فهد بن عبد العزيز.. ملك صنع التاريخ

مهندس السلام في لبنان.. والبطل الحقيقي لتحرير الكويت

 الملك الراحل فهد بن عبد العزيز خلال حفل أقامه الملك سعود  على شرف الملك فيصل الثاني ملك العراق
الملك الراحل فهد بن عبد العزيز خلال حفل أقامه الملك سعود على شرف الملك فيصل الثاني ملك العراق
TT

فهد بن عبد العزيز.. ملك صنع التاريخ

 الملك الراحل فهد بن عبد العزيز خلال حفل أقامه الملك سعود  على شرف الملك فيصل الثاني ملك العراق
الملك الراحل فهد بن عبد العزيز خلال حفل أقامه الملك سعود على شرف الملك فيصل الثاني ملك العراق

سجل الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، خامس ملوك الدولة السعودية الحديثة حضورا لافتا على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، مما جعله أحد القادة العظماء في التاريخ الحديث. وأنجز الملك فهد بن عبد العزيز الذي حكم السعودية نحو ربع قرن، مشروعات تنموية لافتة، وأرسى قواعد تتعلق بالنظام الدستوري في بلاده، وشهد عهده أكبر توسعتين للحرمين الشريفين في التاريخ، إضافة إلى إنشائه مجمعا لطباعة المصحف الشريف حمل اسمه لخدمة كتاب الله وتفسيره وتجويده بعدة لغات، كما سجل للملك الراحل أنه أول من تسمى من ملوك الدولة السعودية باسم خادم الحرمين الشريفين، كما سطر التاريخ السياسي العربي الحديث للملك الراحل أنه مهندس السلام في ربوع لبنان، والبطل الحقيقي لتحرير الكويت جراء العدوان العراقي في عهد الرئيس الراحل صدام حسين.
واستنطق الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز النجل السادس للملك الراحل، تاريخ وإنجازات والده، وقدم كتابا وثائقيا غير مسبوق مدعما بصور نادرة رصد من خلالها مسيرة خامس ملوك الدولة السعودية الحديثة، حمل عنوان «فهد بن عبد العزيز.. صور لها تاريخ»، سيضيف للمكتبة العربية معلومات عن أحد القادة العظماء، وسيمكن الباحثين والأكاديميين والمهتمين بالتاريخ السياسي عامة وتاريخ السعودية الحديثة، خاصة من الحصول على مادة خصبة فيها كثير من المعلومات التي تروي تاريخ قائد عظيم كافح حتى بنى دولة عصرية متطورة، ونهض بها ليجعلها في موقع الريادة والطليعة بين الدول.
وقال الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز صاحب رؤية وفكرة وتأليف الكتاب في تقديمه لهذا المنجز: «إن هذا الكتاب يجسد من خلال صفحاته سيرة عطرة لرجل فارس عظيم، وتاريخا مشرفا لقائد فذ نبيل، وسجلا حافلا مليئا بالإنجازات، التي ستبقى جميعها خالدة في ذاكرة الأجيال جيلا إثر جيل، كما ستبقى أعماله الجليلة ومواقفه الثابتة شاهدة على عصره، حيث أصبحت المملكة العربية السعودية في عهده تشكل ثقلا سياسيا مهما على المستويين الإقليمي والدولي، الذي غرسه والده وزرعه إخوانه حتى أثمر قطافا يانعة».
وزاد بالقول: «لقد ترك الملك فهد إرثا تاريخيا عظيما تجسد من خلاله ما قام به من أعمال جليلة وإنجازات فريدة في مختلف المجالات وعلى جميع الأصعدة». والكتاب يسعى إلى استنطاق صور شهدت على حقب من الزمن، وواكب مناسبات وأحداث مهمة لتروي لنا جزءا وفصلا من تاريخ هذا الملك الهمام على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي.
وأشار الكتاب إلى أن النضج السياسي والمهام المبكرة للملك فهد، الذي ولد في الرياض عام 1921، ونشأ في ظل والده الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وتلقى تعليمه الأول في مدارس الأمراء في العاصمة الرياض، ثم التحق بالمعهد العلمي السعودي في مكة المكرمة، الذي كان يدرّس العلوم الدينية والعربية، وكان لملازمته مجلس والده الأثر الكبير في صقل شخصية ناضجة سياسيا وفكريا، فقد كان والده ينتدبه لبعض المهام عندما لمس فيه النضج المبكر والاستعداد الذي يؤهله لتمثيل بلاده، مستعرضا الكتاب ما أوكل إليه من مهام رسمية من خلال ما أوكل إليه الملك سعود من مهمة بناء مسيرة التعليم بالمملكة الناشئة باختياره أول وزير للمعارف، إضافة إلى تمثيله لبلاده في عدة مهام رسمية، ثم ما عهد إليه الملك فيصل بعض المهام الكبيرة من خلال إيفاده إلى عدد من المؤتمرات وقيامه برئاسة مجلس الوزراء بوصفه نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، وعندما تولى الملك خالد مقاليد الحكم أصبح الأمير فهد وليا للعهد، وساعده الأيمن الذي يعتمد عليه في أمور كثيرة، ويستشيره في القضايا المهمة.
