فائزون من الحراك ومستقلون يسعون إلى تشكيل تكتل نيابي

TT

فائزون من الحراك ومستقلون يسعون إلى تشكيل تكتل نيابي

مثل فوز أكثر من 30 مرشحاً عن حراك أكتوبر (تشرين الأول) 2019 الاحتجاجي، والمستقلين، من بين أكبر المفاجآت التي حدثت في الانتخابات النيابية العامة العراقية التي جرت الأحد الماضي.
ولم تقتصر المفاجأة على جماعات الحراك والاتجاهات المدنية القريبة منها فحسب، بالنظر لمواقف المقاطعة الانتخابية التي أعلنتها بعض قوى الحراك، إنما مثلت ما يشبه «الصدمة» بالنسبة للقوى السياسية الإسلامية التقليدية المتقاطعة والمتخاصمة بمجملها مع الاتجاهات المدنية بشكل عام وجماعات الحراك بشكل خاص، وقد شاهد العراقيون والعالم عمليات الحرق والتجريف الواسعة التي قامت بها جماعات الحراك لمعظم مقرات الأحزاب والفصائل المسلحة في ذروة المظاهرات الاحتجاجية عام 2020.
من هنا، فإن من الصعب التكهن بطبيعة العلاقة التي ستجمع بين القوتيين البرلمانيتين الشيعيتين، الكتلة الصدرية (نحو 72 مقعداً)، وائتلاف دولة القانون (نحو 36 مقعداً) من جهة، وبين ما يمكن وصفها ابتداءً بـ«كتلة تشرين والمستقلين» من جهة أخرى، نظراً لعلاقة التوتر الشديدة بين الجانبين التي سبقت الانتخابات البرلمانية، ولعلها ما زالت قائمة.
حتى الآن لا تبدو بوصلة كتلة «تشرين والمستقلين» واضحة بما يكفي للحديث بثقة عن طبيعة خطوتها التالية، رغم التصريحات الصادرة عن بعض أعضائها عن بوادر اتفاقات أولية لتشكيل كتلة متماسكة داخل البرلمان، لكن عدم وضوح الخطوة المحتملة التالية لا يقلل من أهمية وجود عدد كبير من النواب «التشارنة»، كما يسموهم العراقيون، والمستقلين في البرلمان لأول مرة، وحجم التحولات التي يمكنهم القيام بها على مستوى المراقبة والتشريع، وإذا ما استطاعوا تشكيل كتلة نيابية صلبة وموحدة فيمكن أن يكونوا، برأي أغلب المتابعين، «بيضة القبان» التي لا يمكن تجاهلها من قبل القوى السياسية التقليدية في جميع جولات الصراع والمفاوضات المقبلة بين الأطراف الفائزة بشأن تشكيل الحكومة وبإزار توزيع الحقائب والمناصب.
ورغم الأحاديث التي بدأ البعض يتداولونها عن الأموال الطائلة التي تقدم من قبل بعض الكتل النافذة لـ«التشارنة» والمستقلين الفائزين، بهدف استمالتهم للانضمام إلى لوائح تلك الكتل، إلا أن أحاديث ولقاءات أخرى تكشف عن رغبة أولية بينهم (التشارنة والمستقلين) بالعمل المشترك الجاد في المرحلة المقبلة.
وكان الناشط النجفي البارز أبو زين العابدين الحسناوي، تحدث أول من أمس، عن «حقائق ملموسة» تشير إلى أن «العرض المالي المقدم من إحدى الكتل لبعض المستقلين من أجل استمالتهم وصل إلى 2 مليون دولار».
ولعل من بين أول بوادر السعي لتنسيق المواقف وتشكيل كتلة بين جماعات تشرين والمستقلين، الاجتماع الذي عقد نهاية الأسبوع الماضي، بين علاء الركابي رئيس حركة «امتداد» التشرينية الفائزة بنحو 9 مقاعد نيابية، وحسين الغرابي رئيس حزب «البيت الوطني» المنبثق عن «تشرين» الذي قاطع الانتخابات، بهدف تنسيق الجهود وتوحيد الموقف. وقال الركابي بعد اللقاء إن حركته «لن تشترك في تشكيل حكومة مبنية على أساس المحاصصة». وأضاف: «في المرحلة المقبلة سنذهب لتشكيل معارضة سياسية، وأوضحنا هذا الأمر أكثر من مرة».
وتابع: «الاحتمال الوحيد للتحالف سيكون مع الجهات المستقلة الجديدة التي رشحت مع الكفاءات الوطنية أو الحركات الناشئة، وإذا كانت هناك حركات قريبة على مبادئنا، فإن هذه الخيارات هي المتاحة للتحالف فقط».
إلى ذلك، قال الناشط والمحامي باسم خشان، أول من أمس، إن كتلة المستقلين تجاوزت سقف الـ30 نائباً، وأنهم «متماسكون وهدفهم واضح». وأضاف خشان الذي فاز بمقعد نيابي عن محافظة المثنى الجنوبية في تصريحات لوسائل إعلام محلية، إن «كتلة المستقلين تملك خيارين في الوقت الحالي، إما رئاسة الوزراء، أو الذهاب إلى معارضة حقيقية مدعومة من الشعب». والمعارضة، حسبه، ستشمل «المحاسبة والاستجوابات وتقويم عمل الحكومة وتشريع وتعديل القوانين وإلغاء بعضها».
ويعتقد خشان أن «تسنم رئاسة الحكومة ليس بحلم صعب المنال، كون التوازنات السياسية الحالية تشهد تكافؤاً في الفرص بين المالكي والصدر، وهذا الأمر يجعلنا بيضة القبان لكلا الطرفين، ويمكن أن نحصل على دعم وقناعة الآخرين، بأن تكون كتلتنا هي المسؤولة عن تشكيل الحكومة الجديدة».
وليس من الواضح بعد فيما إذا كان خيار المنافسة على شغل منصب رئاسة الوزراء محل اتفاق بين «التشارنة» والمستقلين، لكن المرشح المستقل الفائز عن محافظة النجف حيدر شمخي، يرى أن «ما يهم المستقلين ليس المناصب الوزارية، إنما الكيفية التي سيتكاتف ويتجمع خلالها المستقلون ليكون لديهم صوت مسموع ورؤية واضحة داخل البرلمان من أجل خلق منهج سياسي جديد لخدمة مطالب الشعب المحقة».
وقال شمخي في تصريحات، «لدينا خمسة مستقلين فائزين في النجف، اجتمعنا ولدينا رؤية موحدة نتشاطرها مع مستقلين آخرين في محافظات أخرى، ونأمل في تشكيل تكتل نيابي مؤثر في البرلمان».
وحسب بعض المراقبين، فإن شعار محاسبة المتورطين في قتل المتظاهرين الذي رفعته حركتا «امتداد» و«إشراقة تشرين» الفائزتان بنحو 14 مقعداً نيابياً، إلى جانب بعض المستقلين، سيبقى من بين الشعارات والأهداف «صعبة التحقيق» التي تنتظر هذه الاتجاهات للعمل على تحقيقها تحت القبة النيابية في المرحلة المقبلة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».