كشف النقاب عن رسائل ماري أنطوانيت إلى الكونت السويدي

باستخدام أشعة «إكس» لإظهار المنقح فيها

كشف النقاب عن رسائل ماري أنطوانيت إلى الكونت السويدي
TT

كشف النقاب عن رسائل ماري أنطوانيت إلى الكونت السويدي

كشف النقاب عن رسائل ماري أنطوانيت إلى الكونت السويدي

في العام 1791 وقتها ربما لم تكن آن ماري أنطوانيت محبوبة من الشعب الفرنسي، كان لديها صديق بالمراسلة مقرب منها هو كونت سويدي يدعى أكسيل فون فيرسن، أحد الأصدقاء المقربين من ملكة فرنسا.
وبين صيفي 1791 و1792 ورغم إبقاء الملكة قيد مراقبة وثيقة بعد محاولة هروب فاشلة، نجحت أنطوانيت في تمرير خطابات إلى كونت فيرسن. ونسخ الكونت الخطابات، الموجودة حالياً في حوزة الأرشيف الوطني الفرنسي، إلا أنه ما بين فترة كتابة الخطابات ووصولها إلى الأرشيف الوطني، تدخل عنصر غامض وتعمد إخفاء كلمات وسطور من الخطابات برسم دوائر متعرجة من الحبر.
وظل المؤرخون عاجزين عن كشف محتوى السطور التي أُخفيت وهوية الكاتب لما يقرب من 150 عاماً. وفي ورقة بحثية نشرتها، الجمعة، دورية «ساينس أدفانسيز»، كشف علماء عن المحتوى المنقح لثمانية خطابات تخص ماري أنطوانيت وكونت أوف فيرسن كان قد جرى التدخل فيها بإخفاء أجزاء منها. واعتمد العلماء على تكنيك يدعى التحليل الطيفي باستخدام أشعة «إكس»، التي بإمكانها الكشف عن التوقيعات الكيميائية للأحبار المختلفة من دون الإضرار بالوثائق.
وكشفت محتويات الرسائل عن عمق مشاعر ماري أنطوانيت تجاه صديقها المقرب خلال فترة الاضطرابات، لكن في ضربة للشائعات التي ثارت حول الأمر، لا توضح المحتويات ما إذا كانا على علاقة غرامية.
من ناحيتها، وصفت إيميلين بوييه، الباحثة في جامعة السوربون في فرنسا التي لم تشارك في المشروع، التنقيح بأنه «اختراق تقني حقيقي» يساهم في مجال علم حفظ الوثائق.
وأعربت كاتريونا سيث، أستاذة الأدب الفرنسي في جامعة أكسفورد، التي لم تشارك في البحث، عن اعتقادها بأن هذا «أمر رائع للغاية. العلم يخبرنا أشياء لم يكن بإمكاننا تخمينها».
ورغم أن محتوى المراسلات اللاحقة للملكة مع الكونت كان سياسيا في أغلبه، ترصد الرسائل بعضاً من أكثر اللحظات تطرفاً في حياتها. عن ذلك، أوضحت الدكتورة سيث «أنها قيد الإقامة الجبرية، وتخشى على حياتها، وقد تتعرض للقتل. إنها تكتب بهذا الإدراك لمصيرها».
وأضافت أن عدداً قليلاً فقط من الرسائل احتوى على محتوى منقح. وتساءل الكثير من المؤرخين إذا كانت هذه الخطوط المحجوبة يمكن أن تقدم رؤى جديدة لعلاقة الملكة الفرنسية مع الكونت السويدي.
جدير بالذكر في هذا الصدد، أن الرسائل ظلت داخل عائلة كونت فرسن حتى عام 1877 عندما نشرها حفيد ابن شقيق الكونت، البارون كلينكوستروم. ويعتقد العديد من المؤرخين أن البارون ربما هو من تولى حجب أجزاء من الرسائل، ربما سعياً للحفاظ على سمعة عائلته في مواجهة الشائعات بأن الكونت السويدي والملكة الفرنسية كانا عاشقين سريين.
وفي عام 2014 أجرى الأرشيف الوطني الفرنسي اتصالات بآن ميشلان، الأستاذة المساعدة في المتحف الوطني الفرنسي للتاريخ الطبيعي، لمعرفة ما إذا كان باستطاعتها كشف الأجزاء المحجوبة من الرسائل.
جدير بالذكر أنه باستطاعة الباحثين استخدام التصوير المقطعي بأشعة «إكس»، أو التصوير المقطعي المحوسب، لاستعادة بعض النصوص المخفية. ويمكن لهذه الأشعة أن تصور النص من دون الإضرار بالمخطوطات.
