ريادة الطاهر في تدريس الأدب السعودي وصناعة معجم مطبوعاته

د. علي جواد الطاهر
د. علي جواد الطاهر
TT

ريادة الطاهر في تدريس الأدب السعودي وصناعة معجم مطبوعاته

د. علي جواد الطاهر
د. علي جواد الطاهر

في شهر مارس (آذار) من عام 1963. نزل د. علي جواد الطاهر الرياض، بعد فصله من جامعة بغداد، متعاقداً للتدريس بكلية آداب جامعتها، وكان لا بد له - كما يقول - من أن يلم بشؤون الأدب في هذه البلاد.
يقول: «وبدأت أسأل وأشتري وأقرأ... وكان مما اطلعت عليه كتابي (وحي الصحراء) و(شعراء نجد المعاصرون) أضفت ما فيهما من مادة إلى ما قرأته يوماً ما سنة 1940م في كتاب (أدب الحجاز) فرأيت شيئا ذا بال، وحركة جديرة بالاهتمام».
إذن... فقد كان الاهتمام بالأدب والشعر في المملكة ضمن اهتمامه بهما في العالم العربي، منذ يفاعته في الحلة (بابل) بعد ولادته فيها سنة 1919م، وقد ابتدأ بقراءة القرآن الكريم في أحد كتاتيبها، ومن ثم الدراسة الحديثة في مدارسها، متعشقاً الأدب والشعر، ومقتنياً الكتب والمجلات، ومنها مجلة (المنهل) الحجازية.
والعجب أن كان للطاهر منذ كان طالباً في المرحلة المتوسطة، دفتر صغير يسجل فيه ما يلتقط من أشعار وحكم وصور، وكان هذا الدفتر دلالة لافتة لسلسة من الدفاتر الصغيرة، في حياته الجامعية وتجربته التأليفية، كما ذكر د. قيس حمزة الخفاجي في كتابه «الفكر النقدي عند الدكتور علي جواد الطاهر في ضوء القراءة النسقية»، أما الدافع للاعتناء بالمطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية منذ حلّ في الرياض فهو كما يقول: «الإلمام بالأدب في المملكة، نشأته وتطوره واتجاهاته وأعلامه، والعوامل المؤثرة فيه، ومنزلته بين أدب الأقطار العربية الأخرى، ثم درسه وتدريسه، فليس من المنهجي أو المعقول أن ندرس في جامعة الرياض - جامعة الملك سعود فيما بعد - أدب مصر وأدب العراق، ولا ندرس أدب البلد نفسه».