ومن المهام المبكرة التي شارك فيها الأمير فهد بن عبد العزيز في عهد والده، اختياره عضوا ضمن وفد المملكة برئاسة الأمير فيصل بن عبد العزيز وزير الخارجية - آنذاك - لتوقيع ميثاق الأمم المتحدة وافتتاح أعمالها في مدينة سان فرانسيسكو عام 1945م، كما كان ضمن أعضاء الوفد السعودي الذي رافق الملك عبد العزيز إلى مصر عام 1946م، كما أوفده الملك المؤسس للمشاركة في تشييع جنازة الملك عبد الله بن الحسين، ملك الأردن عام 1951م، كما ترأس وفد السعودية الذي شارك في احتفالات تتويج إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا عام 1953م. وفي عهد الملك سعود كان الأمير فهد يكلف ببعض المهام السياسية في الخارج، مما أكسبه مهارة سياسية جيدة، وارتبط بعلاقات وثيقة مع السياسيين العرب، فقد كان على رأس وفد رسمي لزيارة اليمن عام 1955م، وترأس وفد بلاده في اجتماع مجلس الجامعة العربية في الدار البيضاء عام 1959م، كما ترأس وفد السعودية في اجتماع جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية الذي عقد في نصيف شتورا بلبنان عام 1960م. كما عهد إليه الملك فيصل أيضا كثيرا من المهام الخارجية، من خلال حضوره الدورة الثانية في مؤتمر رؤساء الحكومات العربية الذي عقد في القاهرة عام 1965م، والمؤتمر الثاني الذي عقد في القاهرة في العام نفسه، كما انتخب رئيسا للمؤتمر الإسلامي الذي عقدته رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة عام 1965م.
وزار الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، عندما كان أميرا، باريس عام 1966م، بدعوة من الحكومة الفرنسية واستقبله الرئيس ديغول، استقبالا حافلا بعد أيام قليلة من تقلده منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء إضافة إلى وزارة الداخلية، وترأس في عام 1970م، وفد بلاده الذي زار بريطانيا للمشاركة في محادثات متعلقة بمستقبل منطقة الخليج العربي بعد قرار بريطانيا الانسحاب من المنطقة، وفي عام 1974م، ترأس النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية وفدا سعوديا إلى الولايات المتحدة الأميركية واجتمع مع الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، ووزير الخارجية الأميركية هنري كيسنجر، وعقد اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، كما ترأس نيابة عن أخيه الملك فيصل، وفد السعودية في مؤتمر قمة منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) الذي عقد في الجزائر في مارس (آذار) 1975م.
وتقلد الملك فهد بن عبد العزيز قبل توليه الحكم عددا من المناصب الرفيعة بالدولة تنوعت بين أهم الوزارات فيها، فكان أولها تعيينه وزيرا للمعارف في أول عهد الملك سعود وبالتحديد في 24 من ديسمبر (كانون الأول) من عام 1953م، وهو بذلك يعد أول وزير للمعارف في تاريخ المملكة، وثاني هذه المناصب تعيينه وزيرا للداخلية في أكتوبر (تشرين الأول) 1962م، فأعاد تنظيمها وطور الكليات فيها وأنشأ عددا من المعاهد التخصصية، واتبع خلالها أسلوبا في العمل يقوم على أساس من العلم والتعليم والتنظيم، وفي أكتوبر عام 1967م، عين الأمير فهد بن عبد العزيز نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، وهو منصب استحدث لأول مرة، وكان ذلك إضافة إلى قيامه بمسؤوليات وزارة الداخلية وأعبائها المتشعبة، وقد أصبح بحكم هذا المنصب يترأس جلسات مجلس الوزراء، وفي 25 مارس 1975م، بويع الأمير خالد بن عبد العزيز ولي العهد - آنذاك - ملكا للبلاد، كما بويع الأمير فهد بن عبد العزيز وليا للعهد، ونائبا لرئيس مجلس الوزراء، في حين أصبح الأمير عبد الله بن عبد العزيز نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء إلى جانب رئاسته للحرس الوطني.
