حصار حوثي للعبدية في مأرب وسط صمت دولي

وزير الخارجية اليمني: الميليشيات تمنع وصول الغذاء والدواء وإجلاء الجرحى

طفل يحمل شظايا صاروخ أطلقه الحوثيون على مأرب (رويترز)
طفل يحمل شظايا صاروخ أطلقه الحوثيون على مأرب (رويترز)
TT

حصار حوثي للعبدية في مأرب وسط صمت دولي

طفل يحمل شظايا صاروخ أطلقه الحوثيون على مأرب (رويترز)
طفل يحمل شظايا صاروخ أطلقه الحوثيون على مأرب (رويترز)

تتعالى الأصوات اليمنية الشعبية والرسمية متسائلة عن الصمت الدولي أمام حصار جماعة الحوثي المدعومة من إيران لأكثر من 35 ألف مدني في مديرية العبدية، جنوب محافظة مأرب منذ نحو 22 يوماً.
وتفرض ميليشيات الحوثي حصاراً خانقاً من جميع الجهات على العبدية، يهدد ما لا يقل عن 9827 طفلاً يعيشون تحت الحصار ويعانون سوء التغذية، منهم 2465 يعانون من سوء التغذية الحاد، بينما تحتاج 3451 امرأة إلى الرعاية الصحية والإنجابية، حسب عبد الله السعدي مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة.
وأكدت قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، دعم التحالف للجيش الوطني اليمني ورجال القبائل في فك الحصار عن المدنيين بمديرية العبدية. وبيّن التحالف، أن الوضع الإنساني بالعبدية مأساوي، مضيفاً أنه ينظر «في جميع الخيارات الإنسانية والعملياتية». ودعا التحالف المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية إلى تحمّل المسؤولية في فك الحصار عن المدنيين بالعبدية.
وأعلن تحالف دعم الشرعية في اليمن عن تنفيذ 338 استهدافاً نوعياً لحماية المدنيين الأبرياء في العبدية منذ حصار الميليشيات للمديرية. وكشف التحالف في بيان له عن تنفيذ 33 عملية استهداف لآليات وعناصر الميليشيات بالعبدية خلال الساعات الـ24 الماضية، شملت تدمير 8 آليات عسكرية وخسائر بشرية تجاوزت 156عنصراً إرهابياً.
وأكد التحالف، في بيان، التزامه بدعم الجيش الوطني اليمني وحماية المواطنين اليمنيين من بطش الميليشيات. وأشار التحالف إلى أن عملياته الجوية على مدى 18 يوماً أوقفت اقتحام الحوثيين لمديرية العبدية في محافظة مأرب، وقال المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف، العميد الركن تركي المالكي، إن التحالف نفذ 118 استهدافاً لحماية المدنيين في العبدية خلال الـ96 ساعة الماضية. وأضاف العميد المالكي أنه تم تدمير 15 آلية عسكرية لميليشيات الحوثي، مشيراً إلى أن خسائرها البشرية تجاوزت 400 عنصر، وطالب المتحدث باسم التحالف المنظمات الأممية والدولية تحمل مسؤوليتها الإنسانية إزاء مدنيي العبدية.
من جانبه، يستغرب راجح بادي، المتحدث باسم الحكومة اليمنية، الصمت العالمي أمام حصار آلاف المدنيين وضرب قراهم بالصواريخ الباليستية. وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هل سمع العالم عن طرف يستخدم أسلحة باليستية في حرب داخلية ضد قرى ومدن صغيرة، باستثناء نظام الأسد!». وتابع بادي: «قرى مليئة بالمدنيين تضرب بصواريخ باليستية، وحرب داخلية تُستخدم فيها كل هذه الأسلحة ضد المدنيين، أين الضمير العالمي مما يحدث في العبدية، منطقة محاصرة منذ 20 يوماً لا ذنب للمدنيين فيها. ندعو الحوثي لحروب الرجال وليس الخديعة والتسلل وضرب وإبادة المدنيين، ومحاصرة المدنيين ومنع الدواء والغذاء عنهم».
وانتقد بادي صمت المبعوث الأممي الخاص باليمن، ومجلس الأمن عن هذه الجرائم، وقال: «أين الإنسانية؟ أين المبعوث الأممي؟ أين مجلس الأمن؟ ألم تعد هناك إنسانية أو ذرة ضمير لدى كل هؤلاء؟ المجتمع الدولي الذي يتحدث عن الإنسانية هؤلاء مدنيون لا علاقة لهم بالحرب يهاجم الحوثي قراهم ويمنع عنهم الغذاء والدواء ويقال حرب، أي حرب هذه، نساء وأطفال، أين العالم؟ لماذا لا يتحرك لإيصال الدواء والغذاء لهم منذ نحو 20 يوماً؟!».
في السياق ذاته، أوضح أحمد بن مبارك وزير الخارجية اليمني وشؤون المغتربين أنه ناقش في اتصال هاتفي مع الممثل المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة لدى اليمن ديفيد جريسلي، الوضع الإنساني المأساوي الذي يواجهه عشرات الآلاف من سكان مديرية العبدية بمحافظة مأرب نتيجة الحصار الهمجي الذي تفرضه الميليشيات الحوثية على المديرية. وشدد بن مبارك على أن الميليشيات الانقلابية تمنع وصول الغذاء والدواء وتمنع إجلاء الجرحى وتستهدف المديرية بالصواريخ الباليستية وكل أنواع الأسلحة الثقيلة، وترتكب أفظع الجرائم بحق السكان المدنيين، في انتهاك صارخ لكل مبادئ حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني. ودعا وزير الخارجية الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة إلى التدخل العاجل لإنقاذ حياة المدنيين وإنهاء الحصار الوحشي وإدانته كجريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي ولا تسقط بالتقادم.
بدوره، تحدث سلطان الرؤساء، وهو صحافي مستقل من أبناء مأرب، عن جرحى في العبدية في حالة حرجة بسبب الحصار الخانق من قبل ميليشيات الحوثي، وقال على حسابه بـ«تويتر»: «هناك مصابون بإصابات بالغة أحدهم أحمد راجح الراجحي أصيب أول من أمس وتوفى اليوم (أمس) متأثراً بجراحة، بسبب عدم وجود خدمات صحية في مستشفى المديرية حتى الأكسجين يفتقره المستشفى».
ووجهت «الشرق الأوسط» سؤالاً لمكتب المبعوث الأممي لليمن، والسفيرين البريطاني والفرنسي لدى اليمن، عن موقفهم مما يجري في العبدية، إلا أنها لم تتلقَ أي رد فوري.
إلى ذلك، كشف عرفات حمران رئيس منظمة رصد للحقوق والحريات اليمنية أن الحوثي قطع الاتصالات والإنترنت على مديرية العبدية التي أصبحت معزولة عن العالم. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «كذلك تم حرمان أكثر من 8392 طالباً وطالبة من التعليم في 18 مدرسة، وما زال الحوثي يختطف أبناء العبدية وينكّل بهم». وحذّر حمران من أن «هذا الحصار جريمة حرب لا تسقط بالتقادم ولن يفلت كبار مرتكبيها من العقاب»، معتبراً «صمت الأمم المتحدة والمبعوث الأممي جريمة بحق الإنسانية، لأن حماية المدنيين واجب المنظمات الأممية والمجتمع الدولي».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.