«الترويكا» الدولية «قلقة للغاية» لعدم تنفيذ التزامات «اتفاق جوبا»

دعوات أميركية إلى حكم مدني في الذكرى الأولى لاتفاق السلام السوداني

TT

«الترويكا» الدولية «قلقة للغاية» لعدم تنفيذ التزامات «اتفاق جوبا»

غداة الزيارة التي قام بها المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، للخرطوم، الذي طالَب بنقل السلطة بشكل كامل إلى المدنيين، أشادت «الترويكا» المؤلَّفة من الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج بالشعب السوداني، مع احتفاله بالذكرى السنوية الأولى لتوقيع اتفاق جوبا للسلام. غير أنها عبرت عن «قلق بالغ» من عدم تنفيذ العديد من الالتزامات الواردة فيه، فضلاً عن «خيبة أملها» بسبب عدم التقدُّم في مفاوضات السلام مع «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، بقيادة عبد العزيز الحلو.
ونوهت «الترويكا» في بيان وزعته وزارة الخارجية الأميركية بـ«الاتفاق التاريخي» الذي وقعته الأطراف في 3 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، معتبرة أنه «يستجيب لمطالب الشعب السوداني بالحرية والسلام والعدالة، وخاصة من المتضررين من النزاع في كل أنحاء السودان». وحضَّت الأطراف على «إعادة التزام التنفيذ الكامل للاتفاق»، وإذ أشادت أيضاً بـ«الخطوات التي أحرزت نحو العدالة الانتقالية، بما في ذلك تعاون الحكومة مع المحكمة الجنائية الدولية»، رحبت بـ«التزام مجلس الوزراء المعلن تسليم الرئيس السابق عمر البشير والمسؤولين السابقين الآخرين الخاضعين لمذكرات توقيف دولية»، داعية الحكومة إلى «التحرك بسرعة في هذا الالتزام، وإحراز تقدم في إنشاء المحكمة الخاصة بدارفور». وقالت: «ستساعد الإجراءات القانونية الواجبة على تحقيق العدالة للضحايا ودعم عملية المصالحة».
غير أن «الترويكا» عبرت «قلق بالغ» من التأخُّر في تنفيذ الالتزامات التي جرى التعهُّد بها قبل عام، بما في ذلك إنشاء مفوضية السلام، وآلية للمراقبة والتقييم، والمجلس التشريعي الانتقالي، وإنشاء ترتيبات أمنية لقوات حفظ الأمن في دارفور. وإذ شددت على أن «التقدم مطلوب الآن»، حضت جميع الموقعين على الاتفاق من أجل «إظهار القيادة والعمل معاً لإعادة التركيز على التنفيذ لتحقيق السلام والأمن الضروريين للناس». كما أنه «يجب بذل جهود خاصة لتحقيق الأهداف الطموحة المنصوص عليها في الإعلان الدستوري واتفاق جوبا للسلام من أجل مشاركة المرأة».
وعبرت «الترويكا» عن «خيبة أمل»، بسبب عدم وجود زخم في مفاوضات السلام مع «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة عبد العزيز الحلو، داعية الأخير والحكومة السودانية على «العودة إلى جوبا والتفاوض على أساس إعلان المبادئ الصادر في مارس (آذار) 2021». ولاحظت «بقلق» الاضطرابات المتزايدة في شرق السودان، منددةً بـ«كل الإجراءات التي تهدد استقرار السودان واقتصاده». وشجعت الحكومة السودانية وكل الأطراف الشرقية على «الانخراط في حوار لمعالجة المظالم المشروعة» على أساس الإعلان الدستوري واتفاق جوبا للسلام.
وكان فيلتمان زار السودان لثلاثة أيام من أجل تسليط الضوء على «التزام الولايات المتحدة الثابت بالانتقال السياسي المستمر» في السودان. واعتبرت وزارة الخارجية الأميركية أن العملية الانتقالية «تمثل فرصة لا تتكرر إلا مرة كل جيل للديمقراطية».
وأفاد الناطق باسم وزارة الخارجية نيد برايس بأن فيلتمان اجتمع مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وأعضاء مجلس الوزراء ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وأعضاء مجلس السيادة وغيرهم من أصحاب المصلحة السياسيين، معبراً عن «حرص الولايات المتحدة على استمرار الدعم السياسي والاقتصادي للمرحلة الانتقالية»، موضحاً أن هذا الدعم يعتمد على التزام السودان النظام الانتقالي المتفق عليه على النحو المنصوص عليه في الإعلان الدستوري لعام 2019 واتفاق جوبا للسلام. وقال إن «الانحراف عن هذا المسار والفشل في تلبية المعايير الرئيسية سيعرض للخطر علاقة السودان الثنائية مع الولايات المتحدة، بما في ذلك المساعدة الأميركية الكبيرة، فضلاً عن آفاق التعاون الأمني لتحديث القوات المسلحة السودانية والدعم الأميركي في المؤسسات المالية الدولية ولتخفيف الديون». وشجع كل أصحاب المصلحة على «تحمل مسؤولياتهم في هذه اللحظة التاريخية، وطمأنة الشعب السوداني بأن تطلعات الثورة ستتحقق لتجنب سياسة حافة الهاوية والاتهامات المتبادلة، وإحراز تقدم سريع في شأن المعايير الرئيسية في الإعلان الدستوري التي من شأنها أن تحقق الاستقرار في المرحلة الانتقالية، ومنها التوصل إلى توافق حول موعد نقل رئاسة مجلس السيادة إلى مدني».