وقد أنيطت بالأمير فهد مسؤوليات أخرى تشمل رئاسته لعدد من المجالس والهيئات المسؤولة عن أهم القطاعات الحيوية في المملكة، وهي: المجلس الأعلى لجامعة البترول والمعادن، المجلس الأعلى للجامعات، الهيئة الملكية للجبيل وينبع، المجلس الأعلى لسياسة التعليم، المجلس الأعلى لرعاية الشباب، اللجنة العليا لشؤون الحج، الهيئة الملكية لتطوير المدينة المنورة.
وخلال توليه منصب ولاية العهد، كان الأمير فهد بن عبد العزيز الساعد الأيمن لأخيه الملك خالد حيث أنابه في كثير من المهام والأسفار والمؤتمرات، وخصوصا في الشؤون الخارجية من خلال ترؤسه وفود بلاده إلى مؤتمرات القمة العربية في الدار البيضاء، وعمان، وبغداد، وأطلق مشروعه للسلام للشرق الأوسط الذي تبناه مؤتمر القمة العربية في الدار البيضاء عام 1981م، وحضر قمة الشمال والجنوب، والتقى هناك بكثير من زعماء العالم.
بويع الأمير فهد بن عبد العزيز ملكا للسعودية بعد وفاة الملك خالد، وذلك في يونيو (حزيران) 1982م، وقام بعدد من الزيارات الخارجية الرسمية بمختلف دول العالم، وأنجز على الصعيد الداخلي مشروعات لافتة لعل أبرزها توسعتا الحرمين الشريفين، حيث شهد عهده أكبر توسعة لهما على مر التاريخ، كما افتتح مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف الذي اعتنى بطباعة كتاب الله وتوزيعه بمختلف الإصدارات والتراجم إلى كثير من اللغات العالمية، وشهدت البلاد نهضة كبرى في مختلف الميادين، وحققت البلاد اكتفاء ذاتيا في كثير من المواد المهمة، وفي مقدمتها القمح، كما أرسى قواعد النظام الدستوري في البلاد بإصدار أنظمة الحكم والمناطق والشورى.
وسيذكر التاريخ للملك فهد جهوده في عقد مؤتمر الطائف عام 1989، الذي جمع أطراف اللبنانيين، وانتهى بتوقيع اتفاق الطائف الذي حل بموجبه السلام بربوع لبنان، كما سيذكر له التاريخ أيضا وقوفه إلى جانب دولة الكويت عندما غزتها القوات العراقية في أغسطس (آب) عام 1990م، لذا يعد البطل الحقيقي لتحرير دولة الكويت، كما أنه له مواقف نبيلة في دعم القضية الفلسطينية سياسيا وماديا ومعنويا.
ويعد الملك فهد أول من تسمى بلقب خادم الحرمين الشريفين بدلا من صاحب الجلالة، حيث أصدر أمرا ملكيا في هذا الشأن في أكتوبر عام 1986م، ومعه تجنب استخدام عبارات: «سيدي المعظم»، أو «مولاي»، وغيرهما من عبارات التمجيد والتعظيم.
تميز الملك الراحل فهد بن عبد العزيز بعدد من الصفات، فهو متحدث في المحافل بلغة واضحة لا لبس فيها، يمزج أحاديثه بخفة الروح واللباقة، كما كان يتميز بالصبر والروية ورحابة الصدر، وكان كريم الخلق والسجايا، طلق المحيا، غير متجهم أو عبوس، وكان مولعا بالصحراء، خصوصا في أوقات الربيع، وكان يعرف طرقها ودروبها، ولعل «روضة التنهات» هي أحب الأماكن الصحراوية التي كان يقضي فيها أوقات راحته واستجمامه.
رزق الراحل بـ10 من الأبناء، 6 من الذكور، و4 من الإناث، أما أبناؤه الأمراء، فهم: فيصل، ومحمد، وسعود، وسلطان، وخالد، وعبد العزيز، وأما بناته الأميرات، فهن: العنود، ولولوة، ولطيفة، والجوهرة.
توفي الملك فهد يوم الاثنين الأول من أغسطس 2005م، في مستشفى الملك فيصل التخصصي في العاصمة الرياض بعد حياة حافلة بالإنجازات وبالحضور المحلي والعربي، والإقليمي، والعالمي، محتفظا بمحبة المواطنين، ومودة الزعماء العرب، والقبول الفائق مع الزعماء العالميين، وكرس وقته لخدمة وطنه ومواطنيه.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».