المسرحي اللبناني الشاب قاسم إسطنبولي يتمسك بـ«المساحة الحرة»

يؤمن بأن الفن للجميع ويدعو لتحقيق «اللامركزية الثقافية»

قاسم إسطنبولي
قاسم إسطنبولي
TT

المسرحي اللبناني الشاب قاسم إسطنبولي يتمسك بـ«المساحة الحرة»

قاسم إسطنبولي
قاسم إسطنبولي

يرفض المسرحي اللبناني الشاب قاسم إسطنبولي الإحباط، الذي يعاني منه المشهد الثقافي، وخاصةً فن المسرحي، ارتباطاً بوضع البلد العام. «واجبنا الصمود والبقاء»، كما يقول في حوارنا معه. وإسطنبولي هو ممثل ومخرج مسرحي، خريج الجامعة اللبنانية، كلية الفنون الجميلة، ويتحدر من مدينة صور الجنوبية.
وقد أسس «مسرح إسطنبولي» كنوع من مقاومة ثقافية، كما يؤكد، وسعياً لـ«ثورة فكرية تعيد تشكيل مفهوم الوعي في الشباب وتجعله يشعر بقيمته الاجتماعية. المسألة ليست خشبة مسرح. هي درب نضال». وهي «فسحة للتنفس واختراق الاختناق الكبير»... إنه يقاوم عبر «مسرح إسطنبولي» الظرف الصعب منذ «الكوفيد» وصولا إلى الانهيار «الواقع ليس وردياً، لكنني اخترت الإيمان بالمسرح والعمل من أجله. الاستمرار ليس ترفاً. هو رسالة».
ينطلق إسطنبولي من داخله الحالم إلى خارج لا يتيح دائماً تحقيق الحلم، إن لم يجهضه. لكن المسرح، رغم كل ذلك، يصبح بالنسبة إليه بيتاً، وهو لن يترك هذا البيت. يتجاوز الضربة تلو الأخرى. حين أغلق «كوفيد» الأبواب، آنذاك، عزز إسطنبولي عروض الـ«أون لاين» وأبقى بذلك النشاط المسرحي حياً. وهو يسعده أن مسرحه «لم يدخل في إجازة» حين أقفلت مسارح بيروت أبوابها وسلمت نفسها لأشباح الجائحة. واليوم، حيث لا كهرباء ولا مازوت، بأي أدوات صمود يحيا المسرح، وهو كالبشر، يتطلب مقومات الاستمرار وضرورات العيش؟ يقول: «حين لا تكون كهرباء هناك، نتنقل بأجهزة اللابتوب من مكان إلى آخر. وإن تعذر تأمين المازوت، نقيم العروض في الخارج. الفن يبقى برغم كل الأحوال».
يرى الشاب إسطنبولي المسرح في كل مكان تشرق فيه الشمس، في الساحات، في الميناء، بين الناس. وبدل عروض مباشرة تمتد لأيام، يقدم مسرحه عرضاً مباشراً ليوم واحد، ويحول باقي العروض إلى منصات الـ«أون لاين». وإن استمر انقطاع الكهرباء، يعتذر من الزوار: «الرجاء الانتظار. الجميع يتفهم ويتقبل. وهم يأتون إلينا وفي عيونهم بريق، فيجدون الفسحة والحضن أيضاً».
