لبنان يطلب رأي شركات عالمية في النزاع الحدودي البحري مع إسرائيل

في إطار السعي لإحياء المفاوضات

TT

لبنان يطلب رأي شركات عالمية في النزاع الحدودي البحري مع إسرائيل

كشف مصدر سياسي بارز أن لبنان الرسمي يتداول حالياً في عدد من الخيارات للدفع باتجاه استئناف المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية غير المباشرة، برعاية الأمم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة، لترسيم الحدود البحرية في الجنوب، بعدما عُلقت في مايو (أيار) الماضي، على خلفية مطالبة لبنان بأن تشمل حقوقه البحرية الخط 29 جنوباً، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن من بين هذه الخيارات تكليف 3 شركات عالمية بتقديم المشورة للحكومة اللبنانية حول ما ينبغي أن تكون عليه حدود لبنان في المنطقة الاقتصادية الخالصة.
ولفت إلى أن مهمة هذه الشركات العالمية هي تقديم النصائح للجانب اللبناني، ليكون في وسعه أن يضع خريطة الطريق لمعاودة المفاوضات، نافياً أن تكون هناك نية لتكليف هذه الشركات بمهمة التحكيم للنظر في النزاع البحري القائم بين لبنان وإسرائيل لأنه يشترط موافقة الطرفين، وهذا ليس مطروحاً، ما دام أن واشنطن تتولى دور الوسيط.
ورأى المصدر السياسي أن استعداد إسرائيل للتنقيب عن النفط والغاز في حقل «كاريش» الواقع في المنطقة البحرية المتنازع عليها لا يقاوم بالإدانة، والتقدُّم بشكوى ضد إسرائيل أمام الأمم المتحدة، وإنما بتوقيع المرسوم الذي يراد منه تعديل الحدود البحرية للبنان، لتشمل الخط 29، بدلاً من الخط 23 الذي سبق للحكومة اللبنانية أن تقدّمت به عام 2011 للأمم المتحدة.
وعد المصدر نفسه أنه لا جدوى من الشكوى اللبنانية إلى الأمم المتحدة لمطالبتها بالتدخل لوقف عمليات التنقيب الإسرائيلية، ما دام أن الرئيس ميشال عون يمتنع عن توقيع المرسوم الخاص بتعديل حدود لبنان البحرية، بذريعة أن توقيعه يستدعي دعوة مجلس الوزراء للانعقاد، على الرغم من أنه سبق له أن وقّع مع الرئيس حسان دياب، خلال فترة استقالة حكومته، على مئات القرارات التي أخذ علماً بها مجلس الوزراء في أول جلسة عقدتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، من دون أن يطلع عليها أعضاء الحكومة.
وأكد أن عون امتنع، في حينه، عن توقيع المرسوم لاستخدامه ورقة لمفاوضة الأميركيين على رفع العقوبات عن رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل، وكشف أن مساعد وزير الخارجية الأميركية، ديفيد هيل، عندما زار بيروت أخيراً، قبل أن يستقيل من منصبه، كان قد تلقى وعداً من عدد من النواب المنتمين إلى «التيار الوطني»، عندما التقاهم في لبنان، بعدم توقيع عون على مرسوم تعديل الحدود البحرية جنوباً، وبالتالي لن تكون هناك مشكلة أمام استئناف المفاوضات في مقر «يونيفيل» في الناقورة.
وقال إن تعليق المفاوضات تسبب بإحراج الدولة اللبنانية، خصوصاً أن صلاحية عون التي سمحت له بالتوافق مع رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب على مئات القرارات لا تمنعه من التوقيع على المرسوم الخاص بتعديل الحدود البحرية للبنان، ورأى أن السبب يكمن في وجود خطة سرعان ما تكشفت أبعادها، بدءاً بتعريض المفاوضات إلى مزايدات شعبوية نظمها أطراف في فريق «الممانعة»، بذريعة أن تعديل المرسوم جاء بطلب من فريق من الضباط من أصحاب الاختصاص توصلوا إلى قناعة بتعديل الإحداثيات البحرية، لتشمل النقطة 29 جنوباً.