الرحلة الصعبة... نحو المعجم
من الرياض بدأ د. الطاهر رحلته الصعبة، متردداً على المكتبة العامة في دخنة... باحثاً عن المؤلفات السعودية، التي كانت ضائعة بين ألوف الكتب، مصمماً على إثبات عناوينها، وأسماء مؤلفيها، وذكر تعريف عن محتوياتها في أوراق الدفتر (الكفي) الذي ولّد دفاتر أخرى كثيرة لم يكتفِ الطاهر بهذا، بل أصبح يتردد على مكتبات (البطحاء)، ليقتني ما يقتنيه من مطبوعات سعودية، بحماس لا نجده لدى معظم مقتني الكتب من الأدباء والشعراء السعوديين.
وبعدما حصل على قائمة أعدتها وزارة المعارف بعنوان (مجموعة من كتب المؤلفين الوطنيين بالمملكة عام 1383هـ - 1963م) مصحوبة بأسماء مؤلفاتهم إزاء أسمائهم، استعان بمكتبة الشاعر حسن عبد الله القرشي، ومعرفته بالمطبوعات السعودية، طارقاً أبواب الأدباء والشعراء والمكتبات الحكومية والخاصة، ملاقياً في ذلك العنت... والإحراج... دون أن يعيقه عن الاستمرار في توثيق ما يقع تحت يده أو بصره، مسافراً إلى جدة - تارة - وأخرى إلى المنطقة الشرقية، ليشمل في مشروعه المعجمي، مطبوعات مؤلفي المملكة السعوديين، مكلفاً بعض طلبته السعوديين، وأحياناً زملاءه العراقيين، بين الطائف ومكة المكرمة والمدينة المنورة، لموافاته بما طبع هنا وهناك، حتى أصبحت كلمة «المعجم» مترددة على لسان زملائه في كلية الآداب، قبل أن يعود مبتعثوها (الحازمي والضبيب والشامخ والأنصاري) وقد نالوا درجة الدكتوراه منضمين إلى سلك التدريس في جامعة المملكة الأولى (الرياض) التي أصبح اسمها فيما بعد جامعة الملك سعود.
ولم يتردد الطاهر من الاجتماع بأدباء الرياض (حمد الجاسر وعبد الله بن خميس وعبد الله بن إدريس) لمداولة الرأي حول مشروعه التوثيقي الرائد، فاتحاً صدره لأي ملاحظة أو إضافة أو نقد، لما بدأ نشره فوق صفحات مجلة العرب، بعدما عاد إلى بغداد سنة 1388هـ 1968م إثر الإطاحة بالرئيس العراقي، عبد الرحمن عارف، الذي تسبب انقلاب أخيه عبد السلام عارف القومي البعثي سنة 1963م في فصل د. الطاهر وزملائه من جامعة بغداد، بتوقيع مديرها أستاذ التاريخ المعروف د. عبد العزيز الدوري، وقد عمل د. عبد العزيز الخويطر وكيل جامعة الرياض - حينها - على ضمهم في كلية آدابها، أكاديميين بارزين، وهم الأكاديميون الذين ذكرهم الأستاذ رشيد الخيون في كاتبه (عمائم سود في قصور آل سعود): (اللغوي د. مهدي المخزومي - صاحب «كتاب مدرسة الكوفة منهجها في دراسة اللغة والنحو» وكتب «الخليل بن أحمد الفراهيدي» – ود. علي جواد الطاهر - صاحب كتاب «الشعر العربي في العصر السلجوقي» وصاحب ثلاثين كتاباً آخر في شتى مجالات الأدب - والأديب باقر سماكة - صاحب كتاب «التجديد في الأدب الأندلسي» - والفنان والأكاديمي خالد الجادر - صاحب كتاب «التصوير العراقي في القرون الإسلامية الوسطى» ومؤسس أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد).
كما دُعي حينها علي الخاقاني صاحب موسوعة «شعراء الغري» إلى زيارة الرياض، لتزويد مكتبة جامعة الرياض بما توفر لديه من نفائس المخطوطات ونوادر الكتب في النجف وبغداد.
وبالعودة إلى مشروع المعجم، فقد اقترن القول بالعمل، حيث اعتكف لسنوات على إصدار «معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية» رغم انهماكه في جملة من مشروعاته التأليفية، مقالة وبحثاً وتحقيقاً، وإشرافه على العديد من أطاريح الدكتوراه في جامعة بغداد، وتفاعله العضوي الخلاق في العراق مع مجتمع الثقافة والصحافة والأدب القصصي والمسرحي، والشعر بجميع مدارسه واتجاهاته، يسنده تاريخ قرائي واسع، وتجربة أكاديمية متراكمة، امتدت من دار المعلمين العالية مزاملاً بدر شاكر السياب ونازك الملائكة ولميعة عباس عمارة، وانتقاله بين جامعة بغداد، وجامعة القاهرة، وجامعة السوربون الفرنسية، متتلمذاً فيها جميعاً على أساطين اللغة والأدب والفكر والبحث من محمد أحمد المهنا ود. محمد مهدي البصير ود. طه الراوي إلى طه حسين وأحمد أمين وأمين الخولي، ومن ثم المستشرق الفرنسي بلاشير، الذي وجهه نحو تطوير بحثه الجامعي المبكر عن «لامية الطغرائي» إلى دراسة «الشعر العربي في العراق ودول العجم في العصر السلجوقي»، وكذلك تحقيق درة التاج من شعر الشاعر الإيروتيكي ابن الحجاج البغدادي في العصر العباسي، الذي نال بهما أطروحة الدكتوراه من جامعة السوربون.