إنه يراهن على الجيل الشاب، مسرحيي المستقبل، فالنسبة إليه، «ليس المهم فقط ما نفعله اليوم، فما يوازيه أهمية هو ما نؤسسه للغد. ففي أروقة المسرح، تجدين أن عشرات الأولاد يشاركون في صفوف الرسم والحكايات والتمثيل، إني أتفاجأ بحجم التعطش هذا. الصغار هم الأمل».
لا يكف إسطنبولي أيضاً عن الدعوة لـ«اللامركزية الثقافية»، وأن لا تكون العواصم وحدها مركزاً النشاطات، وأيضاً لأن يكون المسرح لكل الناس: «نريد مسرحاً لكل الطبقات. المسرح للناس، لا للأثرياء فقط. لربات المنازل وأولادهم. للعمال والبسطاء». لذلك، ينقل العروض بين الجنوب والشمال، ويختار الأرياف والمناطق النائية. والحلم الكبير ربط طرابلس الشمالية بمدينة صور الجنوبية، فلا يبقى مكان للفوارق، وتتلاشى المخاوف بين الناس. ذلك لإيمان بقوة الثقافة على لم الشمل. أماكن الحرية وحدها النجاة.
يفتح «مسرح أسطنبولي» من العاشرة صباحاً حتى العاشرة ليلاً: «المسرح مفتوح طوال الوقت. وفيه مكتبة لمن يود القراءة، ومقهى للنقاش والرأي. يلتقي الزوار من دون الشعور بالمكان المقفل. يؤمن لهم المسرح إحساساً بأنهم أحرار وبقيمة وجودهم. يمكن لمن يريد عرض فيلم، التوجه إلينا فنعرضه. ولمن يريد عرض مسرحية أن يجد مسرحنا في انتظاره. حتى أننا نؤمن المعدات والكاميرات لمن لا يملك الإمكانات. المسرح منصة حرة».
نحس في نبرة إسطنبولي شغفه الكبير للمسرح. إنه والفرقة وجمعية «تيرو» للفنون، يعملون جميعاً بدافع هذا الشغف، لا كموظفين يسعون خلف المال: «الخشبة هي الانتماء. لقد شيدنا المكان ودهناه بأيدينا. وجوده يعني وجودنا». يحفظ حكايات عن قدرة المسرح على علاج النفوس في عز الحرب. يستعيد ما سمعه عن ناس ارتادوا الخشبة وصالات السينما وسط زخم المعارك للهروب إلى العروض: «هذا هو لبنان؛ وطن عصي على السكينة. منذ الأزل والأزمات قدره. صحيح أن الوجع اليوم أعمق، لكن الفنون تنتصر والتاريخ يشهد على ذلك».
ويتذكر أنه يذكر حين تخرج في العام 2008، كان حلمه آنذاك أقرب للاستحالة من إمكانية تحققه. فكيف لشاب في بداياته أن يستأجر مسرحاً ويدفع التكاليف؟ لكنه يشعر بالفخر وهو يؤمن للجيل الشاب ما لم يتأمن له، مع إدراكه أن واقع المسرح في لبنان الآن أشبه بلعبة الدولار «مرة فوق ومرة تحت؛ حسب الظروف. التخبط احتمال، ولا بأس طالما أن الباب مفتوح».
نتيجة هذه الظروف، يبحث إسطنبولي عن مساهمات وجهات الداعمة، لكن يرفض تدخل أجندات سياسية بذريعة التمويل. إنه يعني المتطوعين، أصحاب العطاءات، الذين «دائماً يشقون الطريق للضوء»، كي يبقى المسرح مساحة حرة.


