ماجد المهندس في «جلسة عمر»: الحب ثروة الإنسان

ماجد المهندس ونيشان في «جلسة عمر»
ماجد المهندس ونيشان في «جلسة عمر»
TT

ماجد المهندس في «جلسة عمر»: الحب ثروة الإنسان

ماجد المهندس ونيشان في «جلسة عمر»
ماجد المهندس ونيشان في «جلسة عمر»

يتكئ الفنان ماجد المهندس على خجل جميل، تتحلى به قلة. يصطحبه معه إلى افتتاح برنامج «جلسة عمر» مع نيشان، عبر «إم بي سي». لقبه «البرنس»؛ وذلك ليس لنوعية الغناء واحترافية الأداء وحدهما، بل أيضاً لدفء اللسان وحُسن الخُلق. يطل ليُعلي قيمة الحب ويؤكد عظمته في ضمير الكون... ما السعادة الحقيقية؟ «أن أكون على المسرح وأغنّي للجمهور. التفاعل هو حياتي»، يجيب؛ راسماً ابتسامة على الوجه. رجل «بيتوتي»، متنفسه الحفلات: «وحشتني طبعاً». يُخبر محاوره شذرات من حياة يحتفظ بأسرارها لنفسه، إضافة إلى ما يتعلق بفنه وغنائه. «الجمهور هو أصدق الناس»، يقول؛ متحدثاً بوفاء عن لبنان، ومكانة فيروز في ذاكرته الوجدانية، حيث الصفاء يهزم الضجيج.
أربع حلقات يقدمها نيشان في «جلسة عمر»، يفتتحها بماجد المهندس، ويستكملها مع ثلاث أيقونات: محمد عبده، وراشد الماجد، وجورج وسّوف. يستريح الضيف في فيء المُحاوِر. فنيشان يرشّ عطراً على بعض الأسئلة، لتتجمّل. تصبح «خفيفة» كطير. بعضها يأخذ الحديث بعيداً وبعدها يحطّ على أقرب غصن، بجانب الثمر.
يخوض الضيف حواراً من دون تكلّف، فلا يشعر أنه في سباق، أو أنه في كباش، وعليه الانتصار على السؤال والسائل. حوار سلس، كأنه يجري في أمسيات المنازل. لا أجواء تتعكّر ولا سير على الجمر. لمحات الماضي ولفحات الحنين. وقصص معلّقة على حبال الفؤاد، تختال كعروس أمام مصوّر في ليلة زفافها. يصل الحديث إلى السماح، فيردّ أنه يغفر حتى الأذية. ومرات أُريد تشويه سمعته والإساءة إليه، فاتّسع القلب للغفران والصفح.
يتكون انطباع أن ماجد المهندس رجل من حب... ينادي به بين الكلمات، ويرفع شأنه في العبارات. حمل نيشان والناس خلف الشاشات، وزوّار تطبيق «شاهد»، إلى أمكنة دافئة... بالشجن وهو يغنّي، وبالعِبرة وهو يتحدّث. يلتحف الحب، فيصبح كائناً شفّافاً، يخترقه الضوء. يلمع بلمعان معانيه ويتلالأ بضياء عِبره. يسأله نيشان اختزال العمر بمفردة، فيردّ: «العُمر هو الحب».
أهدى لبنان كثيراً من جمال روحه. وحين طلب إليه نيشان اختيار نجمة يهديها أغنيته، وقع الخيار على نجوى كرم. لمح فيها صوتاً يتقن غناء واحدة من أجمل رومنسياته باللبنانية: «كيفك؟ حبيت سلّم عليك»، مع تساؤل رقيق: «شو صاير بحالك؟ عم أخطر ع بالك؟». يختار «شمس الأغنية»، وبصوته يغنّي رائعتها: «لا تبكي يا ورود الدار، ضلّك غنّي بغيابه». يعترف لنيشان: «أحبّ أغنياتها». بدا مكتمل العاطفة تجاه وطننا الموجوع. يتكلّم عنه بوفاء الكبار تجاه الأرض الطيبة، ورغم تصاعد النار وسيطرة الاحتراق، فإن التقدير لا يخفت ونبع الودّ لا يجفّ.
لم تخرج منه طوال الجلسة كلمة تسيء إلى إنسان أو تسجّل أي عتب. يأتي بكامل التصالح مع الذات. لا يعني ذلك أنه إنسان بلا هفوات، أو رجل بلا أخطاء. الفارق أنه يتعلّم. يُخبر نيشان عن مرحلة النضج: «قبل أربع سنوات، كنت سريع الإحساس بالمضايقة. لا أنام طوال الليل حين أُمسّ بسوء. وكنتُ أبكي. اليوم، يتغيّر الوضع. لم أعد هذا الرجل المفرط الحساسية. أتعلم تحصين العواطف». ويُخبر نيشان أيضاً أن كثراً لا يضمرون الخير لأحد ويهوون الانتقاص من النجاحات. «اليوم ماذا يبكيك؟»، يحاول مُحاوِره تقليب المواجع، لكن ضيفه واعٍ لإجاباته، يختارها بعناية، فلا ينتقص من شأنٍ أو يقلّل من أحد: «تبكيني ذكرى الوالد». الآباء رقي الدمع.
يجيب بصراحة أن شركة تتحكم في حساباته على «السوشيال ميديا»، وبالكاد يجيد استعمال «الميل» و«الواتساب»: «هذا ليس تكبّراً». يدرك متابعوه أن فنانهم يتحلّى بقدر لطيف من التواضع ورفعة البساطة. لا يطلّ على جمهوره «من فوق». يلاقيهم بمدّ اليد. وبالمحبة بين البشر، فلا يشعر المُشاهد بأن الرجل أمامه على الشاشة يفتعل الحديث ويبالغ في الاستعراض. ماجد المهندس «gentle»، حضوره يطيّب الخواطر.
يشارك الناس بعض ما يتعلّمه: «إن سُدّ باب، يقابله عشرة أبواب. هذه ليست النهاية، فالإيمان بالله يشرّع حدائق البدايات». يخفّف على المتابع: «بعض الإخفاقات هي اختبار للصبر. الحياة مراحل، والآتي أجمل إن شاء الله». تمتلئ بالسلام وأنت تصغي إلى الحديث، وأيضاً إلى الغناء. قلما يجمع فنان بين النعمتين: الصوت والفهم. بعضهم يصطدم بالزلات كلما نطق أو غرّد، وبعضهم لا يجيد اختيار الكلمات فتخونه العبارات. بعض ثالث يُحسن الحوار، فإذا بالصوت يتردد، ولا يثق بنفسه، لا يُبهج، ولا يُشعر بالحضن. ماجد المهندس ممن يتحلون بالآداب والشجن. قاعدة السعادة بالنسبة إليه هي العطاء. يخشى التنمّر، ولو سُئل البحث عن موضوع جديد في الغناء، لاختاره للتوعية بمخاطره.
يهندس نيشان بعض أسئلته فيزيدها جمالية: «هل يشيخ صوت الفنان؟». «قد يهرم النَفَس»؛ يردّ ضيفه، لكنّ الخامة لا تتغيّر. دلّعه الأهل «مَجّود»، وظل ذلك البسيط، ابن البيت، لا «إيغو»؛ بل يقين بأن التنافس الفني يُحلّي الساحة ويُطرب الناس. وإذا نظر إلى الوراء، بماذا ينصحه «مَجّود»؟ «خليك مثل ما أنت». أربع كلمات تؤكد معدن النجم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».