برهم صالح: العراق أمام نقطة تحول مهمة

السيستاني يدخل على خط الانتخابات البرلمانية ويدعو إلى قطع الطريق أمام الفاسدين

الرئيس العراقي برهم صالح (واع)
الرئيس العراقي برهم صالح (واع)
TT

برهم صالح: العراق أمام نقطة تحول مهمة

الرئيس العراقي برهم صالح (واع)
الرئيس العراقي برهم صالح (واع)

لا أحد في العراق يقول إنه فاسد أو مزور أو فاشل تم تجريبه عدة مرات ولم يحقق شيئا. الدليل على ذلك، أنه فور صدور بيان المرجع الديني الأعلى في العراق علي السيستاني مساء أول من أمس (الأربعاء) الذي دعا فيه الناس إلى المشاركة الواسعة في الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في العاشر من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي لقطع الطريق أمام الفاسدين ومنع وصولهم إلى البرلمان، حتى هبت جميع القوى والأحزاب والكتل والشخصيات إلى الترحيب بالبيان و«الالتزام ببنوده حرفياً». المرجعية الدينية كانت ألغت خطبة الجمعة المقررة أسبوعياً منذ نحو سنتين، والتي تتضمن توجيهات سياسية تعد بمثابة بوصلة أو خريطة طريق أحيانا. الأسباب التي دفعت المرجعية إلى ذلك منها ما هو معلن وهو تفشي جائحة كورونا، ومنها ما هو معروف لدى الجميع حتى وإن كان مسكوتاً عنه، وهو عدم رضا المرجعية الدينية الشيعية في النجف عن الطبقة السياسية، لا سيما من الأحزاب والقوى الشيعية.
وقد عبرت المرجعية عن ذلك بوضوح في إحدى خطبها آنذاك حين قال ممثل المرجع الأعلى في كربلاء عبد المهدي الكربلائي إنه «بح صوتنا» ولم يستمع أحد. يذكر أن السيستاني أغلق أبوابه أمام السياسيين العراقيين منذ عام 2015 إذ لم يستقبل أحداً منهم، في حين يستقبل زواراً أجانب يحرصون على زيارته حين يزورون العراق بدعوات رسمية. فالسيستاني التقى بابا الفاتيكان البابا فرنسيس حين زار العراق خلال شهر مارس (آذار) الماضي، ولم يحضر أي مسؤول عراقي. كما يستقبل بين آونة وأخرى ممثلة بعثة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، وكذلك استقبل العام الماضي وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان عندما زار العراق.
الجديد في موقف مرجعية النجف أنها قررت عودة خطبة الجمعة التي تتضمن موقفا سياسيا قبل أسبوعين من إجراء الانتخابات، الأمر الذي فسره الكثيرون على أنه بمثابة إعلان ضمني على دخول المرجعية خط الانتخابات، لجهة حث الناس على المشاركة الواسعة. وبينما لم يعرف أحد ما الذي سوف يصدر عن المرجعية اليوم (الجمعة) في أول خطبة بعد سنتين من الصمت، فإن البيان الصادر عنها مساء أمس الأربعاء قطع الشك باليقين بخصوص طبيعة موقفها من الانتخابات. فالسيستاني دعا إلى المشاركة الواسعة في الانتخابات، والتمييز عند تقييم المرشحين لها، مشدداً على أهمية أخذ العبر والدروس من التجارب الماضية. ولعل أهم ما عبر عنه بيان المرجعية هو أن المشاركة الواسعة في الانتخابات سوف تكون بمثابة قطع الطريق أمام الفاسدين للوصول ثانية إلى مواقع السلطة. ومما عبر عنه التأكيد على أن «المرجعية الدينية العليا تشجع الجميع على المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات القادمة، فإنها وإن كانت لا تخلو من بعض النواقص، ولكنها تبقى هي الطريق الأسلم للعبور بالبلد إلى مستقبل يرجى أن يكون أفضل مما مضى، وبها يتفادى خطر الوقوع في مهاوي الفوضى والانسداد السياسي»، وكذا في التشديد على أهمية أن «يعتبر الناخبون من التجارب الماضية ويعوا قيمة أصواتهم». كما دعا البيان المواطنين إلى «استغلال الفرصة المهمة لإحداث تغيير حقيقي في إدارة الدولة وإبعاد الأيادي الفاسدة وغير الكفوءة عن مفاصلها الرئيسية».
من جهته، أكد الرئيس العراقي برهم صالح أن الانتخابات التشريعية المقبلة سوف تمثل نقطة تحول وتمهد لمراجعة منظومة الحكم. وفيما أقر صالح باستخدام واسع للمال السياسي، فإنه أكد في لقاء متلفز «أننا عملنا على تهيئة مستلزمات الانتخابات»، مبيناً أن «العراق مر بظروف عصيبة والجميع يدرك ضرورة الإصلاح وأن المنظومة الحالية غير قادرة على توفير حياة حرة كريمة للعراقيين». وأشار إلى أن «انتخابات أكتوبر تمثل نقطة تحول في العراق وستكون حدثا مفصليا».
وبشأن البيان الصادر عن المرجعية الدينية في النجف، قال صالح في تغريدة له على «تويتر» إن التوجيهات الصادرة عن المرجعية تمثل «موقفا وطنيا حريصا وفي ظرف دقيق لحماية الوطن والانتصار للمواطن بضرورة ضمان الإرادة الحرة للعراقيين والمشاركة الواسعة من أجل إصلاح مكامن الخلل في منظومة الحكم».
وفي هذا السياق، أكد عضو البرلمان العراقي والمرشح الحالي للانتخابات حسين عرب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «دعوة المرجعية مثلت فارقا كبيرا في نسبة المشاركة يوم الانتخابات»، مبينا أن «هذه الدعوة تمنح أملا كبيرا للمستقلين وغير المتحزبين في أن تكون فرص فوزهم بالانتخابات أفضل بكثير، فضلا عن الذين كانت تجربتهم من وجهة نظر الناس ناجحة خلال الفترة الماضية». وأوضح عرب أن «هذه الدعوة سوف تغير المعادلة إلى حد كبير نظرا لما تتمتع به المرجعية من ثقل واحترام بين الناس».
أما رئيس المجلس الاستشاري العراقي فرهاد علاء الدين فقد أكد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «دعوة المرجعية إلى المشاركة الواسعة في الانتخابات تعتمد كليا على ردود أفعال الناس وانصياعهم للنداء»، مبينا أنه «إذا تم التشجيع على المشاركة فعندها سوف تكون حظوظ المرشحين المستقلين أفضل لأن المرجعية قالت لا تنتخبوا الفاسدين». وأضاف علاء الدين: «بالإضافة إلى ذلك، هناك إشارات واضحة بخصوص تفضيل مصلحة العراق وعدم التصويت لمن لا يضع العراق أولا فضلا عن الذين يعملون خارج نطاق الدستور».



