نصير شمة لـ «الشرق الأوسط» : الفن هو الجسر الأهم لتقارب الشعوب

نجم الموسيقى العربية يقيم حفلاً مساء اليوم في «جامعة نورة» ويعد السعوديين بـ«ليلة لا تنسى»

نصير شمة في حفلة أقيمت بالظهران السعودية
نصير شمة في حفلة أقيمت بالظهران السعودية
TT

نصير شمة لـ «الشرق الأوسط» : الفن هو الجسر الأهم لتقارب الشعوب

نصير شمة في حفلة أقيمت بالظهران السعودية
نصير شمة في حفلة أقيمت بالظهران السعودية

يطل نجم الموسيقى العربية نصير شمة على جمهوره السعودي، ضمن برنامج معرض الرياض الدولي للكتاب، في حفل يقام مساء اليوم في جامعة الأميرة نورة بالرياض. ووعد عازف العود العراقي الأسطوري، الجمهور السعودي، في هذا الحوار مع «الشرق الأوسط»، بأن يقدم «ليلة لا تنسى»، برفقة «ثلاثي برشلونة» وهم من أهم العازفين الإسبان على الغيتار.
في الحوار التالي يتحدث نصير شمة عن زرياب والوتر الثامن، ويؤكد أن «الفن هو الجسر الأهم الذي يُشيد بين الشعوب، وهو الجسر الأسرع تأثيراً»... وتحدث عن علاقته مع العود قائلاً إنها علاقة تمتد على مسافة عمر كامل.
> أقمت حفلات عدة في السعودية، كيف تقيم استجابة الجمهور السعودي للفن؟
- سبق وأن تعرفت على الجمهور السعودي في عدة دول في العالم، كانوا يتابعونني ويحضرون حفلاتي في البحرين وفي باريس بفرنسا وكندا، وفي العديد من دول العالم، وكنتُ أجد حتى الطلبة الدارسين في الخارج حين يسمعون بحفلاتي التي أقيمها، كانوا يحضرون لهذه الحفلات، كما كانوا يحرصون على الالتقاء بي وتبادل السلام، وكنتُ أفرح بهم كثيراً، لا سيما وأنهم كانوا يتجشمون عناء السفر بين المدن لكي يحضروا حفلة موسيقية، وهذا أقدره، وأقدر الحب الكبير الذي أجده عند الشعب السعودي للموسيقى الجيدة والعمل الفني الرصين.
> لكنك أقمت أيضاً حفلات في المملكة...
- أما بالنسبة لحفلاتي في المملكة، فكان لها طعم آخر، حيث أحل في دارهم، زائراً وعازفاً، وكانوا يغمرونني بالترحاب والتقدير والاهتمام الكبير. وفي بعض الأحيان تحول الحفل الواحد إلى 3 حفلات لاستيعاب الإقبال الكبير من الجمهور المتعطش للفن الراقي، وإقبال الناس وحبهم لهذه العروض ليس بغريب، فأنا أعرف ذلك من خلال علاقاتي وصداقاتي بالكثير من المثقفين السعوديين والشعراء والأدباء والفنانين الموسيقيين ومن عامة الناس، أعرف أن العائلة السعودية مهتمة بالموسيقى، وكثير من العائلات يمتلكون آلات العود ولدى الشباب شغف التعلم لهذا الفن، وهو ما أشعر به وأقدره كثيراً.
> مع هذا الحضور العراقي الفاخر في معرض الكتاب بالرياض، هل يمكن للفن أن يخلق جسوراً إضافية للتواصل؟
- الفن هو الجسر الأهم الذي يُشيد بين الشعوب، وهو الجسر الأسرع تأثيراً، والأنفذ إلى القلوب، لا سيما وأنه يشيد جسوره على مبدأ إبداعي وثقافي وجمالي، وبالتالي يأتي بعدها الاقتصادي والسياسي، ولدينا تجارب في هذا المجال، فأحياناً يمكن للفن أن يلعب دوراً رائداً لا يمكن حتى للسياسة أن تلعبه، كما أن الرياضة قادرة على أن تحقق التقارب، لكن الفن أكثر قدرة من الجميع في النفاذ إلى قلوب الناس وتقريبها... أجواء الرياضة تخلق تنافساً ومشاحنات، لكن الفن دائماً يخلق إجماعاً.
