لبنانيون يبحثون عن كسوة الشتاء في محلات الألبسة المستعملة

انهيار سعر الليرة بدّل الكثير من عادات العائلات

TT

لبنانيون يبحثون عن كسوة الشتاء في محلات الألبسة المستعملة

على أعتاب فصل الشتاء، تبحث اللبنانية دلال في خزانة ابنتيها، وتتفحص الملابس الشتوية وتحصيها: «دانا (7 سنوات) لديها ما ترتديه هذا الشتاء من ثياب أختها الكبيرة لمى (10 سنوات)، لكن من أين أشتري للمى كسوة الشتاء هذا العام؟»، تتساءل في حيرة من أمرها.
دلال التي خسرت عملها عام 2020 في فترة الحجر العام بسبب فيروس «كورونا» تشعر بقلق وحزن كبيرين على ابنتيها اللتين اعتادتا نمط حياة معيناً، وتحكي: «لم نكن يوماً أثرياء لكننا كنا مستورين وإلى حد ما مرتاحين، ولم تحتج ابنتاي أبداً إلى ثياب أو ألعاب من دون أن نتمكن من شرائها لهما».
وتقف دلال محتارة من دون أن تجد حلاً يناسب عزة نفسها من جهة ويؤمّن من جهة أخرى كسوة الشتاء لابنتها الكبرى أيضاً، حسب وصفها، وتقول: «راتب زوجي تآكل بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار حاله كحال كل اللبنانيين، وبين الحاجات الأساسية وأقساط المدارس من شبه المستحيل أن نشتري قطعة جديدة للفتاتين على مدى شهرين والشتاء على الأبواب». وتخبر أنها زارت محلات التخفيضات لكنّ الأسعار ليست أرخص بكثير، و«لشراء ثلاث بدلات ملابس لكل فتاة أحتاج لأكثر من مليون ونصف ليرة لبنانية (نحو 80 دولاراً)»، وتفكر دلال، على حد تعبيرها، بالذهاب إلى «سوق البالة» لكن من دون أن تخبر ابنتيها عن الموضوع، فهما لن تعرفا أن الثياب مستعملة «ولا أريد أن أمسّ كبرياء ابنتي في هذا العمر الحساس والذي ينطبع في ذاكرة الطفل إلى الأبد»، تقول بخجل. ومع انهيار الليرة اللبنانية وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين، تبدّل أسلوب حياة الغالبية العظمى من الشعب اللبناني، ليصبح الإنفاق محصوراً بالضرورات. تقول نسرين طرابلسي، صاحبة متجر ثياب في العاصمة بيروت، لـ«الشرق الأوسط»، إن الوضع الاقتصادي أثّر على الزبائن الذين اعتادوا قصد المتجر لشراء الملابس، وتوضح أن «غير الميسورين توقفوا كلياً عن زيارة المحل، أما الزوار فهم من الطبقة التي استفادت من ارتفاع سعر صرف الدولار وممن يتقاضون رواتب مرتفعة نسبياً».
وتضيف: «معظم من يدخلون المحل يسألون عن الأسعار ويغادرون فور سماعها، وهناك أيضاً بعض الزبائن الذين توقفوا عن شراء كميات من الملابس كما اعتدنا عليهم في السابق وأصبحوا يكتفون بقطعة ونادراً اثنتين... يشترون ما يحتاجون إليه فقط لا غير».
وأثّرت الأزمة الاقتصادية الأسوأ في تاريخ لبنان على العائلات اللبنانية الفقيرة والوسطى سلباً، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، فحاولوا أن يجدوا بديلاً لحاجياتهم الأساسية بدءاً من الطعام وصولاً إلى اللباس. وأصبح اللبناني الذي كان يرتاد مراكز التسوق الفخمة والمجمعات التجارية مجبراً على تغيير نمط حياته ووجهته. ويخبر التاجر في «سوق البالة» سامر كريم، «الشرق الأوسط» بأن «زوار سوق البالة هم جدد ويختلفون عن الطبقة الفقيرة السابقة التي كانت تأتي للتبضع بشكل عام. بمعنى آخر، الفقراء عادةً كانوا الغالبية العظمى التي تتردد على أسواق البالة أو الألبسة المستعملة، وكانت نسبة الطبقة المتوسطة من الزوار لا تتخطى الـ20%»، أما اليوم، فيؤكد أن «الطبقة الفقيرة توقفت بشكل شبه كلّي عن زيارة هذه السوق أو تشتري الأمور الاضطرارية والملحّة لأن البالة هي ألبسة مستعملة ولكنها مستوردة ونشتريها بالدولار ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع».
ويعطي كريّم مثالاً على ارتفاع أسعار الملبوسات في متجره والمتاجر المجاورة له في كورنيش نهر أبو علي في طرابلس (شمال لبنان)، ويقول إن الأسعار لم تقفز بقدر ارتفاع سعر صرف الدولار الذي بلغ نحو 23 ألف ليرة للدولار الواحد في بعض الأحيان، لأن سعر الجمرك ما زال على الـ1500 ليرة، لكن يعرب كريّم عن تخوفه مما يسمعه «من وراء الكواليس»، على حد تعبيره، عن أن رسم الجمرك سيصبح على سعر الـ10 آلاف ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد مع مطلع العام الجديد. ويؤكد أنه إذا حصل هذا الأمر «سترتفع أسعار ثياب البالة أربعة أضعاف إضافية»، الأمر الذي يصفه بأنه «كارثي» لأن «المواطنين لن يتمكنوا حينها حتى من شراء الثياب المستعملة لكسوة أنفسهم».
ويخبر كريّم أن من يقصدون سوق البالة اليوم هم طلاب الجامعات والموظفون ومعلمات المدارس، الذين عادةً ما كانوا يبتاعون ملابس جديدة، إلا أن الظروف الاقتصادية الخانقة حرمتهم من ذلك، ويقول: «الموظف الذي يتقاضى نحو المليون ليرة كراتب شهري لن يتمكن من شراء ثياب جديدة يذهب بها إلى عمله».
وفي حين يلجأ عدد كبير من المواطنين اللبنانيين للبحث عن حوائجهم الأساسية بما يتناسب مع مداخيلهم التي تبخرت قيمتها مع ارتفاع سعر صرف الدولار في سوق البالة، لا يملك البعض الآخر هذا الخيار الذي أصبح رفاهيةً أيضاً بالنسبة لهم. وتؤكد صاحبة مبادرة «ثياب العيد» شرين قباني، أن الأزمة الاقتصادية المستفحلة أدت إلى ازدياد عدد الأشخاص الذين يقصدون هذا المتجر المجاني في العاصمة بيروت.
وتخبر قباني «الشرق الأوسط» أن «من كانوا يتبرعون في السابق للمتجر أصبحوا اليوم يزوروننا للاستفادة. المتبرعون أصبحوا محتاجين، لأن الوضع الاقتصادي صعب جداً والرواتب تآكلت بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار كما أن العديد منهم فقد عمله».
وتقول إن «عدد المحتاجين ارتفع كثيراً، وفي المقابل خفّت التبرعات، فالأشخاص الذين كانوا من الطبقة المتوسطة والذين كانوا يتبرعون بثيابهم المستعملة أصبحوا يستعملون هذه الملابس أكثر من عام خصوصاً أن القدرة الشرائية انعدمت»، كما تشير إلى أن الأهالي أصبحوا يلجأون إلى بيع ملابسهم أو ملابس أولادهم بدلاً من التبرع بها بهدف الاستفادة من قيمتها لشراء ملابس مناسبة لأولادهم.
وعلى أبواب العودة إلى المدارس، «يطلب الأهالي حقائب مدرسية من المتجر حتى لو كانت متسخة أو ممزقة قليلاً كل همهم أن يكون لدى أولادهم حقيبة مدرسية يحملون فيها الكتب»، وتحكي أن «الأولاد الذين يدخلون إلى المتجر مع أهاليهم يفرحون عندما يجدون ما يريدونه، فالبنات يطلبن حقيبة مدرسية زهرية اللون والصبيان يريدونها زرقاء».