تراث الطاهر
كنتُ قد اقترحت على صديقنا الروائي د. محمد حسن علوان رئيس هيئة الأدب والترجمة والنشر بوزارة الثقافة، عقد هذه الندوة التكريمية، كما أتمنى على جامعة الملك سعود، أن تتبنى عقد ندوة بحثية كبرى، تتناول جهود أستاذنا الكبير د. علي جواد الطاهر البحثية والأدبية والتحقيقية، داعياً إلى أن تطلق اسمه على إحدى قاعات محاضرات كلية آدابها، وفاءً وإكباراً لأحد رواد أساتذة قسم اللغة العربية فيها، وهو في بداية تأسيسه. فلقد وضع د. الطاهر هذا الطود الشامخ والعلم المرفرف، اللبنة الأولى لتدريس الأدب السعودي الحديث في منهجها، هذا الذي ظل الشغل الشاغل للدكتور الطاهر، في كتابه الرائد «منهج البحث الأدبي» وقد بذل في صناعة «معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية» كل جهده ووقته مفرغاً من وعائه العلمي كل ما هو نفيس، في نفوس طلبته وعقولهم.

* ملخص ورقة ألقاها البارحة محمد رضا نصر الله في ندوة «د. علي جواد الطاهر وجهوده في تأريخ الأدب السعودي»



لا أحد يملك مفاتيح بوابات المشهد الثقافي

أسامة مسلم
أسامة مسلم
TT

لا أحد يملك مفاتيح بوابات المشهد الثقافي

أسامة مسلم
أسامة مسلم

في مقالةٍ نُشرت الأسبوع الماضي، كتب الزميل ميرزا الخويلدي عمّا سمّاها «ظاهرة» أسامة المسلّم الأديب النجم، غير المسبوق أدبياً بشهرته محلياً وعربياً؛ القادر على جذب حشود من المعجبين والمعجبات، ممن قرأوا له وممن لم يقرأوا بعد، إلى معارض الكتب التي يوجد فيها.

بدون أدنى شك، يجسّد المسلم ظاهرة الروائي النجم. ومحاولة التقليل من شأن نجوميته والاستهزاء بها ضرب من العبث، والساخر منها والمستهزئ بها «كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل». المسلم جاء، أو ظهر، ليبقى، والنظر إلى تجربته ومنجزه الإبداعي باستعلاء ونفور لن يكون له أي تأثير في الواقع وعليه. وسيستمر الإقبال على مؤلفاته، والتزاحم حوله إلى حد إغماء البعض، أو التسبب في إلغاء فعاليات توقيع رواياته - حقيقةٌ تؤكد حقيقةً أخرى: تداعي أو انهيار صروح الوصاية على الإبداع الأدبي، وتقلص سلطة من يُنَصِّبُون أنفسهم أوصياء وحكام ذوق، يحلمون، رغم تغير الظروف والأحوال، في الاستمرار في توزيع صكوك الاعتراف والتزكية ممهورة بإمضاءاتهم.

جي كي رولنغ

«المُسَلَّمُون» قادمون

وسيأتي «مُسَلَّمُون» (من مُسَلّم) آخرون، مُقَلِّدُون ومتأثرون به، يحاكون أسلوبه في الكتابة، وفي ترويج كتبهم وذواتهم؛ وآخرون تغريهم جوائز «القلم الذهبي» بالمال وبأضواء الشهرة، وبوصول أعمالهم السردية أفلاماً إلى صالات السينما. وسنشهد، محلياً على نحو خاص، ظاهرة الإقبال على كتابة القص الشعبي (popular fiction): الفانتازيا والرعب والإثارة والتشويق والجريمة والرومانس، أو ما يسمى «الأدب الأكثر تأثيراً». وسيوازي ذلك الانتشارُ الفطري - المشرومي لدورات وورش كتابة «الأدب الأكثر تأثيراً». وليس على «المشهد الثقافي» سوى تحمل الظاهرة بإيجابياتها وسلبياتها، حتى وإن كان يوجد من يرفض وجودها. «المُسَلَّمُون» قادمون، فعلى الرحب والسعة، ففي المشهد متسع للجميع. ستجد مؤلفاتهم من يقرأها، ومن يمتنع، وله الحرية والحق في ذلك. لكن ثمة حقيقة أنه لا أحد يملك، أو له الحق في امتلاك، مفاتيح بوابات المشهد الثقافي، يفتحها أمام من يحب، ويقفلها في وجوه من لا يستطيع معهم صبراً.

ستيفن كنغ

البناء الذاتي للشهرة

حقيقة أخرى ذكرها الزميل الخويلدي في مقالته، وهي أن المسلم صنع شهرته بنفسه دون أي نوع من أنواع الدعم والرعاية من المؤسسات الثقافية بنوعيها الرسمي والأهلي. كما لم يكن للنقاد والصحافة فضل عليه، أو إسهام في صنع نجوميته. أضيف إلى ما ذكره الخويلدي، الحقيقة الأخرى: رفض 20 ناشراً لروايته «خوف»، ما اضطره إلى بيع سيارته لينشرها على حسابه.

أعتقد أن رفض نشر روايته علامةٌ على أنه كائن محظوظ، جعله الرفض ينضم بدون اختيار وقرار منه لقائمة الذين رُفِضتْ مؤلفاتهم وانتهى بهم المطاف كُتّاباً وأدباء مشهورين. يبدو أنه ما من شخص تعرضت كتاباته للرفض، إلا وأصبح مشهوراً، يضاف اسمه لقائمة الأسماء التالية على سبيل المثال لا الحصر: إرنست هيمنغوي، ف. سكوت فيتزجيرالد، سيلفيا بلاث، مايا أنجيلو، باربرا كنغسولفر. ومن كُتّاب القص الشعبي: أغاثا كريستي، ج. ك. رولينغ، ستيفن كينغ. سأسقط بعض الضوء على تجربتي ج. ك. رولينغ، وستيفن كينغ مع النشر.

رفض «هاري بوتر» و«كاري»

رفضت 12 دار نشر مخطوطةَ رواية رولينغ «هاري بوتر»، ليس هذا فحسب، بل حذرها أحد الوكلاء الأدبيين بأنها لن تحقق ثروة بتأليفها كتباً للأطفال. ربما شعر، أو لا يزال يشعر، ذلك الوكيل بوخزات الندم على تحذيره رولينغ، وهو يراها الآن تشغل المركز الأول في قائمة أكثر الكاتبات والكُتّاب ثراءً بثروة تقدر بمليار دولار. تحقق لها الثراء من كتاباتها للأطفال، وللكبار، خصوصاً الذين لم تنطفئ دهشة الطفولة فيهم.

أما كينغ، فقد رُفِضَتْ مخطوطةُ روايته «كاري» من قبل 30 ناشراً. وقد أوضح أحد الناشرين في خطاب الرفض إليه أنهم لا يهتمون بروايات الخيال العلمي التي تصور يوتوبيات سلبية (ربما يقصد ديستوبيات) لأنها «لا تبيع»، أي لا تحقق أرقام مبيعات مرتفعة. لكن «كاري» نُشِرَت أخيراً في 1974. ولما أُطْلِقَتْ نسخةُ الغلاف الورقي بعد عام من نشرها، 1975، بِيْعَ منها ما يزيد على مليون نسخة خلال 12 شهراً. والآن كينغ واحد من الكُتّاب الأثرياء، بثروة تقدر بــ500 مليون دولار.

مثلهما واجه المسلم رفض الناشرين. وستصبح سيرته الأدبية أقوى شبهاً بسيرتيهما، خصوصاً سيرة كاتبه المفضل كينغ، عندما تعرض الترجمات السينمائية لرواياته على الشاشتين الكبيرة والصغيرة في القريب العاجل كما يُفهم من كلامه عن ذلك.

تيري وودز وفيكي سترينغر

وللروائتين الأميركيتين تيري وودز وفيكي سترينغر، أعود من كتابة سابقة. فلوودز وسترينغر قصتان طويلتان مع الرفض المتكرر من الناشرين، ولكنهما وضعتا لهما نهايتين مختلفتين عن نهاية قصص الكاتبات والكُتّاب المذكورين أعلاه. يتجلى في قصتيهما الصبر والإصرار على تحقيق الهدف. كان النشر الذاتي نهاية قصة كل منهما، لينتهي بدوره بتأسيس كل منهما دار نشر، شقت الطريق أمامها إلى الثراء.

