غريغ أبوت... حاكم تكساس وأحد أبرز المساهمين في صعود اليمين الأميركي

انحيازه لترمب يساهم في إعادة تشكيل صورة الحزب الجمهوري

غريغ أبوت... حاكم تكساس وأحد أبرز المساهمين في صعود اليمين الأميركي
TT

غريغ أبوت... حاكم تكساس وأحد أبرز المساهمين في صعود اليمين الأميركي

غريغ أبوت... حاكم تكساس وأحد أبرز المساهمين في صعود اليمين الأميركي

بعد المعركة الديموغرافية التي فتحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، مدعوماً باليمين الأميركي المتشدد، تحت شعار «العودة إلى أميركا العظيمة مجدداً» عام 2016، اندرجت بضعة عناوين عريضة وعميقة التأثير. وبالفعل، استنهض ترمب بنجاح مخاوف الناخب الأميركي الأبيض المسيحي من موجة الهجرة، والتزايد السكاني السريع للاتينيين والسود والآسيويين وغير المسيحيين، بينما كان مقربون منه يقولون صراحة ما معناه إنه «ما لم يتوقف مد الهجرة والتجنيس خلال سنوات قليلة ستفوت فرصة إنقاذ أميركا كما عرفناها».
وهكذا طوال عهد ترمب اعتُمد تضييق كبير على الهجرة، وحق غير البيض بالتصويت وتهميش أصوات هؤلاء أو إلغاؤها. وتبنى تياره المسيطر على الحزب الجمهوري هذه الاستراتيجية طوال السنوات الأربع من حكمه، ولا يزال يتبناها قادته وحكام الولايات المنتمون إليه، بما في ذلك إعادة رسم خرائط الدوائر الانتخابية لنسف إمكانية تأثير الصوت الأسود أو اللاتيني أو المهاجر على هيمنة الجمهوريين. ومن أبرز الحكام الذين ينفذون هذه الاستراتيجية بعناد حاكما أكبر ولايتين جمهوريتين... غريغ أبوت حاكم تكساس ورون دي سانتيس حاكم فلوريدا.

من غير المرجح أن يكون غريغ واين أبوت، حاكم ولاية تكساس الأميركية، من بين الجمهوريين الطامحين لتولي منصب الرئاسة الأميركية، في المعركة الطاحنة التي يعد لها عام 2024. إلا أن إعاقته الجسدية وخطابه المحافظ، تظهرانه أمام جمهوره شخصاً جديراً بالثقة، وقد تكونان بين العوامل التي ساعدت في صعوده السياسي. بل يرى مراقبون أنهما تساعدانه على التقدم نحو الرئاسة، على ما يشاع، في حال أحجم دونالد ترمب عن الترشح.
أبوت هو أول حاكم لتكساس وثالث حاكم لولاية أميركية يستخدم كرسياً متحركاً، بعد فرانكلن روزفلت حاكم ولاية نيويورك ورئيس الولايات المتحدة فيما بعد، وجورج والاس حاكم ألاباما وزعيمها المثير للجدل.
والقصة أنه عندما كان في الـ26 من عمره، تعرض لحادث سقوط شجرة على عموده الفقري أثناء هربه من عاصفة، ما تسبب في شلل في نصفه الأسفل. وخضع لإعادة تأهيل مكثف بعدما زرع له قضيبان صلبان في عموده الفقري، وأخذ يستخدم كرسياً متحركاً منذ ذلك الحين. ثم إنه رفع دعوى قضائية ضد صاحب المنزل وشركة خدمات الأشجار، ما أدى إلى تسوية تأمينية توفر له مدفوعات مقطوعة كل ثلاث سنوات حتى عام 2022، إلى جانب مدفوعات شهرية مدى الحياة. بل وبجري تصحيح قيمة تلك المدفوعات بشكل دائم، «لمواكبة ارتفاع تكاليف المعيشة». واعتباراً من أغسطس (آب) 2013، كان مبلغ الدفعة الشهرية 14 ألف دولار. وقال أبوت توضيحاً إنه يعتمد على هذه الدفعات لمساعدته في دفع نفقات طبية وأخرى ذات صلة لما يقرب من ثلاثة عقود.

