النظر في القضية، ويُنظر إليها باعتبارها «قوة محافظة للغاية». وقد تؤثر النتيجة على كيفية إدارة الأموال ومستقبل الاستثمار المراعي للمناخ.

قضية ضد مرافق تجهيز الطاقة

القضية الثالثة قد تكلف مزودي الطاقة الكثير من المال. إذ تتولى بلدة كاربورو الصغيرة في ولاية كارولينا الشمالية دعوى قضائية ضد شركة «ديوك إنرجي»، حيث تقاضي الشركة بتهمة إخفاء المخاطر المناخية المرتبطة بحرق الوقود الأحفوري عن صناع السياسات والجمهور. وتقول الدعوى: «لقد أدت حملة الخداع التي شنتها (ديوك) إلى تأخير التحول الحاسم بعيداً عن الوقود الأحفوري وبالتالي تفاقم أزمة المناخ بشكل ملموس».

إن قضية بلدة كاربورو ضد شركة «ديوك إنرجي» مثيرة للاهتمام لأنها تستهدف شركة مرافق بدلاً من شركة نفط، حيث يتزايد الضغط على شركات المرافق لتتولى زمام المبادرة في التحول في مجال الطاقة.

لا تهدف كاربورو إلى الحد من انبعاثات «ديوك» رغم أن هذا سيكون ممتازاً أيضاً، إذ ووفقاً لمؤشر التلوث المسبب للاحتباس الحراري Greenhouse 100 Polluters Index، تحتل «ديوك» المرتبة الثالثة في قائمة أكبر الشركات المسببة للانبعاثات في أميركا.

ويؤدي «تحميل الشركة (المسؤولية) إلى الحصول على تعويض للمساعدة في دفع ثمن الأضرار الناجمة عن تغير المناخ، مثل إصلاحات البنية التحتية وتحسيناتها لجعل المدينة أكثر قابلية للسكن ومرونة في مواجهة الطقس القاسي. لا أحد يعرف كم ستدفع شركة (ديوك)، لكن نحن نعلم أن المدينة قد تحصل على ما يصل إلى 60 مليون دولار كتعويضات في السنوات المقبلة»، كما قالت رئيسة بلدية كاربورو باربرا فوشي. وكانت الدعاوى القضائية التي تستند إلى مطالبات مماثلة تتزايد منذ عام 2017، لكن لم يتم تقديم أي منها للمحاكمة بعد.

مشاريع سكك حديدية تهدد البيئة

القضية الرابعة مهددة للبيئة، إذ قد تسهل الحصول على موافقة لإنشاء بنية تحتية كارثية من الناحية البيئية.

كانت المحكمة العليا تستمع إلى حجج حول ما إذا كان خط السكة الحديد المقترح بطول 88 ميلاً في ولاية يوتا الأميركية يمكن أن يمضي قدماً رغم تأثيراته البيئية المحتملة.

سينقل خط القطار هذا كميات كبيرة من النفط إلى ساحل الخليج، لكن بناءه كان معلقاً منذ أن قالت محكمة الاستئناف في الأساس إن الجهات التنظيمية لم تأخذ في الاعتبار التأثيرات المناخية والبيئية للمشروع في المنبع أو في المصب الناجمة عن زيادة حركة السكك الحديدية -جوانب مثل الانسكابات النفطية المحتملة، وخروج القطارات عن مسارها، وحرائق الغابات.

وبموجب قانون السياسة البيئية الوطنية (NEPA) القائم منذ فترة طويلة، يتعين على الوكالات الفيدرالية إجراء تقييمات بيئية لمشاريع البنية التحتية مثل هذه، ولكن قد تقرر المحكمة العليا أن التأثيرات البيئية المباشرة للمشروع نفسه فقط -في هذه الحالة، جوانب مثل استخدام الأراضي وجودة المياه- يجب أن تؤخذ في الاعتبار للموافقة على المشروع.

تهديد معايير الهواء النقي في كاليفورنيا

القضية الخامسة هي القرار الذي قد يضع معايير الهواء النظيف في كاليفورنيا في مرمى النيران. إذ ستدرس المحكمة العليا ما إذا كانت مجموعات الأعمال (شركات الوقود الأحفوري) يمكنها الطعن في برنامج الإعفاء الذي يسمح لكاليفورنيا بوضع قواعدها الخاصة بشأن انبعاثات المركبات.

وقد سمح الإعفاء، الذي منحته وكالة حماية البيئة، للولاية بوضع قواعد لعوادم السيارات أكثر صرامة من تلك التي فرضتها الحكومة الفيدرالية، ما أدى إلى تحسين جودة الهواء. كما تلتزم نحو اثنتي عشرة ولاية أخرى بمعايير كاليفورنيا، وكذلك تفعل حفنة من شركات تصنيع السيارات الكبرى، ما يجعل الإعفاء أداة قوية في كبح التلوث الضار ودفع شركات السيارات إلى التحول نحو المركبات الكهربائية.

وتزعم مجموعات صناعة الوقود الأحفوري أن القواعد تسببت في ضرر لها، ويجب إلغاء الإعفاء. ولكن في هذه الحالة بالذات ستقرر المحكمة العليا فقط ما إذا كانت هذه المجموعات تتمتع بالوضع القانوني لتحدي الإعفاء. وفي كلتا الحالتين، تعهد الرئيس المنتخب ترمب بالتخلص من هذا الإعفاء.

مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً