«الصلوات الصامتة» في الأقصى تؤجج التوترات

بعد يوم من قرار محكمة إسرائيلية السماح لليهود بأدائها

زيارة مجموعات من المتدينين اليهود إلى المسجد الأقصى في القدس أمس (أ.ف.ب)
زيارة مجموعات من المتدينين اليهود إلى المسجد الأقصى في القدس أمس (أ.ف.ب)
TT

«الصلوات الصامتة» في الأقصى تؤجج التوترات

زيارة مجموعات من المتدينين اليهود إلى المسجد الأقصى في القدس أمس (أ.ف.ب)
زيارة مجموعات من المتدينين اليهود إلى المسجد الأقصى في القدس أمس (أ.ف.ب)

أدى مستوطنون، في ساحات المسجد الأقصى، أمس (الخميس)، «صلوات صامتة»، متحدّين مشاعر وتحذيرات الفلسطينيين والعرب من أن ذلك قد يجرّ المنطقة إلى حرب دينية.
واقتحم مستوطنون الأقصى، بعد يوم من قرار محكمة إسرائيلية السماح لهم بأداء صلوات صامتة، في خرق كبير للوضع القائم المتفق عليه هناك. وقال أحد حراس الأقصى إن عشرات المستوطنين اقتحموا ساحات المسجد الأقصى، عبر باب المغاربة، ونفّذوا جولات استفزازية تجاه السور الشرقي، وأدوا صلوات فردية صامتة، بحماية مشددة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي.
وكانت محكمة إسرائيلية قد قررت إعطاء اليهود «حقاً محدوداً» في أداء صلوات في باحات المسجد الأقصى، وأمرت الشرطة الإسرائيلية بإلغاء مذكرة الإبعاد عن المسجد، الصادرة بحق المتطرف أرييه ليبو. وقالت محكمة الصلح: «إن وجود مصلين يهود في الحرم القدسي لا يمكن تجريمه ما دامت صلواتهم صامتة». وجاء القرار الذي أصدرته القاضية اليمينية المتدينة بيلها يهالوم، في إطار رفع أمر المنع عن ليبو الذي أدى مع تلاميذه طقوساً جماعية علنية متكررة في المسجد الأقصى، خلال موسم الأعياد اليهودية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.
يمثل القرار انتهاكاً واضحاً لاتفاق إسرائيلي - أردني يمنع أداء صلوات اليهود في الأقصى، ويسمح لهم فقط بزيارة المسجد بأعداد قليلة ضمن وفود سياحية. وعبّر الفلسطينيون والأردنيون عن غضب كبير، كما أدانت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، الخطوة الإسرائيلية، محذّرين جميعاً من حرب دينية في المنطقة وتصعيد غير مسبوق.
وحذّر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، من محاولات إسرائيل فرض وقائع جديدة في المسجد الأقصى المبارك، وطالب الإدارة الأميركية بالوفاء بتعهداتها بالحفاظ على «الاستاتيكو» المعمول به بالمسجد، وعدم السماح بإحداث أي تغيير فيه. كما رفضت المملكة الأردنية، القرار الإسرائيلي، ‎وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير هيثم أبو الفول، إنّ القرار باطل ومُنعدم الأثر القانوني حسب القانون الدولي الذي لا يعترف بسلطة القضاء الإسرائيلي على الأراضي المحتلة عام 1967، بما فيها القُدس الشرقية، وكذلك قرارات اليونيسكو. وشدّد الناطق الرسمي على أن إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى الأردنية، هي الجهة القانونية صاحبة الاختصاص الحصري بإدارة كل شؤون الحرم وتنظيم الدخول والخروج منه.
وأكد قاضي قضاة فلسطين مستشار الرئيس للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية محمود الهباش، أحقية المسلمين فقط في الأقصى. أما المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية وخطيب المسجد الأقصى الشيخ محمد حسين، فدعا العرب والمسلمين لإنقاذ مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك. كما حذّر وزير شؤون القدس فادي الهدمي، من أن القرار الإسرائيلي يعني أن مواطني المدينة باتوا أمام حرب مفتوحة مع الاحتلال في كل مناحي الحياة.
ورفعت حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» مستوى التهديد. وتوالت مواقف الفلسطينيين الغاضبة، أمس، ورفضت جميع الفصائل الفلسطينية والهيئة الإسلامية المسيحية والمجلس الوطني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، القرار الإسرائيلي، محذرين من مواجهات مفتوحة وتداعيات لا حصر لها.
عربياً، أدان الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يوسف العثيمين، القرار الإسرائيلي، معتبراً أن مثل هذه القرارات غير المشروعة تشكل استفزازاً لمشاعر المسلمين في جميع أنحاء العالم، وانتهاكاً لحرية العبادة ولحرمة الأماكن المقدسة. وجدد الأمين العام تأكيد رفض المنظمة لأي إجراءات تقوم بها القوة القائمة بالاحتلال «إسرائيل»، وتمس بمكانة القدس الشرقية المحتلة والوجود الفلسطيني فيها أو بالمقدسات الإسلامية والمسيحية.
من جهته، ندد أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط بقرار المحكمة الإسرائيلية، وأكد أن القرار يُمثل خطوة أخرى نحو التقسيم المكاني للأقصى، داعياً المجتمع الدولي والرباعية الدولية إلى تحمل المسؤولية إزاء هذا التطور الذي يُنذر بتدهور أكبر في الوضع.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.