أغاني الراب تجتذب الشباب في مصر رغم القيود النقابية

نجومها يواجهون قرارات المنع وشرط تكوين فرقة موسيقية

TT

أغاني الراب تجتذب الشباب في مصر رغم القيود النقابية

كلمات تروي صوراً من واقع حياة الشباب المصري وطموحاتهم وإنجازاتهم وحتى إخفاقاتهم، تغنى بإيقاع سريع جداً، مقدمة نمطاً من موسيقى الراب الذي بات جاذباً لشريحة كبيرة من الشباب والمراهقين في مصر، لدرجة وصلت إلى حد وصف أنفسهم بأنهم «رقم واحد» في سوق الغناء المصري، نظراً لأرقام مشاهداتهم المرتفعة عبر المنصات الإلكترونية، وحجم الإقبال على حفلاتهم.
ورغم شعبية هذا النوع من الموسيقى، فإنه يواجه بقيود نقابية تتراوح ما بين تسجيل مغني الراب في النقابة، واشتراط استخدام آلات موسيقية، وصولاً إلى قرارات الإيقاف التي طالت أخيراً نجم الراب مروان بابلو، في حفله الأول بعد سنوات من الاعتزال.
حيث أصدرت نقابة المهنة الموسيقية المصرية قراراً بإيقاقه ومنع التعامل معه، «لاستهانته بابتهالٍ ديني خلال حفله الأخير بالقاهرة في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي»، والذي حضره نحو 25 ألف شخص، وقالت النقابة إنها «أخطرت كافة الجهات والهيئات والمتعهدين بمنع التعامل مع بابلو، لأنه تناول في إحدى حفلاته ابتهالاً دينياً ثابتاً، ويحمل معاني روحانية، وقيماً سامية لدى المصريين، واستهان بهذا الدعاء بابتذال وأفرغه من محتواه الأخلاقي».
وأثار هذا القرار حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، بين مدافعين عن بابلو ومنتقدين له، إذ قال المنتج محمد العدل، في منشور على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي إن «الابتهال أغنية لها مؤلف وملحن، وليست نصاً مقدساً، نريد نصاً جديداً في القانون عن (ازدراء الابتهالات)»، بينما اعتذر الشاب الذي تلاعب بالابتهال على حسابه على «إنستغرام»: «أعتذر بشدة على سوء التفاهم الذي حدث، وكل الحب والاحترام لأخي مروان».
القيود النقابية على مغني الراب في مصر «لا تقلل من شعبيتهم وإقبال الجمهور عليهم» بحسب الفنان طارق صبري، مدير مسرح الزمالك، بالقاهرة، الذي أوضح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «مطربي الراب المصريين لديهم قاعدة جماهيرية كبيرة بين الشباب والمراهقين من الطبقة المتوسطة وما فوقها»، مشيراً إلى أن «الراب ليس جديداً في مصر، فهؤلاء النجوم أمثال بابلو وشاهين وأبو الأنوار وأبو يوسف وعفروتو يغنونه منذ فترة طويلة لكنهم تحولوا إلى ترند موسيقي في العام الحالي، حتى أنهم احتلوا مراتب ومواقع أغاني المهرجانات، ويصنفون الآن في المرتبة الأولى على الساحة الغنائية في مصر بالنسبة للشباب».
وهو ما يؤكده خالد حسن، طالب في السادسة عشرة من عمره، بقوله لـ«الشرق الأوسط» إن «أغاني الراب الآن تناقش موضوعات مهمة، ولم تعد مجرد كلمات للهجاء أو الهجوم كما كان في السابق»، مشيراً إلى أنه «يحب الراب لأنه يمنحه بهجة وطاقة»، ويضيف: «كلمات الأغاني قريبة من حياتنا».
ورغم هذه الشعبية والجماهيرية يواجه مطربو الراب في مصر عدة معوقات من بينها عدم تسجيلهم في نقابة المهن الموسيقية، إضافة إلى اشتراط النقابة أن يغني الفنان أمام فرقة موسيقية من 8 عازفين، وهو الأمر الذي يرفضه «الرابرز»، مؤكدين أنهم لا يحتاجون لفرقة موسيقية وعادة يغنون على موسيقى مسجلة، وجدد حفل مروان بابلو هذه الأزمة حيث التزم بشروط النقابة، وهو ما أغضب زملاءه، مؤكدين أن «هذا سيدفع النقابة للتشديد على حفلات الرابرز في المستقبل».
وهنا يقول صبري إن «الرابرز لا يحتاجون إلى فرقة موسيقية، فهم يقدمون كلمات وأغاني على إيقاع شبه ثابت، وبشأن أزمة التسجيل، فكثير منهم بدأ إجراءات تسجيله في النقابة»، مشيراً إلى أن «الراب لون موسيقي مهم، وله قاعدة جماهيرية ويقدم أغاني جميلة تخاطب جيل الشباب».
وشهدت مصر مجموعة من حفلات الرابرز خلال الشهور القليلة الماضي، في حدائق ومسارح عامة، حضرها آلاف الشباب والمراهقين.
ونظم مسرح الزمالك حفلات لكل نجوم الراب في مصر تقريباً، ويقول صبري إن «هذه الحفلات كانت تشهد هجوماً كاسحاً من الشباب حتى أن حفل مروان موسى تسبب في تعطيل حركة المرور في الزمالك نحو 3 ساعات»، موضحاً أن «هذه الشعبية دفعت منتجي الأفلام لاستخدام مغني راب في تقديم أغاني الأفلام، كما أصبحوا عنصراً مهماً في الإعلانات».
وتناقش أغاني الراب المصرية مختلف مناحي الحياة، حيث يعرض الرابرز أحلامهم وطموحاتهم، كما يناقشون مشاكل المجتمع المختلفة، وبحسب صبري فإنها «تتناول قضايا تمس الحياة اليومية للشباب، وهذا سبب شعبيتها».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».