هل باتت الطريق مفتوحة أمام ائتلاف «اشتراكي ـ أخضر ـ وسطي» في ألمانيا؟

بعد إعلان لاشيت استعداده للتنحي عن قيادة الديمقراطيين المسيحيين

هل باتت الطريق مفتوحة أمام ائتلاف «اشتراكي ـ أخضر ـ وسطي» في ألمانيا؟
TT

هل باتت الطريق مفتوحة أمام ائتلاف «اشتراكي ـ أخضر ـ وسطي» في ألمانيا؟

هل باتت الطريق مفتوحة أمام ائتلاف «اشتراكي ـ أخضر ـ وسطي» في ألمانيا؟

أدخلت نتائج الانتخابات الألمانية العامة حزب المستشارة أنجيلا ميركل، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، في حالة تخبط وفوضى غير مسبوقتين. وكذلك أدخلت ألمانيا نفسها في نفق طويل من الانتظار ريثما تنتهي المشاورات بين ثلاثة أحزاب تحاول الاتفاق فيما بينها على الحكم معاً، في سابقة لم تشهدها البلاد من قبل.
ميركل التي أمضت 20 سنة في زعامة حزبها المحافظ؛ 16 منها في سدة الحكم، أبقت الحزب والبلاد في حالة من الاستقرار الطويل، إلا أنها تبدو اليوم عاجزة عن وقف انحدار الديمقراطيين المسيحيين، أو ربما كانت غير مستعدة لذلك، ولعلها تبدو أيضاً عاجزة عن ضمان استمرار الاستقرار الذي عرفته ألمانيا معها. ولكن، بينما تجلس المستشارة المتقاعدة في مقرها لتصرف أعمالها بانتظار تولي المستشار الجديد منصبه، تعصف بالديمقراطيين المسيحيين - الذين تعرضوا لهزيمة مريرة - خلافات داخلية ما عادت خافية على أحد.
وهذه الخلافات دفعت بزعيم الحزب والمرشح الخاسر أرمين لاشيت إلى الإعلان ليل الخميس عن استعداده للاستقالة إفساحاً في المجال أمام الحزب لكي يقود الحكومة الجديدة، في حال فشلت المشاورات الائتلافية بين الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) الفائز والحزبين الصغيرين حزب «الخضر» البيئي والحزب الديمقراطي الحر الوسطي الليبرالي. وهذه «الاستقالة على مراحل» - كما وصفتها الصحافة الألمانية، تزيد من حالة الارتباك داخل حزب ميركل الجريح والمحبط.

بقدر انشغال ألمانيا بنتائج الانتخابات العامة الأخيرة، وأخبار المشاورات الجارية بين الأحزاب لتشكيل حكومة جديدة، تنشغل البلاد أيضاً بصمت أنجيلا ميركل. ذلك أن المستشارة المتقاعدة لم تعلق علناً على نتائج الانتخابات التي أجريت قبل نحو أسبوعين. وهذا رغم أن خسارة حزبها المحافظ - وإن بفارق ضئيل كان أقل من نقطتين - أمام الاشتراكيين، كانت الأقسى في تاريخه. فقد خسر الديمقراطيون المسيحيون قرابة الـ9 نقاط مئوية من نسبة تأييدهم في انتخابات عام 2017 التي قادتهم فيها ميركل لتفوز حينذاك بولاية رابعة، تبين لاحقاً أنها ستكون الأخيرة لها.
ومنذ صدور النتائج، ظهرت ميركل علناً عدة مرات، ولكن من دون أن تعلق على الانتخابات أو حتى تفتح الباب أمام الأسئلة التي قد تجرها للتعليق. وكان أول ظهور لها ليلة الانتخابات حين وقفت بالقرب من مرشح حزبها الخاسر أرمين لاشيت، مرتدية كمامة سوداء تغطي نصف وجهها، حاولت معها إخفاء تعابيرها خلفها. ولكن، مع ذلك، بدت عابسة وجدية.
لم تبتسم إلا حين صفق لها الحاضرون، بعدما شكرها لاشيت لقيادتها الحزب لمدة عقدين من الزمن، وألمانيا لأكثر من عقد ونصف العقد. وبعد الشكر، تابع لاشيت كلامه، متطرقاً للنتائج، ومعترفاً بأن الحزب غير راضٍ عنها. وفي حينه ظهر واثقاً من أن الشعب منحه «تفويضاً واضحاً» للحكم.