وسأل المصدر نفسه إذا كانت الدولة اللبنانية في حاجة لحفظ ماء الوجه لاستئناف المفاوضات غير المباشرة، على أن يأتيها المخرج من الشركات التي ستطلب منها المشورة بشأن حدود لبنان البحرية، وقال إنه لا يعرف الأسباب الكامنة وراء اندفاع عون لانتزاع ملف التفاوض من رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي كان قد تولى متبرعاً رسم الإطار العام للتفاوض.
وتساءل المصدر كذلك: لماذا لم يحرك عون ساكناً عندما باشرت واشنطن التوسط بين بيروت وتل أبيب من خلال فريدريك هوف، مع أن بري اكتفى برسم الإطار العام، من دون أن يتدخل في التفاصيل المتروكة للوفد اللبناني المفاوض؟ وقال: ماذا سيكون الموقف في حال أصر لبنان على أن تشمل حدوده البحرية النقطة 29؟ وهل يمكن للفريق المفاوض أن يتراجع عنها؟ لأن مجرد تراجعه سيعرضه للمساءلة، وصولاً إلى التشكيك بقدرته على التفاوض، واتهامه بالتفريط بحقوق لبنان البحرية وسيادته على المنطقة الاقتصادية الخالصة؟
ودعا المصدر بعضهم للكف عن المزايدة الشعبوية، ومطالبة عون بتوقيع التعديل الخاص بالمرسوم، لأن حصر الاهتمام الرسمي بمطالبة الأمم المتحدة بالتدخل، من دون أن يقرن طلبه بإيداعها مراسلة رسمية تؤكد السيادة اللبنانية على النقطة 29، يبقى في حدود الاستهلاك المحلي.
وعد أن هناك ضرورة لخروج لبنان الرسمي من الإرباك الذي يتخبط فيه لأن عامل الوقت لن يكون لمصلحة لبنان ما لم يسارع للإفادة من ثروته النفطية، وهذا يستدعي أن يحسم أمره، ويقرر ماذا يريد، لأن شكواه إلى الأمم المتحدة تبقى حبراً على ورق ما لم يودعها وثيقة رسمية تتعلق بتعديل الحدود الدولية، تسمح له بالتدخل لدى إسرائيل، والطلب منها وقف عمليات التنقيب في المنطقة المتنازع عليها إلى أن يحسم الخلاف حولها. ويبدي المصدر السياسي تخوفه من أن ينسحب الإرباك في ملف ترسيم الحدود البحرية على المفاوضات التي تستعد الحكومة الميقاتية لخوضها مع صندوق النقد الدولي طلباً لمساعدته للانتقال بلبنان إلى مرحلة التعافي المالي، خصوصاً إذا قرر عون بناء لنصيحة فريقه السياسي أن يفتح مفاوضات موازية.
ويكشف المصدر نفسه لـ«الشرق الأوسط» أن المخاوف من إصرار عون على تعديل اتفاق الطائف بالممارسة لم ينخفض مع تولي الرئيس نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة، على الرغم من أنه يقاوم بصمت جميع المحاولات الرامية للالتفاف عليه، وينقل عن مرجع حكومي سابق قوله إن عون هو من أوصل البلد إلى حالة التأزُّم غير المسبوقة، وبالتالي لا يجوز له أن يقدم نفسه على أنه هو الحل، ويحاول أن يوحي بأنه وحده من يحكم البلد، كما برز في أثناء البحث بتشكيل الوفد الوزاري للتفاوض مع صندوق النقد.
وأكد أن عون لم يتمكن من إدخال الخبيرين الاقتصاديين المحسوبين عليه (شربل قرداحي ورفيق حداد) بصفتهم عضوين دائمين في لجنة التفاوض، وقال إنه يمكن الاستعانة بهما إذا اقتضت الحاجة إليهما أو إلى سواهما من الخبراء، من دون أن يشاركا في جميع الاجتماعات.



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).