في المتبقي من وقتها الموزع بين واجبات الأمومة وعملها سكرتيرة في شركة قانونية، فتحت تيري وودز من فيلادلفيا، التي ستصبح فيما بعد رائدة القص المديني - قص المدينة، أو أدب الشارع، أو أدب العصابات، فتحت لنفسها باباً تدلف من خلاله إلى عالم الكتابة، لتشرع في تأليف روايتها الأولى «True to the Game». وبعد فراغها من الكتابة، راحت تطرق أبواب الناشرين. وعلى مدى 6 سنوات، من 1992 إلى 1998، كانت تتلقى الرفض تلو الآخر. ولمّا نفد صبرها، قررت طباعة وتغليف روايتها بنفسها وبيعها مباشرةً لباعة الكتب وللناس في الشوارع. كانت تطوف بالمدن. تنام في سيارتها في مواقف السيارات، وعلى الأريكات في بيوت معارفها، وتقضي ساعات في شوارع نيويورك. ثم انتقلت الى الخطوة التالية: تأسيس دار للنشر. بعد مضي ثلاث سنوات، أصبحت وودز الكاتبةَ المليونيرة. وكان عام 2007 عام خير عليها، وقَّعَت خلاله صفقةَ خمس كتب مع «غراند سنترال بَبلِشينغ»، وظهر الجزء الثاني من روايتها «True to the Game II» على قائمة الكتب الأكثر مبيعاً لصحيفة «نيويورك تايمز»، وفي العام التالي (2008)، كان الجزء الثالث على قائمة «نيويورك تايمز» أيضاً.

أما فيكي سترينغر، فقد أتاحت لها الكتابة مفراً من ضيق الزنزانة إلى رحابة العالم المتخيل في روايتها «Let That Be the Reason»، التي كتبتها في السجن. غادرت فيكي سترينغر ولاية ميشيغان إلى مدينة كولومبس للدراسة في جامعة ولاية أوهايو. وهناك التقت بمن أصبح صديقاً لها. وكان يتعاطى ويروج المخدرات، فاستدرجها إلى الانزلاق إلى هاوية المخدرات وتعاطيها وترويجها، حيث توجّت بلقب «ملكة الكوكايين في كولومبوس». وحين ألقي القبض عليها كان في حوزتها كمية كبيرة من المخدرات ومئات آلاف الدولارات.

في السجن وبعد الخروج منه، كانت الكتابة «خيط أريادني» الذي اهتدت به للخروج من متاهة التعثرات والتيه في الماضي. فعلى الفور، راحت تبحث عمن ينشر مخطوطة روايتها الأولى، لتُمَنى برفضها 26 مرة، ما اضطرها إلى نشرها ذاتياً، وتأسيس دارها للنشر. وتوالى نشر الأجزاء الأخرى من الرواية، ورواياتها الأخرى. أطلقت مجلة «بَبليشرز ويكلي» على سترينغر لقب «ملكة أدب المدينة الحاكمة». وفي 2005، شهدت طوكيو، نشر ترجمات رواياتها إلى اليابانية.

إغراء الناس بدخول المكتبات

تقول الكاتبة آن بارنارد في مقالتها «من الشوارع إلى المكتبات»، المنشورة في «نيويورك تايمز» (23-10-2008)، إن المكتبات في «كوينز»، ونظام المكتبات المنتشرة في البلاد، إلى مقاطعة يورك في بنسلفانيا، تحرص على اقتناء روايات (القص المديني - أدب الشارع - أدب العصابات) كطريقة مثيرة، وإن تكن خِلافيَّةً أحياناً، لجذب أشخاص جدد إلى قاعات القراءة، ولنشر محو الأمية والتفكير واستكشاف ميول واهتمامات الجمهور الذي يخدمونه.

جوهرياً، لا يختلف ما تقوله بارنارد عن روايات وودز وسترينغر وغيرهما من كُتّاب أدب الشارع، عمّا يقال عن روايات المسلم، وجذبها آلاف من الشباب إلى الكتاب والقراءة، وإلى معارض الكتب، وإثارتها الاختلاف والجدل، والانقسام ما بين مادحٍ وقادح.

لكن رغم التشابه بين تجارب وودز وسترينغر والمسلم، يتميز الأخير بأن في وطنه جائزة (جائزة القلم الذهبي) خصصت ستةُ من مساراتها الثمانية للقص الشعبي. قد لا يفوز في الدورة الأولى، ولا في الثانية، ولا الثالثة، ولا الرابعة. وقد لا يفوز بها أبداً. لكنه سيظل الكاتب مثير الجدل، وجاذب الحشود لمعارض الكتب.

ترُى هل سيعزز المسلم التشابه بينه والروائيتين الأميركيتين من ناحية رفض الناشرين في البدايات وجاذبية أعمالهم السردية بتأسيس دار لنشر القص الشعبي، أو هل أقول «الأدب الأكثر تأثيراً»، إذا كان بالإمكان اكتشاف مدى قدرة كتاب على التأثير قبل النشر، وبعده بدون أجهزة وآليات رصد خاصة ومعايير؟

ناقد وكاتب سعودي