الحوثيون يُصعّدون جنوباً... وواشنطن تدمر مسيّرة ومركبة دعم

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» عقب سلسلة هجمات حوثية (أ.ف.ب)
حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» عقب سلسلة هجمات حوثية (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يُصعّدون جنوباً... وواشنطن تدمر مسيّرة ومركبة دعم

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» عقب سلسلة هجمات حوثية (أ.ف.ب)
حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» عقب سلسلة هجمات حوثية (أ.ف.ب)

صعّدت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران من هجماتها باتجاه محافظة لحج اليمنية (جنوباً)، وذلك عقب تهديدات زعيمها عبد الملك الحوثي في أحدث خطبه بما وصفه بـ«المفاجآت البرية».

جاء ذلك في وقت واصل فيه الجيش الأميركي ضرباته الاستباقية ضد الجماعة، في سياق السعي لإضعاف قدراتها على مهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وأوضحت القيادة المركزية الأميركية بأن قواتها نجحت خلال 24 ساعة في تدمير مسيرة للحوثيين المدعومين من إيران، إضافة إلى مركبة دعم واحدة في منطقة يمنية تسيطر عليها الجماعة.

وفي حين لم يتحدث الحوثيون عن هذه الضربات، ولا آثارها، ولا عن المنطقة التي استهدفتها، قال الجيش الأميركي إنه تبيّن أن هذه الأنظمة كانت تُشكل تهديداً واضحاً وشيكاً للقوات الأمريكية وقوات التحالف والسفن التجارية في المنطقة.

وأضاف البيان أنه «تم اتخاذ الإجراء (تدمير المسيرة المركبة) لحماية حرية الملاحة وجعل المياه الدولية أكثر أماناً وأمناً».

وفي مقابل التصعيد الحوثي، أطلقت واشنطن في ديسمبر (كانون الأول) الماضي ما سمّته «تحالف حارس الازدهار» لحماية الملاحة البحرية، قبل أن تبدأ ضرباتها الجوية على الأرض في 12 يناير (كانون الثاني) بمشاركة من بريطانيا.