> ما هي قصة العشق التي تربطك مع العود...؟ أنت تحتضنه حين تعزف كعاشق ملهم وليس كموسيقي عازف، هل يبادلك هذا الشعور؟
- العشرة والعلاقة مع العود تمتد على مسافة عمري كاملاً، ولذلك لا توجد مساحة أخرى ممتدة عبر هذا العمر سوى تلك شغلتها العائلة، أما العود فهو الرفيق الأبدي الذي لا يفارقني ولا يرحل... وبالتالي سجلت مع هذه الآلة كل ذكرياتي. العود هو سجل لذاكرة، وسجل لروح، وسجل لثقافة، وسجل لقلب، ولقصص عشق، وأخرى مؤلمة، وقصص كلها أمل، العود شكل بانوراما لكل ما مررتُ به ومرت به شعوبنا العربية.
> عرف العراق أول آلة موسيقية في الحضارة الإنسانية، وعرفت بغداد الفن والموسيقى منذ حضارات سومر وبابل وآشور، وترجع إليها قيثارة أور؛ أقدم آلة موسيقية عرفتها البشرية، بلاد إسحاق الموصلي، وتلميذه (زرياب)... هل يشدك هذا الامتداد الحضاري وأنت تعزف العود... ماذا يعني لك هذا الإرث العظيم؟
- التاريخ يعني لي الكثير، ودراستي للبحوث الموسيقية أربع سنوات، على يد باحث كبير هو الدكتور الراحل صبحي أنور رشيد، أعطتني الكثير من الصلابة في الاستناد والوقوف على أرض صلبة بغرض تقديم أفكار جديدة وحداثية في الموسيقى، وكلها استنبطتها من تاريخ يمتد إلى خمسة آلاف سنة، العود يرجع إلى العصر الأكدي (2350 قبل الميلاد)، في بلاد ما بين النهرين في العراق، وهذا أقدم ظهور له، وهذه مسؤولية كبيرة ليست فقط شيئاً نفتخر به، فنحن ليس لنا فضل عليه، وعلينا أن نحترم أهمية هذا التاريخ، وأن نؤسس أنفسنا تأسيساً سليماً وقادراً على أن يوازي بين هذا التاريخ وبين الحاضر.
> أضاف زرياب للعود وتراً خامساً، وظل يحلق في فضاء الحالمين حتى استقر بين يديك فأضفت إليه الوتر الثامن، فأطلق مساحة الإبداع في التلحين والتأليف، والموسيقى... كيف عثرت على سر زرياب، وقد سموك قبل 30 عاماً بزرياب الصغير؟
- زرياب حالة وحضارة متنقلة، فهو قدم للإنسانية غير الموسيقى؛ سوى عن الموسيقى قدم التحضر وعلم الإتيكيت، والأزياء، والعطور، وصالونات الحلاقة، و«المينيو» الأول المعتمد للطعام؛ فأول قائمة طعام معتمدة ومختومة بختم الخليفة أعدها زرياب في الأندلس، وبالتالي فزرياب هو حضارة متنقلة، وعندما كنت فتى في سن 14 سنة أطلق الفرنسيون عليّ «زرياب الصغير» بسبب تأثيرنا على الجمهور في حفلة أقيمت هناك، هذا الوصف نبهني إلى خطورة ما نملك، وأهمية ما يجب أن نكون عليه، وهذه التسمية لم تكن تعرفني أو تحزني لأني وقتها لم أكن أعرف هذا التاريخ، ولكنها لفتت انتباهي إلى أنه يجب أن أقرأ وأن أعود، وبدأت منذ ذلك الوقت تأثيث زاد ثقافي حقيقي لكي أعرف من أين أتيت، وما هي الجينات التي أحملها، ومسؤولية هذه الجينات، وكيف يجب أن أتعامل مع هذا الواقع الثقافي والحضاري والتاريخي القديم، وكيف يمكن أن أستنبط منه شيئاً حديثاً وراسخاً وقوياً من خلال المقامات والإيقاعات وغيرها.