«مقترح مصري» يحرّك «هدنة غزة»

رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
TT

«مقترح مصري» يحرّك «هدنة غزة»

رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)

حديث إسرائيلي عن «مقترح مصري» تحت النقاش لإبرام اتفاق هدنة في قطاع غزة، يأتي بعد تأكيد القاهرة وجود «أفكار مصرية» في هذا الصدد، واشتراط إسرائيل «رداً إيجابياً من (حماس)» لدراسته، الخميس، في اجتماع يترأسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

تلك الأفكار، التي لم تكشف القاهرة عن تفاصيلها، تأتي في «ظل ظروف مناسبة لإبرام اتفاق وشيك»، وفق ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، مع ضغوط من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لإطلاق سراح الرهائن قبل وصوله للبيت الأبيض، كاشفين عن أن «حماس» تطالب منذ طرح هذه الأفكار قبل أسابيع أن يكون هناك ضامن من واشنطن والأمم المتحدة حتى لا تتراجع حكومة نتنياهو بعد تسلم الأسرى وتواصل حربها مجدداً.

وكشفت هيئة البث الإسرائيلية، الأربعاء، عن أن «إسرائيل تنتظر رد حركة حماس على المقترح المصري لوقف الحرب على غزة»، لافتة إلى أن «(الكابينت) سيجتمع الخميس في حال كان رد (حماس) إيجابياً، وذلك لإقرار إرسال وفد المفاوضات الإسرائيلي إلى القاهرة».

فلسطيني نازح يحمل كيس طحين تسلمه من «الأونروا» في خان يونس بجنوب غزة الثلاثاء (رويترز)

ووفق الهيئة فإن «المقترح المصري يتضمن وقفاً تدريجياً للحرب في غزة وانسحاباً تدريجياً وفتح معبر رفح البري (المعطل منذ سيطرة إسرائيل على جانبه الفلسطيني في مايو/أيار الماضي) وأيضاً عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة».

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأربعاء، خلال حديث إلى جنود في قاعدة جوية بوسط إسرائيل إنه «بسبب الضغوط العسكرية المتزايدة على (حماس)، هناك فرصة حقيقية هذه المرة لأن نتمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن».

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أكد، الأربعاء، استمرار جهود بلاده من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة. وقال عبد العاطي، في مقابلة مع قناة «القاهرة الإخبارية»: «نعمل بشكل جاد ومستمر لسرعة التوصل لوقف فوري لإطلاق النار في غزة»، مضيفاً: «نأمل تحكيم العقل ونؤكد أن غطرسة القوة لن تحقق الأمن لإسرائيل».

وأشار إلى أن بلاده تعمل مع قطر وأميركا للتوصل إلى اتفاق سريعاً.

يأتي الكلام الإسرائيلي غداة مشاورات في القاهرة جمعت حركتي «فتح» و«حماس» بشأن التوصل لاتفاق تشكيل لجنة لإدارة غزة دون نتائج رسمية بعد.

وكان عبد العاطي قد قال، الاثنين، إن «مصر ستستمر في العمل بلا هوادة من أجل تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين»، مؤكداً أنه «بخلاف استضافة حركتي (فتح) و(حماس) لبحث التوصل لتفاهمات بشأن إدارة غزة، فالجهد المصري لم يتوقف للحظة في الاتصالات للتوصل إلى صفقة، وهناك رؤى مطروحة بشأن الرهائن والأسرى».

