جدل في مصر حول إعادة تقييم أثرية لـ «حديقة أسماك الزمالك»

TT

جدل في مصر حول إعادة تقييم أثرية لـ «حديقة أسماك الزمالك»

أثار قرار المجلس الأعلى للآثار المصري بشأن تغيير طريقة تسجيل حديقة الأسماك بحي الزمالك وسط القاهرة، موجة من الانتقادات من جانب سكان الحي العريق، وعشاق ومحبي التراث في مصر، وسط مخاوف من أن تتحول الحديقة، التي تشكل جزءاً من تاريخ الحي، إلى جراج أو مطعم أو مول تجاري.
بدأت الانتقادات بتسريب أخبار عن عزم وزارة السياحة والآثار ممثلة في المجلس الأعلى للآثار حذف حديقة الأسماك من سجلات الآثار، وانتشار شائعات عن وجود مخطط لتطوير الحديقة يتضمن إنشاء جراج متعدد الطوابق، ومطعم.
ورداً على التسريبات الخاصة بشطب حديقة الأسماك من عداد الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، أصدرت وزارة السياحة والآثار بياناً صحافياً، أمس، قالت فيه إن «المجلس الأعلى للآثار لم ولن يشطب أي أثر من عداد الآثار المصرية القديمة أو الإسلامية أو القبطية أو اليهودية، لأن مهمة المجلس وفقاً لقانون حماية الآثار وتعديلاته، هو الحماية والحفاظ على الآثار المصرية الفريدة التي هي ملك للبشرية».
لكن البيان أشار إلى أنه «تم عرض شطب مساحة صغيرة فقط من حديقة الأسماك لا يوجد بها أي مبانٍ مسجلة في عداد الآثار على اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية واليهودية»، موضحاً أن «موضوع دراسة شطب هذه المساحة تم عرضه داخل اللجان الفنية ولم يتم عرضه على مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار، وهو الجهة المعنية باتخاذ قرارات تسجيل أو شطب الآثار وفقاً لقانون الآثار»، مشدداً على أن «المجلس الأعلى للآثار لن يسمح بأي نشاط يضر بالبيئة الأثرية بالحديقة وبكل المواقع المسجلة على مستوى الجمهورية».
ونفى جمال عبد الرحيم، عضو اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، «عرض هذا الموضوع على اللجنة»، مضيفاً: «هذا غير صحيح ولم يتم شطب أي جزء من حديقة الأسماك»، في الوقت الذي أكد فيه مسؤولون بالمجلس الأعلى للآثار «تعديل تسجيل الحديقة ليقتصر على الجبلاية والأكشاك الأثرية الثلاثة فقط».
من جانبه، أوضح الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لا يوجد شيء اسمه حديقة أثرية، بل يوجد شيء اسمه مبانٍ أو مناطق مسجلة آثار، لا يوجد حديقة مسجلة آثار»، مشيراً إلى أن «الآثار الموجودة بالحديقة وهي الجبلاية والأكشاك الثلاثة لن يتم شطبها نهائياً»، نافياً ما تردد عن وجود نية لإنشاء جراج أو مشروع استثماري داخل الحديقة. وحديقة الأسماك مسجلة في عداد الآثار الإسلامية والقبطية بموجب قرار وزير الثقافة رقم 860 لعام 2010.
ووفق الدكتور مختار الكسباني، أستاذ الآثار وعضو اللجنة العليا للمتاحف بوزارة السياحة والآثار، فإن «حديقة الأسماك تشكل جزءاً من التاريخ المصري، ولا يجوز شطب أي جزء منها من عداد الآثار، فهي حديقة تراثية يجب الحفاظ عليها»، موجهاً نداء للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لحماية الحديقة وإعادة إحيائها.
بدورها، أعربت الدكتورة سهير حواس، عضو مجلس إدارة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، عن دهشتها من قرار المجلس الأعلى للآثار، وقالت إن «الحديقة حتى لو خرجت من الآثار فهي محمية بموجب قانون التنسيق الحضاري رقم 119 لسنة 2008 الذي سجل حي الزمالك كله، إلى نطاقين (ألف) و(باء)، ووضع حديقة الأسماك في النطاق (ألف) وهو نطاق الحماية القصوى، الذي يمنع إجراء أي تعديلات على الحديقة، ويضع شروطاً على المباني داخل الحدائق بحيث لا تتعدى نسبتها 2 في المائة من مساحة الحديقة».
وأشارت وزارة السياحة والآثار، في بيانها، إلى أنه «خلال اجتماع المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، الأسبوع الماضي، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، تم عرض جميع مقترحات أعمال تطوير الحدائق التراثية أو ذات الطابع المعماري المميز أو التاريخية أو الأثرية على مستوى الجمهورية، والتأكيد على ضرورة مناقشة أي مقترحات قبل تنفيذها، نظراً لأهمية هذه الحدائق ولضمان الحفاظ على هذا الكنز الفريد على مستوى الجمهورية».
إلى ذلك، أوضح الدكتور محمد رجائي، رئيس الإدارة المركزية لحدائق الحيوان بوزارة الزراعة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوزارة تعكف حالياً على تنفيذ مشروع لتطوير حديقة الأسماك، حيث تم تطوير مفرخات الأسماك، والعمل على الحفاظ على بعض السلالات من الانقراض».
ويعود تاريخ حديقة الأسماك إلى عام 1876 عندما طلب الخديوي إسماعيل من مدير متنزهات باريس إحضار أحد الخبراء لتصميم حديقة أسماك في القاهرة، وافتتحت الحديقة للجمهور عام 1902.


مقالات ذات صلة

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

يوميات الشرق مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق إحدى القطع الأثرية المصرية المُستردّة من آيرلندا (وزارة السياحة والآثار)

مصر تستعيد قطعاً أثرية ومومياء من آيرلندا

أعلنت مصر استعادة قطع أثرية من آيرلندا، تضمَّنت أواني فخارية ومومياء وقطعاً أخرى، عقب زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للدولة المذكورة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) يصافح رئيس الحكومة الآيرلندية سيمون هاريس خلال زيارة إلى دبلن (أ.ف.ب)

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

أعلنت وزارة الخارجية المصرية استعادة مجموعة من القطع الأثرية من آيرلندا، وذلك عقب الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الآيرلندية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تم بيع القطعة النادرة بـ2.09 مليون دولار ضمن مزاد في جنيف (أ.ف.ب)

بمليوني دولار... بيع قطعة نقود رومانية نادرة تحمل صورة بروتوس

بيعت قطعة نقود ذهبية رومانية نادرة جداً تحمل صورة بروتوس، أحد المشاركين في قتل يوليوس قيصر، لقاء 2.09 مليون دولار ضمن مزاد أقيم الاثنين في جنيف

«الشرق الأوسط» (جنيف)
يوميات الشرق بقايا كائنات بحرية يتجاوز عمرها 56 مليون عام وتعود لعصر الإيوسيني المبكر في طبقات لصخور جيرية (الشرق الأوسط)

اكتشاف تاريخي لبقايا كائنات بحرية في السعودية عمرها 56 مليون سنة

أعلنت هيئة المساحة الجيولوجية في السعودية اليوم (الأحد)، عن اكتشاف لبقايا كائنات بحرية يتجاوز عمرها 56 مليون عام وتعود للعصر الإيوسيني المبكر.

«الشرق الأوسط» (جدة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».