تعرّض غواصة نووية أميركية لحادث «غامض» في بحر الصين

بكين تطالب واشنطن بسحب وحدتها العسكرية من تايوان

وقع الحادث في المياه الدولية في بحر الصين الجنوبي وإن 15 شخصاً أصيبوا بجراح (أ.ب)
وقع الحادث في المياه الدولية في بحر الصين الجنوبي وإن 15 شخصاً أصيبوا بجراح (أ.ب)
TT

تعرّض غواصة نووية أميركية لحادث «غامض» في بحر الصين

وقع الحادث في المياه الدولية في بحر الصين الجنوبي وإن 15 شخصاً أصيبوا بجراح (أ.ب)
وقع الحادث في المياه الدولية في بحر الصين الجنوبي وإن 15 شخصاً أصيبوا بجراح (أ.ب)

أثار الحادث الغامض الذي تعرضت له الغواصة النووية الأميركية في بحر الصين، الكثير من التكهنات حول أسبابه. هل كان حادثاً عرضياً خلال التدريبات الجارية في المنطقة، أم أنه رسالة مزدوجة من الصين؟ واحدة للولايات المتحدة نفسها والثانية لدول المنطقة، خصوصاً لأستراليا، التي عقدت صفقة لشراء 8 غواصات مماثلة مع الولايات المتحدة. حتى الآن موقف وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الرسمي، تحدث عن اصطدام الغواصة بجسم «لم تتضح هويته بعد»، وبأنه لا إصابات خطيرة في صفوف البحارة، ما يعني أن بعضهم أصيب في الحادث، الذي لم يؤد إلى تعطيل الغواصة. وقال مسؤولون أميركيون، تحدثوا شريطة عدم كشف هوياتهم، إن الحادث وقع في المياه الدولية في بحر الصين الجنوبي، وإن أقل من 15 شخصاً أصيبوا بجراح طفيفة مثل الرضوض.
لكن الطلب الصيني «الحذر» من الولايات المتحدة لقطع علاقاتها العسكرية مع تايوان، أمس الجمعة، يلقي بظلال إضافية على الظروف المحيطة بحادثة الغواصة؛ بكين طلبت من واشنطن سحب وحدة من المارينز قالت تقارير إنها تتمركز في جزيرة تايوان منذ أكثر من عام، لتعزيز دفاعاتها في مواجهة العدوان الصيني المتزايد، الذي سجل أخيراً عدداً قياسياً من الطلعات الجوية في منطقة دفاعاتها. وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» قد نقلت عن مسؤولين أميركيين، لم تسمهم، أن نحو 20 جندياً أميركياً، من بينهم وحدة العمليات الخاصة ووحدة من مشاة البحرية، موجودون في تايوان لتدريب القوات العسكرية منذ أكثر من عام. ورغم تواضع عدد المجموعة العسكرية الأميركية، إلا أن تقرير الصحيفة اعتبر اعترافاً نادراً من المسؤولين الأميركيين بطبيعة البرنامج التدريبي الذي تنفذه واشنطن في تايوان. البنتاغون نفى العام الماضي أن يكون مشاة البحرية يقومون بمهام تدريب في الجزيرة، رغم الإقرار الضمني بأن قواعد التعاون بين الجيشين الأميركي والتايواني قد تغيرت. في المقابل ورغم رفض وزارتي الخارجية والدفاع التايوانية التعليق على التقرير، إلا أن رئيسة تايوان تساي إنغ وين، أشارت في كلمة لها أمس الجمعة في منتدى يوشان العسكري في تايبيه، إلى أن التطورات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ تخلق توترات جديدة «يمكن أن يكون لها تأثير مدمر على الأمن الدولي والاقتصاد العالمي، إذا لم يتم التعامل معها بعناية».
المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو ليجيان، تجنب مهاجمة الولايات المتحدة، وبدلاً من ذلك كرر الموقف الرسمي الصيني بضرورة «إدراك الحساسية العالية» للقضية، طالباً وقف الاتصالات العسكرية مع تايوان. وقال تشاو، «ستتخذ الصين جميع الإجراءات اللازمة لحماية سيادتها ووحدة أراضيها»، في تكرار لادعاءات بكين حول نظرتها للجزيرة. وتدعي الصين أن تايوان التي يبلغ عدد سكانها 24 مليون نسمة هي جزء من أراضيها السيادية، وتهدد باستعادة السيطرة عليها بالقوة، إذا أعلنت حكومة تايوان استقلالها رسمياً. وفي مواجهة تزايد الدعم الدولي، خصوصاً من الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة لتايوان، صعدت الصين، من تحرشاتها تجاه الجزيرة. واخترقت في الأسبوع الماضي، أكثر من 150 طائرة حربية صينية منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية. وقال وزير الدفاع التايواني تشيو كو تشينغ، إن التوترات العسكرية عبر مضيق تايوان كانت في أخطر حالاتها منذ أكثر من 40 عاماً. وتوقع من دون تقديم تفاصيل، أن القدرة العسكرية الصينية ستقلل بشكل كبير من العقبات أمام غزو «واسع النطاق» لتايوان في غضون السنوات الأربع المقبلة. وقال إنه رغم أن لدى الصين القدرة الآن على اجتياح الجزيرة، لكنها لن تبدأ حرباً بسهولة، حيث يتعين عليها أخذ العديد من الأشياء الأخرى في الاعتبار. لكن بحلول عام 2025، ستخفض الصين التكلفة والاستنزاف إلى أدنى مستوياتها.
وتأتي التحذيرات التايوانية في الوقت الذي تعارض فيه بكين بشدة جهود واشنطن لتعزيز دفاعات تايوان، مما أجبر البيت الأبيض على محاولة إقامة توازن دقيق، في الوقت الذي يحاول فيه الوفاء بالتزاماته تجاه تايبيه دون إثارة رد محتمل من الصين. وأكدت وزارة الخارجية الأميركية أن التزاماتها تجاه تايوان «صلبة للغاية»، بينما قال الرئيس بايدن إنه والرئيس الصيني شي جينبينغ اتفقا على التمسك بـ«اتفاقية تايوان»، في إشارة واضحة إلى سياسة أميركية تعترف بموقف الصين للمطالبة بتايوان دون الانحياز لأي طرف في النزاع. لكن تركيز واشنطن في استراتيجيتها الجديدة على مواجهة صعود الصين وطموحاتها الإقليمية والدولية، يلقي بظلال على كيفية إدارتها لهذا الملف، الذي قد يشكل اختباراً للولايات المتحدة في الدفاع عن حلفائها، في الوقت الذي تكثف فيه من جهودها لإقامة حزام من التحالفات الدولية والإقليمية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي. وكان آخرها الشراكة الرباعية مع اليابان وأستراليا والهند، وقبلها تحالف «أوكوس» الثلاثي مع أستراليا وبريطانيا بعد صفقة الغواصات النووية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