تكريم متلألئ لعبقري فن الزجاج

جان ميشيل أوثونيل ينضم إلى «مجمع الخالدين» في فرنسا

أزهار مذهبة في حدائق {لو بيتي باليه} في باريس  (نيويورك تايمز)
أزهار مذهبة في حدائق {لو بيتي باليه} في باريس (نيويورك تايمز)
TT

تكريم متلألئ لعبقري فن الزجاج

أزهار مذهبة في حدائق {لو بيتي باليه} في باريس  (نيويورك تايمز)
أزهار مذهبة في حدائق {لو بيتي باليه} في باريس (نيويورك تايمز)

خلال احتفالية أقيمت الأربعاء، انضم الفنان جان ميشيل أوثونيل، إلى واحدة من أرقى المؤسسات الثقافية داخل فرنسا، أكاديمية الفنون الجميلة، وأصبح اسمه خالداً.
وعادة ما يرتدي «الخالدون»، حسبما يُطلق على أعضاء الأكاديمية، نسخة كلاسيكية من الزي الرسمي المطرز باللون الأخضر الذي ألزمت به الأكاديمية أعضاءها للمرة الأولى في عهد نابليون. وقد اختار أوثونيل دار «ديور» لإعداد الزي له.
ومع انطلاق الاحتفال تحت القبة الذهبية للمعهد الفرنسي، تألق أوثونيل وبدا أشبه بواحدة من المنحوتات الزجاجية الملونة التي اشتهر بها.
وأبدع الفنان تصميماً أصلياً لأغصان الزيتون التي يزدان بها تقليدياً زي «الخالدين». وعكف فريق عمل من حرفيي «ديور» على تطريز الفروع ببذخ بخيوط ذهبية لامعة وحرير أخضر، وذلك على الصدر وطيات الصدر والخصر من معطف وبنطال أوثونيل الأسود. واللافت أن ابتكاراتهم انتهت بلآلئ زجاجية صغيرة.
وعن زيه، قال أوثونيل متحدثاً لزملائه الخالدين والضيوف: «هذا أكثر من مجرد قطعة ملابس، وإنما هو تمثال مغلف وواقٍ».
وتعد هذه أياماً رائعة في حياة الفنان الذي لطالما أبدع في المناورة بالزجاج، والبالغ من العمر 57 عاماً. كان نجم أوثونيل قد لمع فجأة عام 2000 عندما حول مدخل محطة مترو القصر الملكي في باريس إلى مظلة مزدوجة من الخرز الزجاجي الملون.
ويتزامن انضمام أوثونيل إلى الأكاديمية الفنية الفرنسية المرموقة مع افتتاح معرض «نظرية نرجس»، الأسبوع الماضي، الذي يطرح نظرة عامة على أعماله السابقة ويستضيفه «القصر الصغير» (بتي باليه) ويستمر حتى يناير (كانون الثاني).
وفي إطار المعرض، يجري استعراض أكثر عن 70 عملاً فنياً جرى توزيعها عبر قاعات المتحف وحديقته، ويجري عرضها للمرة الأولى في فرنسا بعد 10 سنوات من آخر معرض لمجمل أعمال الفنان أقيم في «مركز بومبيدو».
جدير بالذكر في هذا الصدد أنه جرى بناء «القصر الصغير» من أجل استضافة المعرض العالمي عام 1900 باعتباره معبد الفنون الجميلة، ويعد المكان المثالي لطرح رؤية أوثونيل المبهجة لأسطورة نرجس، الذي مات وهو يحدق في انعكاس صورته في المرآة وعاد للحياة في صورة زهرة. والملاحظ أن عهد الموت الخفي الذي ميز إبداعات أوثونيل اختفى، وأصبح هدفه الآن احتضان الحياة.
وقال أوثونيل في مقابلة أجريت معه أثناء تجوله بأرجاء المعرض، «دوري كفنان اليوم يتركز في جلب الدهشة والسحر». وأضاف: «سألت نفسي: ما مكافئ لوحة (الموناليزا) داخل (القصر الصغير)؟ وما التحفة الفنية الأبرز؟ وأخيراً، أدركت أن التحفة الفنية تكمن في الهندسة المعمارية نفسها. لذلك، خلقت حواراً بين منحوتاتي وآلة الأحلام هذه».