- بطاقة شخصية
لكن رغم الإعاقة، تمكن أبوت من بناء مسيرة شخصية ومهنية وسياسية لافتة، أوصلته إلى تولي منصب حاكم واحدة من أكبر الولايات الأميركية وأهمها. وصار بلا أدنى شك، أحد أبرز الشخصيات الإشكالية التي تلعب دوراً أساسياً في دفع الحزب الجمهوري أكثر فأكثر نحو أفكار ترمب وسياساته اليمينية المتشددة.
أبوت الذي يوصف بأنه «أحد أبرز المؤيدين المتحمسين لترمب»، كان قد دفع بأجندته السياسية المحافظة في العديد من الملفات الخلافية، على رأسها قضايا مواجهة الهجرة، والإجهاض، وحق التصويت، وحمل الأسلحة وخفض تمويل الشرطة. وهو ما دعا صحيفة «نيويورك تايمز» إلى وصفه ونائبه دان باتريك بأنهما «القوة الدافعة وراء واحدة من أصعب المنعطفات اليمينية في تاريخ ولاية تكساس الحديث»، ولا سيما بعد الجلسة التشريعية التي عقدها مجلس نواب الولاية في دورته الأخيرة، لإقرار قانوني الإجهاض (الأكثر تشدداً في أميركا) وتقييد حق التصويت.
ولد أبوت يوم 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 1957 في ويتشيتا فولز بولاية تكساس، وكان والده سمساراً في البورصة ووكيل تأمين، ووالدته ربة منزل. وعندما كان لا يزال تلميذا في المدرسة الثانوية، توفي والده بشكل مأساوي بنوبة قلبية. التحق أبوت بمدرسة دنكانفيل الثانوية، وحصل على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال في العلوم المالية من جامعة تكساس في مدينة أوستن عاصمة الولاية عام 1981، ثم على الإجازة في القانون عام 1984 من كلية الحقوق بجامعة فاندربيلت المرموقة في ولاية تينيسي.
دينياً، أبوت كاثوليكي، وهو متزوج من سيسيليا فالين أبوت، المعلمة ومديرة المدرسة السابقة، حفيدة أحد المهاجرين المكسيكيين. ولقد تزوج غريغ وسيسيليا في مدينة سان أنطونيو بتكساس عام 1981، لتصبح زوجته بعد انتخابه حاكما لولاية تكساس، أول سيدة أولى للولاية من أصول لاتينية منذ انضمام تكساس إلى الاتحاد الأميركي. ولديهما ابنة واحدة بالتبني تدعى أودري.