> ماذا يضيف الوتر الثامن للخيال الموسيقي؟
- عندما قدمت مخطوط الفارابي بالعود المثمن أثار جدلاً كبيراً عام 1986، وأنا وقتها طالب موسيقى في بغداد، لكني كنتُ أسير بخطى ثابتة، ولم أكن مهتماً للعوائق، بل كنتُ فقط مهتماً للنقد الذي يجعلني أصوب المشوار. وبعد ذلك أصبح العود المثمن حقيقة وآلة تستطيع استيعاب كل الأصوات البشرية، وفيها نفس المساحة الصوتية لآلة القانون. وهنا أشير إلى أن الفارابي أراد العود المثمن ولم يصنعه، هو أراده وخطط له على الجلد وأهداه إلى الوالي آنذاك، وشاءت الظروف أن أحصل على مخطوط لهذا التصميم وأحققه وأقدمه لغرض علمي، فالفارابي أراد من هذا التخطيط أن يقدم شيئاً إضافياً للموسيقى، لأن مجرد إضافة وتر ليست ذا أهمية كبرى.
> مقطوعاتك الشهيرة كانت ممزوجة بالأسى والألم، والدفاع عن الإنسان، بينها مثلاً مأساة ملجأ العامرية، هل الحزن ثيمة عراقية منذ جلجامش، أم أنك وجدت طوفان الأسى ومرارة الأحداث تحاصر الواقع؟
- نحن مثلما أننا أبناء الأمل، فنحن أبناء الحزن كذلك، نحن أبناء بيئة مليئة بالأحداث ومليئة بالتاريخ المشرف ومليئة بالحراك ومليئة بكل أنواع التباينات الحياتية، فبالتالي لا بد أن نكون على ما نحنُ عليه، وأن يخرج عملنا على ما نحنُ عليه، فهو أحياناً يخرج حزيناً لأن الحياة التي عشناها لم تكن سهلة وكانت حياة مليئة بالفقدان والخسارات، وأن ترى وطنك مهشماً أمامك، وهذه من أصعب الصور التي يراها الإنسان، وهي تنعكس في اللاوعي وعندما تحلق مع الآلة الموسيقية تجد أن الموسيقى تأخذك إلى أبعد نقطة حزينة في داخل أعماق روح الإنسان، وتنعكس من خلال عمل فني؛ فالفنان التشكيلي يعكسها عبر اللوحة، والشاعر يعكسها بقصيدة، والموسيقي يعكسها بأداء موسيقي... وهكذا.

ليلة لا تنسى
> لديك توقيع كتاب... وحفلة مع ثلاثي برشلونة... ماذا تخبر عنها...؟
- أريد أولاً أن أقول إن وجود العراق كـ«ضيف شرف» في معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام، هو تشييد حقيقي لبداية جديدة لشعبينا ومحبة الناس واهتمام المثقفين والقراء بالأجنحة العراقية المنتشرة داخل المعرض هو اهتمام حقيقي، وهناك حشود من الناس تقتني الإصدارات من الدور العراقية، وأنا سعيد أن أوقع غداً الخميس 7 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، كتابي «الأسلوبية موسيقياً» الصادر عن دار «إصدارات» الإماراتية، وترجم هذا الكتاب من اللغة العربية لأربع لغات.
وكما تعلمون، لدي حفل موسيقي هذا المساء في مسرح جامعة الأميرة نورة، وهو الحفل الذي يضم ثلاثي برشلونة وهم من أهم العازفين من إسبانيا على الغيتار، وهو عرض جديد اشتغلنا عليه كثيراً، ويسرني أن أقدمه لجمهور متذوق جاء من أرجاء المملكة، وأتمنى أن نقدم لهم ليلة لا تُنسى.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».