إلا أن التعديلات التي أدخلت على رسائل ماري أنطوانيت تمثل مشكلة من نوع مختلف، وذلك لأن الشخص الذي تولى مهمة الرقيب رسم الخطوط باستخدام نفس الحبر المستخدم في الكتابة الأصلية، ما أدى إلى إنشاء تشابك أسود من الحبر المتراكب. ولم يكن بين نوعي الحبر تباين كيميائي كافٍ لعمليات التصوير المقطعي المحوسب لاكتشاف النص الأصلي. وعليه، دخل الباحثون في عملية عصف ذهني لاقتراح تقنيات محتملة يمكن أن تخترق الرقابة. وقد فشلت جميعها، باستثناء واحد، في إلقاء الضوء على الأجزاء المحجوبة.
أما التقنية التي نجحت، فهي التحليل الطيفي لأشعة «إكس»، التي ميزت التوقيع الكيميائي للحبر المستخدم من قبل المؤلف الأصلي عن الحبر المستخدم من جانب الشخص الذي أوكل لنفسه مهمة الرقيب. وكشفت عمليات المسح الأولية باستخدام هذه التقنية أن كلا النصين مكتوب بحبر معدني، نوع شائع من الأحبار كان يصنع من كبريتات الحديد. وعن ذلك، أوضحت الدكتورة ميشلان أن: «كبريتات الحديد ليست نقية في معظم الأوقات، وقد تحوي عناصر معدنية أخرى، مثل النحاس والزنك. ومن خلال هذا الاختلاف الطفيف أمكن التمييز بين الحبرين».
في بعض الخطابات، كان النحاس موجوداً فقط في الحبر الأصلي. وبذلك، فإن عزل العنصر بمفرده كان من شأنه التخلص من الحجب. وأضافت الدكتورة ميشلان: «وعليه، فإنه فقط باستخدام خريطة النحاس، أصبح بإمكاني قراءة النص».
أثبتت الرسائل الأخرى أنها أكثر تعقيداً. مع عدم توافر عنصر كيميائي واحد يمكن استخدامه للتمييز بين الحبرين، عكف الباحثون على تحديد نسب عناصر معينة، مثل النحاس إلى الحديد، للتمييز بين الحبرين وكشف النص. ولا تزال خطابات أخرى تستعصي على محاولات فك طلاسمها تماماً، لأن الحبر الأصلي وحبر الحجب متشابهان للغاية في التركيب بحيث يتعذر فصلهما.
وربما تكون عمليات مسح الحبر قد كشفت النقاب كذلك عن الهوية الحقيقية لمن تولى مهمة الرقيب على الخطابات: ليس ابن شقيقه كلينكوستروم، وإنما كونت فرسن نفسه. وأظهرت عمليات المسح أن الكونت بدأ استخدام نفس الحبر في الكتابة وحجب بعض الأجزاء بعد عام 1971 في أحد الخطابات، وحجب الكونت أحد السطور وكتب فوقه باستخدام الحبر ذاته لضمان استمرار إمكانية قراءة السطر، وبدل عبارة «الخطاب المؤرخ بـ28 أسعدني» بعبارة أخرى أخف وطأة وهي «الخطاب المؤرخ بـ28 وصلني». وأكد خبير خطوط أن هذا التعديل جاء على يد الكونت نفسه.
وفي نهاية الأمر، تمكن فريق الباحثين من رفع الحجب عن ثمانية من إجمالي 15 خطاباً، وكشف عن تعبيرات لعاطفة الود بين الملكة الفرنسية والكونت السويدي، التي تجلت في كلمات مثل «محبوب» و«صديق رقيق» و«أعشق» و«بجنون».
وهنا، شرحت الدكتورة سيث: «من الواضح للغاية أن ماري أنطوانيت كانت تكن مودة عميقة جداً تجاه فون فيرسن الذي شكل في هذه المرحلة من حياتها أحد الأعمدة الرئيسية لعاطفتها».
إلا أنها أوضحت أن هذه التعبيرات العاطفية الجياشة ليست دليلاً على وجود علاقة غرامية بين الاثنين. وقالت: «ربما يمكن النظر إليها كأسلوب لإلقاء تحية الوداع على صديق».
بجانب ذلك، كان الكونت رجلاً مشغولاً للغاية، ذلك أنها أوضحت أنه: «كان لا يزال مرتبطاً بعلاقة غرامية مع سيدة أخرى في ذلك الوقت».
من ناحية أخرى، فإنه قبل انطلاق المشروع، لم تكن الدكتورة ميشلان على دراية بشائعات وجود علاقة بين كونت فرسن وماري أنطوانيت. ورغم أنها أصبحت الآن أكثر تعاطفاً مع الملكة التي تعرضت لحملة لتشويه سمعتها، فإنها غير مهتمة إلى حد ما بالشائعات.
وقالت خلال اتصال عبر تطبيق «زووم» بنبرة جافة: «جميع ملكات وملوك فرنسا كانت في حياتهم علاقات غرامية. هذا أمر شائع».
*خدمة: «نيويورك تايمز»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».