- صمت ميركل وأسبابه
انتهى ذلك «الاحتفال» الغريب داخل مقر الحزب في العاصمة برلين، وعادت ميركل إلى مقر عملها في المستشارية تاركة تلك الليلة خلفها، لتمضي أيامها الأخيرة في السلطة من دون أي تأثر علني. شغلت نفسها بعقد اجتماعات ولقاءات مع مسؤولين من دول أخرى، مبتعدة عن فوضى المشاورات الحكومية وصخبها. ومن ثم، تابعت ظهورها العلني ولكن مع تحاشي أسئلة الصحافيين، وعندما ظهرت في مؤتمر صحافي مشترك إلى جانب رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، فإنها اكتفت بإلقاء بيان. وكان مكتبها واضحاً في أنها لن تفتح الباب أمام الأسئلة.
بعد ذلك، ظهرت ميركل في «يوم الوحدة»، وفيه ألقت خطاباً تحدث عن المسامحة والحوار ونبذ التطرف من دون أن تتطرق البتة إلى الانتخابات ونتائجها. وهكذا، راحت الصحف تخمن الأسباب الكامنة خلف هذا الصمت. وكتبت صحيفة «بيلد» الشعبية والأكثر انتشاراً في البلاد، أن صمت ميركل «أسبابه الرئيسة تكتيكية»، وأنها «لا تريد أن تربط نفسها بالخسارة التاريخية التي مُني بها حزبها، ولذلك فإن الصمت هو أيضاً للحد من الأضرار». وفي النهاية - حسب «بيلد» - لم تنجح ميركل في تنصيب خليفتها على مقعدها.
الواقع أن صمت ميركل يعود إلى فترة أطول من تلك التي سبقت الانتخابات مباشرة. وهو كان ظاهراً إبان الحملة الانتخابية لحزبها، ما دفع بكثيرين للتساؤل عما إذا كانت راضية حقاً عن اختيار لاشيت. ومعلوم، أن وزيرة الدفاع في آنغريت كرامب كارنباور – «الخليفة المختارة» التي أرادت لها ميركل فعلاً أن تنجح - فشلت وانسحبت من الميدان باكراً، ومعها أحجمت ميركل عن التدخل في مستقبل حزبها.
من ناحية ثانية، رغم هذه الخسارة التاريخية التي مُني بها الاتحاد المسيحي الديمقراطي، فإن مرشحه لاشيت ظل متمسكاً بالأمل في الحكم، بل إنه امتنع حتى تهنئة منافسه الفائز أولاف شولتز الذي نجح في انتشال حزبه الاشتراكي من غرق كان مؤكداً قبل أشهر قليلة، وقاده إلى الصدارة. وهذا، بعكس ميركل، التي قدمت التهنئة لشولتز «احتراماً منها للأعراف»، حسب المتحدث باسمها.
هذا، وكان الرجلان، لاشيت وشولتز، قد انطلقا بعيد صدور النتائج في رحلة إجراء مشاورات مع الحزبين الصغيرين، حزب «الخضر» البيئي والحزب الديمقراطي الحر الوسطي، اللذين يمسكان بمصير تشكيل الحكومة المقبلة. إذ بات القرار لهما ليختارا مَن يريدان أن يترأس الحكومة المقبلة: لاشيت أو شولتز. وبعد أيام من المشاورات الأحادية، أعلن «الخضر» والديمقراطيون الأحرار أنهما سيبدآن المشاورات الفعلية معاً مع الاشتراكيين لمحاولة الاتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية برئاسة شولتز.

- قراءة في النتائج
في الحقيقة، النتائج التي أفرزتها الانتخابات العامة هذه المرة لا تشبه أي انتخابات ماضية. وهي المرة الأولى التي لم يكن فيها رابح واضح، رغم وجود رابح. وهي المرة الأولى التي لن يتمكن أي حزب من تشكيل حكومة مع حزب واحد آخر، بل سيضطر للجوء إلى حزبين آخرين لكي يتعدى عتبة الـ50 في المائة المطلوبة للغالبية المطلقة.
وهنا تجدر الإشارة، إلى أنه في ألمانيا، لا تلقى مهمة تشكيل الحكومة بشكل أوتوماتيكي على من يفوز في الانتخابات، بل على من يكون قادراً على تشكيل حكومة. وهذا بالذات، ما أبقى لاشيت معلقاً بشيء من الأمل بأنه ما زال يستطيع دخول مقر المستشارية. ثم إنه في السنوات الماضية، لم تنخفض نسبة الأصوات التي كان يحصل عليها الديمقراطيون المسيحيون عن عتبة الـ30 في المائة، متقدمين بفارق مريح عن الحزب الثاني، ما يعني أن تفويضهم للحكم كان واضحاً بخلاف هذه المرة.
ولكن رغم تمسك لاشيت الأولي بخيط الأمل، ظل حزبه يتخبط حول السبيل للمضي قدماً. أما الديمقراطيون الأحرار و«الخضر» اللذان أجريا مشاورات أحادية مع الديمقراطيين المسيحيين قبل أن يعلنا منتصف الأسبوع قرارهما المضي مع الاشتراكيين أولاً، بدا وكأنهما كانا يبحثان عن سبب لقطع هذه المشاورات مع الحزب المحافظ. وللعلم، قال حزب «الخضر» منذ البداية إنه يفضل أن يحكم مع الاشتراكيين الأقرب إليه آيديولوجياً، بينما نقل عن الأحرار أنهم يفضلون الحكم مع الديمقراطيين المسيحيين.