اجتماع لبناني - سوري يبحث ملفات مشتركة ويخرق جمود العلاقات

الشرع وميقاتي (أ.ف.ب)
الشرع وميقاتي (أ.ف.ب)
TT

اجتماع لبناني - سوري يبحث ملفات مشتركة ويخرق جمود العلاقات

الشرع وميقاتي (أ.ف.ب)
الشرع وميقاتي (أ.ف.ب)

شهدت العاصمة السورية دمشق اجتماعاً رفيع المستوى بين رئيس الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، ورئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، الذي زارها على رأس وفد رفيع لبحث الملفات المشتركة، في أول تواصل رسمي بين البلدين، وأول زيارة لرئيس حكومة لبناني إلى سوريا منذ اندلاع الأزمة في عام 2011. وانتظر رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، انتخاب رئيس جديد للبنان قبل تلبية دعوة قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، لزيارة سوريا.

ميقاتي مغادراً بيروت (أ.ف.ب)

وعلى رأس وفد رسمي رفيع، وصل ميقاتي السبت إلى دمشق؛ حيث عقد مع الشرع مشاورات لحلحلة مجموعة من الملفات العالقة، خصوصاً بعد إشكالات واشتباكات حدودية بين الجيش اللبناني ومسلحين سوريين في الأسابيع الماضية، وكذلك بعد قرار الإدارة الجديدة في دمشق مطلع العام فرض قيود غير مسبوقة على اللبنانيين الذين يرغبون في الدخول إلى أراضيها، في إطار المعاملة بالمثل.

