سيلفي فارتان تُصدر أسطوانتها الخمسين

المغنية الفرنسية تعلن أن حياتها كانت رواية

سيلفي فارتان تُصدر أسطوانتها الخمسين
TT

سيلفي فارتان تُصدر أسطوانتها الخمسين

سيلفي فارتان تُصدر أسطوانتها الخمسين

... وهذه فنانة أخرى تؤكد أنْ لا شيخوخة في الفن ولا تقاعد. إنها المغنية الفرنسية سيلفي فارتان التي صدر لها في باريس، أمس، ألبومها الخمسون المسجل في استوديو بعنوان «شكراً للنظرة». وهي الأسطوانة رقم 66 إذا أخذنا في الاعتبار تلك الصادرة لها نقلاً عن حفلات وتسجيلات حية. وتستعد فارتان، البالغة من العمر 77 عاماً، لحفلين على مسرح إدوارد السابع، في 11 و12 من الشهر الجاري، تتبعهما جولة استعراضية في المدن الفرنسية لمشاركة جمهورها احتفالها بمرور ستة عقود على احترافها الغناء.
اشتهرت المغنية الأرمنية المولودة في بلغاريا بأنها كانت شريكة حياة نجم موسيقى الروك الفرنسي الراحل جوني هاليداي. وقد شكّلا ثنائياً ناجحاً في ستينات وسبعينات القرن الماضي وأثمر زواجهما ولداً هو ديفيد الذي يحترف الموسيقى، حالياً. وفي عام 1988 انفصل الزوجان ليتخذ كل منهما مساراً فنياً مختلفاً. وفي حين كانت حياة جوني سلسلة من المغامرات والعلاقات العاطفية فإن مسار سيلفي كان هادئاً مثل رواية رومانسية حيث ارتبطت طوال الفترة التالية بالمنتج طوني سكوت الذي أدار أعمالها وولدت منه ابنتها دارينا. أما أمنيتها فهي أن تصدر أسطوانتها الحادية والخمسين لتتعادل مع ما أنجزه حبيب عمرها جوني هاليداي خلال حياته.
جاءت أغنيات الأسطوانة عذبة وبألحان أقرب إلى الكلاسيكية التي تعتمد على البيانو الذي يرافقها فيه عازفها المعهود جيرار داغر، بالإضافة إلى الكمنجات والأكورديون والأبواق. أما الكلمات فتحمل الكثير من الشجن، تناولت فيها الحب والفراق وذكريات الطفولة. إنها الموضوعات التي اشتهرت بها منذ أن تعرف عليها الجمهور وهي في السابعة عشرة من عمرها، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف رغم أنها تركت فرنسا في فترة من الفترات لتقيم في الولايات المتحدة. وتشعر المغنية بالسعادة حين يناديها جمهورها باسم سيلفي من دون ألقاب. فهي قد نجحت في الحفاظ على طلة شبابية وحركات دؤوبة على المسرح وكأنها بنت عشرين عاماً. وبمناسبة جولتها الجديدة، أدلت بتصريحات قالت فيها إن عملها هو ما يحفظ لها حيويتها، وإنها تمنح كل طاقتها لحفلاتها التي تعدّها نقطة استناد تنقذها من آثار الزمن. لذلك فإنها ستواصل الوقوف على المسرح حتى اللحظة التي يخذلها فيها جسدها.
قرأت سيلفي الكتاب الذي خصصه لها الأخوان كازالو بعنوان «دوامة حياة» واستعادت مع صفحات الكتاب كل قطرات العرق التي بذلتها في سبيل فنها. وهي تعترف بأن أسطواناتها المسجلة لم تكن كلها من النوع الممتاز وأن حفلاتها أمام الجمهور أكثر نجاحاً. لهذا فإنها متحفزة للغناء على مسرح «إدوارد السابع» العريق الذي لم تقف عليه من قبل. وهو مسرح صغير يجعلها قريبة من المستمعين، عدا عن أنه لا يتسع لفرقة موسيقية كبيرة العدد. لذلك فإن أغلب الأغنيات ستكون بمصاحبة البيانو أو البوق والكمنجة فحسب، الأمر الذي يشكل امتحاناً لصوتها وقوة حنجرتها.
لا يمكن لسيلفي أن تدلي بمقابلة من دون أن يكون هناك سؤال عن جوني. لماذا انفرط عقدهما؟ تجيب: «عندما ينتهي الأمر فإنه ينتهي». وتضيف أن المحبة بينهما استمرت بعد الطلاق، وكان يزورها في منزلها في لوس أنجليس وارتبط بصداقة مع زوجها الثاني وكان هناك احترام متبادل. ولعل النقطة التي عجّلت بالانفصال كانت الكآبة التي عاناها نجم الروك بعد فشل تجربته السينمائية في فيلم «تيرمينوس». وبعد ارتباطها بطوني سكوت، أنتج هذا الأخير فيلماً عن معسكرات الموت في كمبوديا. وقد سافرا مع جوني وخطيبته آنذاك للتصوير في سيريلانكا، وكان الأربعة مثل عائلة واحدة.
لم يكن طوني في شهرة جوني. لكنّ سيلفي تعترف بفضله الكبير عليها وتقول إنه يحب البقاء في الظل ويجيد العمل من وراء الستار. فقد أنتج استعراضات مهمة في لاس فيغاس، منها حفلات لبربارا سترايسند، كما قام بالترويج لفرقة «آبا» في الولايات المتحدة. وهي قد تعرفت عليه في أثناء مهرجان في اليابان. وكان من الممكن أن يلتقيا قبل ذلك بعدة سنوات، حين عرض عليها المنتج والمخرج الأميركي داريل زانوك الانضمام إلى فريقه في عقد مدته سبع سنوات. وكان طوني سكوت من أعضاء الفريق. لكنها رفضت العرض لأنها لم تكن تود الغياب عن فرنسا طويلاً. ثم جمعهما القدر مجدداً فارتبطا، وهما معاً منذ 40 عاماً.
حين تنازع ورثة جوني، أي ولدهما ديفيد وابنته لورا من الممثلة ناتالي باي، على تركته ودخلا في قضايا ضد زوجته الأخيرة، حرصت سيلفي على أن تبقى بمنأى عن النزاع والمحاكم. وهي قد لا تكون مرتاحة لقرار طليقها بحصر إرثه بابنتيه بالتبني، لكنها سعيدة بأن كل الأطراف توصلت إلى اتفاق ودّي في النهاية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».