- أزمة ثقة... وانقسام
في المؤتمر الصحافي الذي عقده حزب «الخضر» لإعلان قراره ببدء المفاوضات لتشكيل الحكومة مع الاشتراكيين (والأحرار)، تحدثت أنالينا بيربوك، مرشحة «الخضر» الخاسرة للمستشارية، عن «انعدام الثقة» بالديمقراطيين المسيحيين، مستندة بذلك إلى التسريبات التي خرجت من الاجتماعات بينهما إلى الصحافة، رغم الاتفاق على ضرورة إبقاء المشاورات سرية.
بل حتى الأحرار، الذين غالباً ما أوحوا بأنهم يفضلون التحالف مع الديمقراطيين المسيحيين، فترت حماستهم لذلك، وتبعوا «الخضر» بعد ساعة، معلنين قرارهم ببدء المشاورات رسمياً مع الاشتراكيين حول تشكيل الحكومة، إلا أن زعيم الديمقراطيين الأحرار كريستيان ليندنر - الذي يطمح لتولي منصب وزير المالية - لم يقفل الباب كلياً أمام التفاهم مع الديمقراطيين المسيحيين في حال فشلت المفاوضات مع الاشتراكيين. وكان قد لاح أن الديمقراطيين الأحرار أخذوا يحضرون للانسحاب من المشاورات مع الديمقراطيين المسيحيين منذ الاجتماع الأول الذي جمع بينهما نهاية الأسبوع الماضي، بعدما سرب أحد الحاضرين، وهو ديمقراطي مسيحي، تفاصيل الاجتماع لصحيفة «بيلد». وعندها رد الأحرار بإبداء انزعاجهم الكبير من التسريبات، وكتب قياديون في الحزب تغريدات تشكك بإمكانية بناء شراكة مع حزب لا يمكنه الالتزام بأسس التشاور الرئيسية.
بعض المراقبين قرأ رد الفعل المبالغ به هذا، بأنه محاولة من الأحرار لإيجاد ذريعة تُخرجهم من المشاورات مع الحزب الذي خسر الانتخابات، إذ قد لا يكون الحكم مع حزب خاسر - رغم قربه آيديولوجياً - فكرة سديدة. لكن آخرين اعتبروا التسريبات انعكاساً لتشرذم في الكتلة المحافظة، تحديداً، بين «مكونيها» حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي و«شقيقه» الحاكم في ولاية بافاريا الاتحاد الاجتماعي المسيحي بزعامة ماركوس زودر. وهذا الأخير كان يطمح للترشح لمنصب المستشارية باسم الحزبين المحافظين الشقيقين، إلا أنه خسر المعركة أمام لاشيت. وهنا نشير إلى أن الحزب البافاري يتحالف تاريخياً مع حزب ميركل على المستوى الفيدرالي، لكن وجوده ونفوذه محصوران في ولاية بافاريا، حيث لا تنظيم للديمقراطيين المسيحيين بموجب اتفاق قديم بين الحزبين.
وعندما تكرر السيناريو نفسه، بتسريب تفاصيل اجتماع الديمقراطيين المسيحيين مع «الخضر» بعد يومين، علت التساؤلات حول مدى «سيطرة لاشيت» على حزبه، ومدى جدية الكلام عن وجود «مخرب» يسعى لإلغاء حظوظ لاشيت بأن يغدو المستشار المقبل. وبالمناسبة، عندما سُئل لاشيت عن التسريبات المتكررة اكتفى بالقول إنها «مزعجة»، رافضاً اتهام أحد بها، مضيفاً أنه «لا يعرف» مَن المسؤول عن التسريبات.
ورغم أن أحداً لم يُسم زودر، فإن الشكوك تحيط به وبفريقه، خاصة بعد الخلافات الكبيرة بينه وبين لاشيت إبان الحملة الانتخابية. إذ أمضى زودر بضعة أسابيع بعد خسارته معركة الترشح لمنصب المستشارية، في التهجم على لاشيت ومحاولة إظهاره ضعيفاً، ما أثر على الأخير سلباً يوم التصويت. هذا، ويحظى زودر بتأييد شعبي أكبر بكثير من لاشيت، وينظر إليه على أنه زعيم قوى وناجح بعكس منافسه، ومع ذلك امتنع الديمقراطيون المسيحيون عن اختياره كونه زعيم الحزب الشقيق الأصغر. وفي أعقاب إعلان نتائج الانتخابات، علت أصوات محافظة لتتحدث صراحة عن «خطأ» ارتُكب برفض ترشيح زودر، الذي كانت استطلاعات الرأي تشير إلى أنه كان سيقود الكتلة المحافظة إلى الفوز بفارق كبير.