- مسيرة مهنية وسياسية
أبوت هو الحاكم الـ48 لتكساس، بدأ حياته المهنية والسياسية في وظائف فيدرالية، إذ عمل قاضياً ومدعياً عاماً في الولاية لمدة 3 سنوات، قبل أن يعينه الحاكم (آنذاك) جورج دبليو بوش، قاضياً في المحكمة العليا في تكساس من عام 1996 وحتى العام 2001، حين استقال ليعود إلى العمل في شركة خاصة، وأستاذاً مساعدا في كلية الحقوق بجامعة تكساس.
في العام 2002 تولى أبوت منصب النائب العام الخمسين للولاية حتى 5 يناير (كانون الثاني) 2015، عندما تولى منصب حاكم تكساس. وفي خطاب ألقاه عام 2013 أمام زملائه الجمهوريين، عندما سئل عما تستلزمه وظيفته كمدع عام، قال أبوت: «أذهب إلى المكتب في الصباح، وأقاضي باراك أوباما، ثم أعود إلى المنزل». وحقاً، رفع أبوت 31 دعوى قضائية ضد إدارة أوباما، بما فيها الدعاوى المرفوعة ضد وكالة حماية البيئة ووزارة الصحة والخدمات الإنسانية، وقانون الرعاية الميسرة «أوباما كير»، ووزارة التعليم وغيرها من الوزارات. ووفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال»، فقد رفع أبوت منذ توليه منصب المدعي العام في تكساس وحتى ولايته الأولى كحاكم لها، 44 دعوى قضائية ضد إدارة أوباما على الأقل، أكثر من أي ولاية أخرى خلال الفترة نفسها. وتضمنت الطعون القضائية معايير انبعاثات الكربون، وإصلاح الرعاية الصحية، وحقوق المتحولين جنسياً، وغيرها.
من جهة أخرى، بينما تشير كل الدراسات والإحصاءات السكانية إلى أن ولاية تكساس هي في طريقها نحو اليسار، في ظل التغييرات الديموغرافية التي تشهدها مع تزايد عدد السكان من غير البيض، تشدد تشريعاتها وقوانينها وتتجه نحو أقصى اليمين. ويعود السبب في ذلك لمشرعيها الذين يشكل الجمهوريون غالبيتهم، وإلى أبوت نفسه، الذي تمكن منذ توليه مناصب قيادية، من فرض أجندة يمينية متشددة، وإقرار قوانين بآليات معقدة لرفعها، لم يسبق لها مثيل. وكان آخر ما فعله، موافقته على إعادة التدقيق بأصوات بعض الدوائر الانتخابية في الولاية، تلبية لرغبة ترمب وادعاءاته بحصول تزوير، رغم عمليات تدقيق سابقة أجرتها الولاية ولم تفض إلى شيء، والسعي إلى إعادة رسم الدوائر الانتخابية في الولاية لضمان فوز الجمهوريين في أي انتخابات مقبلة.

- قضية الهجرة
قضية الهجرة هي إحدى أبرز القضايا التي يقاتل من أجلها أبوت، المعروف بمواقفه المناهضة لها وللمهاجرين غير الشرعيين. وتشكل مواقفه علامة فارقة في المواجهة المفتوحة مع الديمقراطيين. كيف لا، وولايته الحدودية نقطة تماس أساسية بين حرس الحدود وقوافل المهاجرين.
خلال نوفمبر 2015، أعلن أبوت أن تكساس سترفض اللاجئين السوريين في أعقاب «هجوم باريس» الإرهابي الذي وقع في وقت سابق من ذلك الشهر. وفي الأسبوع الماضي، حين أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، أنه ستجرى معاقبة «راكبي الجياد»، على معاملتهم للمهاجرين الهايتيين، وعدهم أبوت هؤلاء وظائف في الولاية. بل وأرسل أسطولاً من المركبات المملوكة من الولاية، ليصطف لأميال كحاجز على طول الحدود مع المكسيك. وقال لشبكة «فوكس نيوز» يوم الثلاثاء «ما فعلناه، هو أننا وضعنا المئات من سيارات إدارة السلامة العامة في تكساس، وأنشأنا جداراً فولاذياً، لمنع أي شخص من عبور ذلك السد... لقد استعدنا بشكل فعال السيطرة على الحدود».
وفي وقت سابق من هذا العام، وصف أبوت دخول المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون الحدود على أنه «غزو». وقال في تغريدة على «تويتر»، إن «المئات منهم مصابون بفيروس كوفيد - 19، وقد دخلوا إلى تكساس». لكن تدقيقاً لاحقا أظهر أن الذين أفرج عنهم كانوا من طالبي اللجوء ولديهم حق قانوني في البقاء في الولايات المتحدة، وأن عددهم هو 108 أشخاص فقط وليس «المئات».
وفي يونيو (حزيران) الماضي، رداً على قرار إدارة بايدن وقف تمويل الجدار الحدودي مع المكسيك الذي أقرته إدارة ترمب، مستخدمة بشكل جزئي أموالا تعود لوزارة الدفاع، أعلن أبوت عن خطط لبناء الجدار في ولايته، قائلاً إن الولاية ستقدم 250 مليون دولار.