ملف النازحين

ووضع لبنان وسوريا خلال اللقاء هواجسهما على الطاولة. وقال ميقاتي خلال مؤتمر صحافي عقده مع الشرع: «تجمع بلدينا علاقات تاريخية وندية بين الشعبين، وسوريا هي البوابة الطبيعية للبنان إلى العالم العربي، وما دامت سوريا بخير فلبنان بخير».

وأضاف ميقاتي: «واجبنا أن نفعّل العلاقات على قاعدة الاحترام المتبادل، ومن الملح معالجة ملف النزوح وعودة النازحين إلى سوريا. هذا الملف يضغط بشكل كبير على لبنان برمته، ولمستُ تفهماً له، وتطرقنا إلى الوضع بين البلدين على الحدود لمنع أي أعمال تسيء إلى أمنيهما، وهذه الزيارة هي فاتحة خير، وما لمسته من السيد الشرع عن علاقة البلدين يجعلني مرتاحاً».

وعبّر ميقاتي عن ارتياحه لوضع سوريا، والعلاقات اللبنانية - السورية، مشدداً على أنه «على سلّم الأولويات الآن ترسيم الحدود مع سوريا، وهذا قد يأخذ بعض الوقت، ويجب ضبط الحدود ضبطاً كاملاً لوقف أي محاولة تهريب، وسنتعاون عبر تشكيل لجنة مشتركة لترسيم الحدود».

مصافحة بين الشرع وميقاتي على مرأى من أعضاء الوفدين (

التهريب والحدود

من جهته، قال الشرع: «نعطي فرصة لأنفسنا لنبني علاقات جدية قائمة على احترام البلدين وسيادة لبنان وسوريا التي ستقف على مسافة واحدة من الجميع، ونحاول أن نعالج كل المشكلات بالتفاصيل، وتحدثنا عن الودائع السورية في البنوك اللبنانية، والتهريب والحدود، واتفقنا على لجان مختصة تدرس الوضع». ولفت إلى أن «هناك كثيراً من الأمور العالقة، والملفات التي تحتاج إلى وقت لعلاجها، والأولوية الآن للوضع الداخلي وحصر السلاح بيد الدولة، وطمأنة الدول المجاورة، وعلى رأس ذلك موضوع الحدود».

وأضاف الشرع: «كان هناك شبه توافق في لبنان على الرئيس جوزيف عون، ونحن ندعم خيارات التوافق على صعيد الرئاسة وعلى أي صعيد»، مشيراً إلى أنه «ستكون هناك علاقات استراتيجية مع لبنان تُبنى على قواعد سليمة، ونبحث عن حلول هادئة لأي مشكلة».

وشارك في الاجتماع من الجانب اللبناني وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب، المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري، مدير المخابرات في الجيش العميد طوني قهوجي، ونائب المدير العام لأمن الدولة، العميد حسن شقير. وعن الجانب السوري شارك وزير الخارجية أسعد شيباني، ورئيس الاستخبارات أنس خطاب، ومدير مكتب الشرع علي كده.

عناق بين الشرع وميقاتي (أ.ف.ب)

عون في جو الزيارة

وأشار النائب في تكتل «الاعتدال الوطني» أحمد الخير إلى أن الزيارة تم بثها بعد الأحداث الأمنية التي شهدتها الحدود اللبنانية - السورية، وتُرك للرئيس ميقاتي تحديد توقيتها، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه فضّل حصولها بعد انتخاب رئيس للجمهورية لاستئذانه قبل الذهاب؛ لذلك فإن الرئيس عون في جو هذه الزيارة، ويُدرك تماماً أهميتها للبنان وسوريا على حد سواء.

واستغرب الخير حديث البعض عن أنه لا دولة في سوريا لإتمام هذه الزيارة، لافتاً إلى أن «المجتمعين العربي والدولي سارعا للانفتاح على سوريا الجديدة، واعترفا بالحكم الانتقالي هناك، فكيف، بالأحرى، نحن بصفتنا بلداً جاراً تجمعنا مصالح شتى»، وأضاف: «اليوم سوريا ولبنان عادا معاً إلى كنف الدولة والمؤسسات وإلى موقعيهما الطبيعي في الحضن العربي».