- تلميح إلى الاستقالة
والآن، رغم الانقسامات الواضحة داخل الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والدعوات الكثيرة للاشيت من داخل الحزب وخارجه، للاعتراف بالهزيمة والجلوس في صفوف المعارضة، فهو ما زال يرفض ذلك بشكل واضح. وحتى عندما خرج قبل يومين ليعلن «استعداده» للاستقالة، فإنه لم يذكر حتى كلمة «استقالة»، بل استخدم كلمات تعطي المعنى نفسه.
في نهاية المطاف، قد يصل لاشيت إلى هذا الاستنتاج بمفرده قريباً في حال أثمرت المشاورات الجارية بين الاشتراكيين و«الخضر» والديمقراطيين الأحرار «حكومة ائتلافية ثلاثية الأطراف»، إلا أن الوصول إلى هذه النقطة قد يستغرق أسابيع إن لم يكن أشهراً، هي المدة التي قد تمضيها الأطراف الثلاثة في المشاورات الهادفة إلى تشكيل الحكومة. إذ إن الخلافات بينهم لا تنحصر فقط بالسياسات الضريبية ومكافحة التغير المناخي، بل تذهب أبعد فتشمل السياسة الخارجية أيضاً. وبينما يتفق «الخضر» والاشتراكيون على السياسة الضريبية ويختلفان في ذلك مع الأحرار، يختلف «الخضر» مع الاشتراكيين في مجال السياسة الخارجية. وبالتالي، كل هذه الخلافات تعني أن المشاورات الحكومية قد لا تنتهي قبل نهاية العام كما يأمل أولاف شولتز.

- ملامح محتملة لتوجه الحكومة الائتلافية المقبلة
يروج حزب «الخضر» البيئي الذي يسعى إلى الحصول على وزارة الخارجية وتنصيب «زعيمته» أنالينا بيربوك على رأس الوزارة، لموقف متشدد من روسيا والصين. ويعتمد الحزب البيئي على سياسة خارجية مبنية على احترام وحماية حقوق الإنسان، ويعد هذا الأساس الذي يقوده في بناء سياساته الخارجية. ولكن حتى في حال حصل الحزب على وزارة الخارجية، فإن السياسة الخارجية للبلاد تتخذ في مقر المستشارية، وهو ما يعني أنه سيتوجب على الحزب الالتزام بشكل كبير بالسياسة التي تحدد على مستوى رئاسة الحكومة. والمعروف عن الزعيم الاشتراكي (والمستشار المقبل المحتمل) شولتز برغبته في تجنب الصدامات، وهو يشبه في هذا ميركل إلى حد بعيد في ذلك. وحول هذا الشأن كتبت صحيفة «تاغس شبيغل» البرلينية أنه من الأفضل على الاشتراكيين و«الخضر» الاتفاق حول السياسة الخارجية والأمنية بتفاصيلها، وإلا فإن «أزمة دولية مفاجئة، كتلك التي حصلت في أزمة الغواصات مع أستراليا، أو التهديد بحرب في البلقان، قد تباغت الحكومة وتحشرها في الزاوية».
من ناحية ثانية، بينما يسعى «الخضر» للحصول على وزارة الخارجية، يريد الديمقراطيون الأحرار أن يتولى زعيمهم كريستيان ليندنر حقيبة وزارة المالية، وذلك لضمان تمرير سياساتهم الصديقة لقطاع الأعمال، والرافضة للاستدانة ورفع الضرائب. وهنا، بالذات، يختلف الأحرار عن «الخضر» والاشتراكيين بعمق.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.