- حقوق التصويت
من جهة ثانية، جعل أبوت ذريعة «نزاهة الانتخابات» أولوية تشريعية بعد محاولات ترمب الفاشلة لإلغاء نتائج انتخابات 2020 الرئاسية. فخلال عام 2018 ضغط من أجل شطب ما يقرب من 100 ألف ناخب مسجل من قوائم الناخبين في تكساس. وادعى مسؤولو تكساس في البداية أن الناخبين المرشحين لشطبهم ليسوا مواطنين أميركيين. لكن الأمر ألغي في أبريل (نيسان) بعدما طعنت جماعات حقوق التصويت في الشطب المقترح. واعترف المسؤولون في مكتب وزير خارجية تكساس، بأن عشرات الآلاف من الناخبين الشرعيين (المواطنون المتجنسون) وضعت علامة خاطئة عليهم لإبعادهم. أبوت زعم أنه لم يلعب أي دور في شطب الناخبين، لكن رسائل البريد الإلكتروني الصادرة في يونيو 2019، أظهرت أنه كان القوة الدافعة وراء ذلك. وفي سبتمبر (أيلول) 2020، في إطار التضييق على حق التصويت أصدر أبوت إعلاناً ينص على أنه لا يمكن أن يكون لكل مقاطعة في تكساس سوى موقع واحد حيث يمكن للناخبين إسقاط بطاقات اقتراعهم المبكر. وبرر ذلك بذريعة منع «التصويت غير القانوني» لكنه لم يذكر أي أمثلة على تزوير الناخبين.

- جائحة «كوفيد ـ 19»
وإبان جائحة كوفيد - 19، أصدر أبوت أمراً بالبقاء في المنزل لمدة شهر تنتهي في الأول من مايو (أيار) 2020. وكان هذا من أقصر أوامر البقاء في المنزل التي نفذها أي حاكم. ومنذ إعادة فتح الولاية، انتشر الفيروس وحطمت تكساس رقمها القياسي من حيث عدد حالات الإصابة في يوم واحد. ووفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز»، كان تصدي أبوت للجائحة متناقضاً. إذ قال إن على السكان البقاء في منازلهم بينما تكساس مفتوحة للعمل. وقال إن ارتداء أقنعة الوجه ضروري، لكنه رفض إصدار تفويض ملزم على مستوى الولاية. ومع تصاعد عدد الإصابات، تعرض للانتقادات من الحزبين، لكنه واصل سياساته المتناقضة فأصدر قرارات بفتح المطاعم والمحال بشكل كامل، ومنع الحكومات المحلية من استخدام أقنعة الوجه. وفي أبريل الماضي، وقع أمرا تنفيذيا يمنع إدارات الولاية والشركات التي تحصل على تمويل عام من المطالبة بإثبات التطعيم ضد الفيروس. كما وقع في وقت لاحق على مشروع قانون لمعاقبة الشركات التي تطلب من العملاء الحصول على دليل على التلقيح ومنعها من الحصول على الخدمات. وبعد شهر، أصدر أمراً تنفيذياً يحظر فرض الأقنعة في المدارس العامة والهيئات الحكومية، مع غرامة تصل إلى ألف دولار لمن لا يلتزم. وفي 17 أغسطس (آب) الماضي، أعلن مكتب أبوت أنه أصيب بالفيروس رغم تطعيمه بالكامل منذ ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، لكنه «بصحة جيدة ولا يعاني من أي أعراض».
وخلال العاصفة الشتوية التي ضربت ولاية تكساس هذا العام وتسببت في انقطاع التيار الكهربائي عن ملايين السكان، وجه أبوت انتقادات لـ«الطاقة الخضراء»، التي تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح، لمصلحة استخدام الوقود الأحفوري. لكن وزارة الطاقة في الولاية ردت بشكل فوري على ادعاءاته قائلة، إن «معظم الأعطال جاءت من الفشل في تجهيز أنظمة توليد الطاقة في فصل الشتاء، بما في ذلك الأنابيب التي تنقل الوقود الأحفوري. وأوضحت أن «تكساس تعمل بالغاز، بينما توفر مولدات الرياح والطاقة الشمسية حوالي 10 في المائة فقط خلال أشهر الشتاء». واتهم أبوت بمحاباة شركات النفط العملاقة في ولاية تكساس، التي تعتبر مهد صناعة النفط العالمية، وساهمت عطاءاتها في انتخابه مرات عدة.



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».