احتجاجات في مدن السودان دعماً للحكم المدني

متظاهرون في الخرطوم يحيون رفاقهم الواصلين على متن القطار من مدني أمس (أ.ف.ب)
متظاهرون في الخرطوم يحيون رفاقهم الواصلين على متن القطار من مدني أمس (أ.ف.ب)
TT

احتجاجات في مدن السودان دعماً للحكم المدني

متظاهرون في الخرطوم يحيون رفاقهم الواصلين على متن القطار من مدني أمس (أ.ف.ب)
متظاهرون في الخرطوم يحيون رفاقهم الواصلين على متن القطار من مدني أمس (أ.ف.ب)

عاد المتظاهرون إلى شوارع السودان مجدداً، لدعم الانتقال الديمقراطي والمكون المدني في الحكومة، وللضغط مجدداً من أجل إكمال هياكل الحكم الانتقالي و«تصحيح مسار الثورة» ومواصلة تطهير مؤسسات الدولة من أتباع نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وحماية «لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ومحاربة الفساد».
وخرج الآلاف في مناطق مختلفة في مواكب سلمية للتنديد بمحاولات أتباع الإسلاميين للعودة من جديد، ومحاولة الانقلاب على الثورة وأهدافها، وذلك بعد أيام من المحاولة الانقلابية الفاشلة التي أحبطت الأسبوع الماضي، واتهامات المكون العسكري للمكون المدني بـ«سرقة الثورة».
وتجمهر شبان في شارع الجمهورية وسط الخرطوم أمام مباني المجلس التشريعي السابق الذي تشغله «لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ومحاربة الفساد». ورددوا هتافات داعمة للجنة التي اعتبروها «قلب الثورة النابض»، معلنين رفضهم لقرارات المكون العسكري بسحب الحراسات الأمنية من مقار اللجنة والممتلكات العامة التي استردتها من أتباع النظام السابق.
وفور إعلان الموكب، أعلن ناشطون في مدينة عطبرة (شمال الخرطوم) عن تسيير قطار إلى العاصمة «لنصرة الثورة ولجنة التفكيك»، بيد أن محسوبين على نظام الرئيس المعزول خربوا خط السكك الحديد الرابط بين الخرطوم وعطبرة قرب مدينة شندي، للحيلولة دون وصول قطار الثوار. لكن السلطات سارعت إلى إصلاح عملية التخريب المرتبة، وانطلق القطار المحتشد بالمتظاهرين إلى الخرطوم، ليتأخر وصوله عن الموعد المضروب.
وعطبرة هي المدينة التي اشتعلت منها الثورة الشعبية في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018، وقدمت خلالها عدداً من الشهداء، لتعم الثورة أنحاء البلاد المختلفة، وكانت قد سيّرت قطاراً مماثلاً إبان الثورة، لدعم المحتجين في ميدان الاعتصام في أبريل (نيسان) 2019، وكان لقطار عطبرة دور حاسم في الثورة الشعبية.
ووصل الخرطوم قطار آخر من مدينة ود مدني (وسط) يحمل مئات المتظاهرين، للمشاركة في الوقفة التي دعت إليها «قوى إعلان الحرية والتغيير» التي تمثل المرجعية السياسية للحكومة الانتقالية، ولجان المقاومة الشعبية، ومنظمات المجتمع المدني، واستقبلها متظاهرو الخرطوم في محطة القطار، لتتجه المواكب إلى مبنى المجلس التشريعي لتحتشد أمامه، لدعم الانتقال والتحول الديمقراطي والمكون المدني.
وقال «تجمع المهنيين السودانيين»، وهو التنظيم الفئوي الذي قاد الثورة ضد نظام البشير، في بيان إن «الشعب أقوى والردة مستحيلة... كقوى تعمل لحماية الثورة مع جماهير الشعب السوداني ممثلة في أجسام مهنية ونقابية لضرورة إكمال مهام ثورة ديسمبر وتحقيق أهدافها، ندعو قوى الثورة الحية إلى الاصطفاف لبناء دولة الحقوق والمواطنة».
وانتقد البيان ما أطلق عليه «المحاولات البائسة لفلول النظام البائد، وبمباركة من قادة المجلس العسكري، ما هي إلا تمهيد لما هو آتٍ، ودق لناقوس خطر، وإفشال الفترة الانتقالية بأيدي المتربصين»، محملاً مكوني السلطة المدنيين والعسكريين المسؤولية عن «وضع الفترة الانتقالية على المحك، والابتعاد عن أهداف الثورة، والفشل في تحقيق إصلاح اقتصادي يكون هدفه تحسين الأوضاع المعيشية».
وقال المتظاهر محمد عبد الله لـ«الشرق الأوسط»: «عدنا إلى الشوارع مجدداً لحماية الانتقال والمدنية، بوجه من يريدون السطو على أهداف الثورة، ودعم لجنة إزالة التمكين باعتبارها أداة الثورة الفعالة بمواجهة نظام المعزول عمر البشير». وتابع: «نطالب بإكمال مؤسسات الحكم الانتقالي، بما فيها المجلس التشريعي، والمحكمة الدستورية، والمفوضيات التي نصت عليها الوثيقة الدستورية، وتعيين رئيس للقضاء ونائب عام، ودعم لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو».
ووجّه المحتج علي موسى رسالة إلى المكون العسكري، قائلاً: «هذا هو الشعب جاء ليرفض وصايتكم، كيف تكونون أوصياء على من يدفع لكم رواتبكم ومخصصاتكم؟ الشعب هو صاحب السلطات والوصاية المطلقة. قد نختلف وقد نعارض المكون المدني في الحكومة بل قد نسقطه، وفي تقديرنا هو ضعيف لكننا لن نقبل بوصاية من أي جهة كانت، حكومتنا ونحن أحرار فيها».
وتركزت هتافات الشارع على المدنية حول هتاف «مدنية... خيار الشعب»، إلى جانب مطالب أخرى تتراوح بين إكمال مؤسسات الانتقال ومحاكمة المدنيين على تفريطهم في ثورة الشعب، وتصل حد المطالبة بفض الشراكة بين المدنيين والعسكريين.
ولم تقتصر المواكب المؤيدة والداعمة للانتقال على الخرطوم وحدها، فقد خرجت مواكب تنادي بالمطالب نفسها، في عدد من مدن البلاد مثل بورتسودان والقضارف شرقاً إلى ود مدني في الوسط، وعطبرة في الشمال، وعدد آخر من مدن وأنحاء البلاد.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.