عبد العاطي أشار إلى أن «هناك أفكاراً مصرية تتحدث القاهرة بشأنها مع الأشقاء العرب حول وقف إطلاق النار، وما يُسمى (اليوم التالي)»، مشدداً على «العمل من أجل فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني» الذي احتلته إسرائيل في مايو الماضي، وكثيراً ما عبّر نتنياهو عن رفضه الانسحاب منه مع محور فيلادلفيا أيضاً طيلة الأشهر الماضية.

وكان ترمب قد حذر، الاثنين، وعبر منصته «تروث سوشيال»، بأنه «سيتم دفع ثمن باهظ في الشرق الأوسط» إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة قبل أن يقسم اليمين رئيساً في 20 يناير (كانون الثاني) 2025.

دخان يتصاعد بعد ضربة إسرائيلية على ضاحية صبرا في مدينة غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)

وأفاد موقع «أكسيوس» الأميركي بأن مايك والتز، مستشار الأمن القومي الذي اختاره ترمب، سيقابل وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمير، الأربعاء، لمناقشة صفقة بشأن قطاع غزة.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور عبد المهدي مطاوع أن «المقترح المصري، حسبما نُشر في وسائل الإعلام، يبدأ بهدنة قصيرة تجمع خلالها (حماس) معلومات كاملة عن الأسرى الأحياء والموتى ثم تبدأ بعدها هدنة بين 42 و60 يوماً، لتبادل الأسرى الأحياء وكبار السن، ثم يليها حديث عن تفاصيل إنهاء الحرب وترتيبات اليوم التالي الذي لن تكون (حماس) جزءاً من الحكم فيه»، مضيفاً: «وهذا يفسر جهود مصر بالتوازي لإنهاء تشكيل لجنة إدارة القطاع».

وبرأي مطاوع، فإن ذلك المقترح المصري المستوحى من هدنة لبنان التي تمت الأسبوع الماضي مع إسرائيل أخذ «دفعة إيجابية بعد تصريح ترمب الذي يبدو أنه يريد الوصول للسلطة والهدنة موجودة على الأقل».

هذه التطورات يراها الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية اللواء سمير فرج تحفز على إبرام هدنة وشيكة، لكن ليس بالضرورة حدوثها قبل وصول ترمب، كاشفاً عن «وجود مقترح مصري عُرض من فترة قريبة، و(حماس) طلبت تعهداً من أميركا والأمم المتحدة بعدم عودة إسرائيل للحرب بعد تسلم الرهائن، والأخيرة رفضت»، معقباً: « لكن هذا لا ينفي أن مصر ستواصل تحركاتها بلا توقف حتى التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الرهائن في أقرب وقت ممكن».

ويؤكد الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية الدكتور أحمد فؤاد أنور أن «هناك مقترحاً مصرياً ويسير بإيجابية، لكن يحتاج إلى وقت لإنضاجه»، معتقداً أن «تصريح ترمب غرضه الضغط والتأكيد على أنه موجود بالمشهد مستغلاً التقدم الموجود في المفاوضات التي تدور في الكواليس لينسب له الفضل ويحقق مكاسب قبل دخوله البيت الأبيض».

ويرى أن إلحاح وسائل الإعلام الإسرائيلية على التسريبات باستمرار عن الهدنة «يعد محاولة لدغدغة مشاعر الإسرائيليين والإيحاء بأن حكومة نتنياهو متجاوبة لتخفيف الضغط عليه»، مرجحاً أن «حديث تلك الوسائل عن انتظار إسرائيل رد (حماس) محاولة لرمي الكرة في ملعبها استغلالاً لجهود القاهرة التي تبحث تشكيل لجنة لإدارة غزة».

ويرى أنور أن الهدنة وإن بدت تدار في الكواليس فلن تستطيع حسم صفقة في 48 ساعة، ولكن تحتاج إلى وقت، معتقداً أن نتنياهو ليس من مصلحته هذه المرة تعطيل المفاوضات، خاصة أن حليفه ترمب يريد إنجازها قبل وصوله للسلطة، مستدركاً: «لكن قد يماطل من أجل نيل مكاسب أكثر».