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي
TT

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية، تناولت مفهوم الثقافة بالتساؤل عن معناها ومغزاها في ظل متغيرات عصر العولمة، وعرّجت على الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة السعودية في تفعيل المعاني الإيجابية التي تتصل بهذا المفهوم، منها إبراز الهويَّة والتواصل مع الآخر.

كما أثارت المجلة في العدد الجديد لشهري نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر (كانون الأول) 2024 (العدد 707)، نقاشاً يرصد آفاق تطور النقل العام في الحواضر الكُبرى، في ضوء الاستعدادات التي تعيشها العاصمة السعودية لاستقبال مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام في الرياض».

وفي زاوية «بداية كلام» استطلعت المجلة موضوع «القراءة العميقة» وتراجعها في العصر الرقمي، باستضافة عدد من المشاركين ضمن النسخة التاسعة من مسابقة «اقرأ» السنوية، التي اختتمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي السياق نفسه، تطرّق عبد الله الحواس في زاوية «قول في مقال» إلى الحديث عن هذه «المسابقة الكشافة»، التي تستمد حضورها من أهمية القراءة وأثرها في حياتنا.

في باب «أدب وفنون»، قدَّم قيس عبد اللطيف قراءة حول عدد من أفلام السينما السعودية لمخرجين شباب من المنطقة الشرقية من المملكة، مسلطاً الضوء على ما تتناوله من هموم الحياة اليومية؛ إذ يأتي ذلك بالتزامن مع الموسم الخامس لـ«الشرقية تُبدع»، مبادرة الشراكة المجتمعية التي تحتفي بـ«الإبداع من عمق الشرقية».

وفي «رأي ثقافي»، أوضح أستاذ السرديات وعضو جائزة «القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، د. حسن النعمي، دور الجائزة في صناعة مشهد مختلف، بينما حلَّ الشاعر عبد الله العنزي، والخطّاط حسن آل رضوان في ضيافة زاويتي «شعر» و«فرشاة وإزميل»، وتناول أحمد عبد اللطيف عالم «ما بعد الرواية» في الأدب الإسباني، بينما استذكر عبد السلام بنعبد العالي الدور الأكاديمي البارز للروائي والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي. أما علي فايع فكتب عن «المبدع الميّت في قبضة الأحياء»، متسائلاً بصوت مسموع عن مصير النتاج الأدبي بعد أن يرحل صاحبه عن عالم الضوء.

في باب «علوم وتكنولوجيا»، تناولت د. يمنى كفوري «تقنيات التحرير الجيني العلاجية»، وما تعِد به من إمكانية إحداث ثورة في رعاية المرضى، رغم ما تنطوي عليه أيضاً من تحديات أخلاقية وتنظيمية. وعن عالم الذرَّة، كتب د. محمد هويدي مستكشفاً تقنيات «مسرِّعات الجسيمات»، التي تستكمل بالفيزياء استكشاف ما بدأته الفلسفة.

كما تناول مازن عبد العزيز «أفكاراً خارجة عن المألوف يجمح إليها خيال الأوساط العلمية»، منها مشروع حجب الشمس الذي يسعى إلى إيجاد حل يعالج ظاهرة الاحتباس الحراري. أما غسّان مراد فعقد مقارنة بين ظاهرة انتقال الأفكار عبر «الميمات» الرقمية، وطريقة انتقال الصفات الوراثية عبر الجينات.

في باب «آفاق»، كتب عبد الرحمن الصايل عن دور المواسم الرياضية الكُبرى في الدفع باتجاه إعادة هندسة المدن وتطويرها، متأملاً الدروس المستفادة من ضوء تجارب عالمية في هذا المضمار. ويأخذنا مصلح جميل عبر «عين وعدسة» في جولة تستطلع معالم مدينة موسكو بين موسمي الشتاء والصيف. ويعود محمد الصالح وفريق «القافلة» إلى «الطبيعة»، لتسليط الضوء على أهمية الخدمات البيئية التي يقدِّمها إليها التنوع الحيوي. كما تناقش هند السليمان «المقاهي»، في ظل ما تأخذه من زخم ثقافي يحوِّلها إلى مساحات نابضة بالحياة في المملكة.

ومع اقتراب الموعد المرتقب لافتتاح قطار الأنفاق لمدينة الرياض ضمن مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام»، ناقشت «قضية العدد» موضوع النقل العام، إذ تناول د. عبد العزيز بن أحمد حنش وفريق التحرير الضرورات العصرية التي جعلت من النقل العام حاجة ملحة لا غنى عنها في الحواضر الكبرى والمدن العصرية؛ فيما فصَّل بيتر هاريغان الحديث عن شبكة النقل العام الجديدة في الرياض وارتباطها بمفهوم «التطوير الحضري الموجّه بالنقل».

وتناول «ملف العدد» موضوعاً عن «المركب»، وفيه تستطلع مهى قمر الدين ما يتسع له المجال من أوجه هذا الإبداع الإنساني الذي استمر أكثر من ستة آلاف سنة في تطوير وسائل ركوب البحر. وتتوقف بشكل خاص أمام المراكب الشراعية في الخليج العربي التي ميَّزت هذه المنطقة من العالم، وتحوَّلت إلى رمز من رموزها وإرثها الحضاري.