تبرئة نهائية للأميركية أماندا نوكس من جريمة قتل طالبة بريطانية

افتتاح فيلم «وجه ملاك» المستوحى من أحداث الجريمة في لندن وسط ردود فعل متباينة

تبرئة نهائية للأميركية أماندا نوكس من جريمة قتل طالبة بريطانية
TT

تبرئة نهائية للأميركية أماندا نوكس من جريمة قتل طالبة بريطانية

تبرئة نهائية للأميركية أماندا نوكس من جريمة قتل طالبة بريطانية

برأت أعلى هيئة قضائية في إيطاليا، الجمعة الماضي، الأميركية أماندا نوكس وصديقها السابق الإيطالي رافاييلي سوليشيتو، من جريمة قتل الطالبة البريطانية ميريديث كيرشر، مسدلة بذلك الستار على قضية استمرت أكثر من 8 سنوات.
وفي قرار صدر، مساء الجمعة، اعتبر قضاة المحكمة الإيطالية العليا أن الحبيبين السابقين لم يرتكبا هذه الجريمة التي كانت محكمة استئناف دانتهما بارتكابها وأصدرت بحقهما في يناير (كانون الثاني) 2014 أحكاما قاسية بالسجن لفترة تناهز 25 عاما.
ويسدل هذا الحكم الستار على مسيرة قضائية مضنية بدأت بمحاكمة أمام قضاء البداية تلتها أخرى أمام محكمة استئناف ثم محكمة التمييز فمحكمة الاستئناف مرة ثانية ثم المحكمة العليا.
وأثارت القضية اهتماما عالميا وجدلا في أوساط الرأي العام في إيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة.
وتترك النتيجة تساؤلات بشأن مصداقية النظام القضائي في إيطاليا بعدما أصدرت المحاكم الإيطالية أحكاما متضاربة في القضية.
وأعربت أماندا نوكس (27 سنة حاليا) عن ارتياحها وامتنانها للقرار، وقالت في بيان عبر محاميها الأميركي بوب بارنيت: «أشعر بارتياح للغاية وامتنان لقرار المحكمة العليا في إيطاليا».
وتابعت: «إن إدراك براءتي أعطاني القوة في أحلك الأوقات خلال هذه المحنة. وطوال هذه المحنة، تلقيت دعما لا يقدر بثمن من الأسرة والأصدقاء والغرباء».
وأضافت: «أقول لهم: شكرا لكم من أعماق قلبي. لقد منحني لطفكم الدعم. أتمنى لو كان بإمكاني أن أشكر كل واحد منكم بشخصه».
وخاطر سوليسيتو (31 سنة)، الذي تابع جلسات الاستماع في محكمة النقض بروما، يومي الأربعاء والجمعة، لكنه عاد إلى بلدته بيسسيجلي في جنوب إيطاليا، قبل تلاوة الحكم، بالتعرض للاعتقال الفوري حال صدور قرار بالإدانة.
ونقلت وكالة الأنباء الإيطالية (أنسا)، عن سوليسيتو قوله، عبر أحد محاميه: «أنا سعيد للغاية.. يمكنني أخيرا أن أستعيد حياتي».
وقالت جيوليا بونجيورنو، محامية سوليسيتو، إن هذا يوم مهم للغاية «بالنسبة لهؤلاء الذين يؤمنون بقوة بالعدالة».
وكان قد عثر ليل الأول إلى الثاني من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، على الطالبة البريطانية ميريديث كيرشر (21 سنة) مقتولة في الشقة التي كانت تتقاسم السكن فيها مع نوكس في بيروجيا (وسط)، وأظهر تشريح الجثة أن الشابة اغتصبت ثم قتلت بـ47 طعنة سكين.
وعثر على جثتها على بقايا الحمض النووي للإيفواري رودي غيدي الذي حكم عليه بالسجن لمدة 16 سنة بتهمة الاشتراك في قتلها، ذلك أن المحكمة رأت أنه لم يرتكب الجريمة بمفرده، وحكمت على نوكس وسوليشيتو اللذين كانا يبلغان 20 و24 سنة على التوالي بالسجن لفترة طويلة في ديسمبر (كانون الأول) 2009 قبل أن يخلى سبيلهما في الاستئناف في 2011.
لكن، لاحقا قررت محكمة التمييز إعادة القضية إلى محكمة الاستئناف التي اعتبرت في يناير 2014 أن نوكس وسوليشيتو قتلا كيرشر بعد خلاف خرج عن السيطرة وحكمت عليهما بالسجن لمدة 28 عاما للأولى و25 عاما للثاني.
وعلى صعيد آخر تباينت ردود الفعل في العاصمة البريطانية لندن، يوم الجمعة الماضي، بعد عرض فيلم «وجه ملاك» الذي تدور أحداثه حول قصة «أماندا نوكس» قبل عرضه لأول مرة في أميركا في يونيو (حزيران) المقبل.
وحظي الفيلم الذي أخرجه المخرج البريطاني مايكل وينتربوتوم بإشادة بعض النقاد، لكنه تعرض لنقد من صحيفة «جارديان» التي وصفت الفيلم بأنه «سطحي وعفوي» علاوة على أنه «غير مكتمل أو مترابط ومستوحى بشكل فوضوي من قصة أماندا نوكس». وجرى استكمال الفيلم الذي يلعب بطولته دانيال برول وكايت بيكينسال وكارا ديليفين وسط تهديدات من محامي نوكس.
ويلعب برول دور مخرج وثائقي يسافر إلى إيطاليا لدراسة مقتل طالبة بريطانية في قضية مماثلة لمقتل ميريديث كيرشنر.

أماندا نوكس (في الوسط) خلال حديثها مع رجال الإعلام خارج منزل أمها في مدينة سياتل بولاية واشنطن (أ.ب)



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».