عند مدخل المتحف، تحديداً على الدرج الكبير المؤدي إلى قوس حجري منحوت وبوابة برونزية مذهبة، انضم أوثونيل إلى 1000 طوبة زجاجية بلون الزبرجد صنعها حرفيون من فيروز آباد بالهند. ويقف هذا العمل المسمى «النهر الأزرق» في مدخل المتحف مرحباً بالزوار، حيث يتدفق إلى الرصيف أدناه.
أما أشهر القطع التي أبدعها الفنان فهي المنحوتات التي يربط فيها معاً الحلي الزجاجية الملونة العملاقة التي جرى صنعها في ورشة عمل في بازل بسويسرا. في الحديقة، علق أوثونيل قلادات زجاجية ذهبية اللون على الأشجار ووضع أزهار لوتس ضخمة ذهبية اللون لتعكس مياه البرك المائية.
من جهته، قال كريستوف ليريبولت، المدير المنتهية ولايته لـ«القصر الصغير»، الذي تولى منصب مدير متحف دورسي، الثلاثاء: «جان ميشيل شاعر بقدر ما هو نحات. لم نمنح مطلقاً تفويضاً بهذا الحجم لفنان من قبل».
أما أوثونيل، فقد اعترف بأنه يقاوم منذ فترة طويلة فكرة الانضمام إلى الأكاديمية، التي اعتبرها مؤسسة حكومية خانقة تليق بالفنانين القدامى والباحثين عن الأمان، إلى أن نجح بعض الأعضاء الأصغر دفعه لتغيير رأيه.
والآن، أقر جان ميشيل بوضعه الجديد كأحد رواد الفنون داخل فرنسا، وجرى تعيينه في وقت قريب مديراً لـ«فيلا لي بنسون»، سكن ثقافي يضم 15 من الفنانين الشباب يمتلكه وتديره أكاديمية الفنون منذ خمسينيات القرن الماضي في مدينة شار، الواقعة على بعد 30 ميلاً إلى الشمال من باريس.
وفي هذا الصدد، قال الفنان: «أرغب في إضفاء صبغة أكثر معاصرة على الأكاديمية، وأن أعمل على نقل ما نعرفه إلى الأجيال الأصغر، بجانب معاونة الأجيال الأكبر في الوقت ذاته».
ومن خلال ذلك، ينضم جان ميشيل إلى نادي صفوة يضم مصورين بارزين أمثل يان أرثوس برتراند وسيباستياو سالغادو والمصمم المعماري نورمان فوستر. وبعد انتهاء أعمال المعرض المقام في «القصر الصغير» بفترة طويلة، من المقرر أن يترك أوثونيل بصمة خالدة له على المبنى عبر تبرع سخي من جانبه.
قال أوثونيل إنه أثناء استكشاف مساحات العرض داخل المتحف، لاحظ أن القبة فوق درج المتحف الكبير على طراز الفن الحديث كانت عارية.
وأضاف: «كان هناك ثقب صغير جداً في الجزء العلوي من السقف، وقلت في نفسي: آه، طالما أن هناك ثقباً، فهذا لأنه كان هناك وقت كان فيه شيء ما معلقاً هنا».
تذكر جان ميشيل «تاج الليل»، تمثال معلق من الخرز الزجاجي الملون كان قد تولى تركيبه في غابة في هولندا قبل سنوات قبل أن يجري تخزينه في صناديق. وبدا العمل مناسباً تماماً لمساحة «القصر الصغير»، لدرجة أن مدير المتحف أكد أنه سيشتري هذا العمل ليعلقه هناك لو أتيح للمتحف المال الكافي.
وأضاف أوثونيل: «قلت له: اسمع يا كريستوف، أنا على استعداد لمنحك إياه! (القصر الصغير) متحف مجاني، لذا بإمكان أي شخص القدوم إلى هنا ولو لخمس دقائق فقط لمشاهدة التاج الذي أبدعته». وأضاف: «هذا أمر كان مفترضاً حدوثه، كان قدراً يجب حدوثه».
وهذا ما حدث بالفعل.
* خدمة {نيويورك تايمز}



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».