طائرة وهمية من دون طيار يرفعها أحد عناصر الحوثيين في أحد ميادين صنعاء (إ.ب.أ)

وتلقت الجماعة الحوثية أكثر من 600 غارة منذ ذلك الوقت في مناطق عدة خاضعة لها، بما فيها صنعاء، لكن أكثر الضربات تركّزت على المناطق الساحلية في محافظة الحديدة، التي تتخذ منها الجماعة منطلقاً لشن الهجمات ضد السفن.

وتشّن الجماعة الحوثية منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة، ومنع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل، بغض النظر عن جنسيتها، إضافة إلى السفن الأميركية والبريطانية.

وكانت الجماعة قد هاجمت الأسبوع الماضي ناقلة نفط ترفع علم بنما، وتدعى «بلو لاجون 1»، ليرتفع عدد السفن التي أصيبت منذ بدء التصعيد إلى ما يقارب 34 سفينة، من بين نحو 185 سفينة تبنّت الجماعة مهاجمتها.

تعثر إنقاذ «سونيون»

وكان أحدث هجوم مؤثر ضد السفن قد نفّذته الجماعة في البحر الأحمر في 21 أغسطس (آب) الماضي ضد ناقلة النفط اليونانية «سونيون» عبر سلسلة هجمات؛ ما أدى إلى توقُّف محركها وجنوحها، قبل أن يجري إخلاء طاقمها بواسطة سفينة فرنسية تابعة للمهمة الأوروبية «أسبيدس».

وبعد إخلاء الطاقم، اقتحم المسلحون الحوثيون الناقلة، وقاموا بتفخيخ سطحها وتفجيرها؛ ما أدى إلى اشتعال الحرائق على متنها، وسط مخاوف من انفجارها، أو تسرُّب حمولتها من النفط البالغة مليون برميل.

وأعلنت البعثة البحرية الأوروبية «أسبيدس»، الثلاثاء الماضي أنّ «الظروف غير مواتية» لقطر الناقلة المشتعلة، محذرةً من كارثة بيئية «غير مسبوقة» في المنطقة.

وقالت «أسبيدس» على منصة «إكس»: «إن الشركات الخاصة المسؤولة عن عملية الإنقاذ توصَّلت إلى أن الظروف لم تكن مواتية لإجراء عملية القطر، وأنه لم يكن من الآمن المُضي قدماً، وتدرس الشركات الخاصة الآن حلولاً بديلة».

وأدى هجوم حوثي في 18 فبراير (شباط) الماضي إلى غرق السفينة البريطانية «روبيمار» في البحر الأحمر، قبل غرق السفينة اليونانية «توتور»، التي استهدفتها الجماعة في 12 يونيو (حزيران) الماضي.

كما أدى هجوم صاروخي في 6 مارس (آذار) الماضي إلى مقتل 3 بحّارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف سفينة «ترو كونفيدنس» الليبيرية في خليج عدن.

وإلى جانب الإصابات التي لحقت بالسفن، لا تزال الجماعة تحتجز السفينة «غالاكسي ليدر» التي قرصنتها في 19 نوفمبر الماضي، واقتادتها مع طاقمها إلى ميناء الصليف، شمال الحديدة، وحوّلتها مزاراً لأتباعها.

تصعيد ميداني

إلى جانب التهديد البحري ضد السفن، ذكرت مصادر محلية يمنية أن الجماعة الحوثية شنّت هجمات على مواقع عسكرية تابعة للقوات الموالية للحكومة اليمنية في محافظة لحج الجنوبية، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الطرفين.

ووفق المصادر، استهدفت الهجمات الحوثية موقعين في منطقة عهامة، التابعة لمديرية المسيمير، واستولت عليهما، قبل تشّن القوات الموالية للحكومة هجمات مضادة في مسعى لاستردادهما.

مسلحون حوثيون ضمن حشد دعا إليه زعيمهم في ميدان السبعين بصنعاء (رويترز)

وتسود مخاوف في الأوساط اليمنية من أن تقوم الجماعة الحوثية بنسف التهدئة الميدانية القائمة منذ أبريل (نيسان) 2022، خصوصاً بعد حديث زعيم الجماعة الحوثية في أحدث خطبه عما وصفه بـ«مفاجآت برية».

ومن وقت لآخر، تهاجم الجماعة الانقلابية مواقع القوات الحكومية في تعز ولحج والضالع ومأرب، واتهمتها الحكومة أخيراً بمحاولة قصف منشأة «صافر» النفطية في مأرب.

وبعد تطلع اليمنيين في آخر العام الماضي إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة اليمنية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، فإن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي أحدث تصريحات رئيس «مجلس القيادة الرئاسي اليمني»، رشاد العليمي، حمل الحوثيين مسؤولية تعطيل مسار السلام، وتطرق إلى المبادرات التي قدمها «المجلس»، وقال: «لم نجد المشترك معهم للتقدم على هذه الطريق؛ إذ ليس لديهم سوى الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».