أحكام قضائية تعجز عن إطفاء حضور ساركوزي السياسي

الحكم بالسجن مجدداً على الرئيس اليميني الفرنسي الأسبق

ساركوزي بصفته رئيساً سابقاً للجمهورية ما زال يستشار في كل صغيرة وكبيرة من قبل النخبة السياسية بمن فيهم ماكرون نفسه (إ.ب.أ)
ساركوزي بصفته رئيساً سابقاً للجمهورية ما زال يستشار في كل صغيرة وكبيرة من قبل النخبة السياسية بمن فيهم ماكرون نفسه (إ.ب.أ)
TT

أحكام قضائية تعجز عن إطفاء حضور ساركوزي السياسي

ساركوزي بصفته رئيساً سابقاً للجمهورية ما زال يستشار في كل صغيرة وكبيرة من قبل النخبة السياسية بمن فيهم ماكرون نفسه (إ.ب.أ)
ساركوزي بصفته رئيساً سابقاً للجمهورية ما زال يستشار في كل صغيرة وكبيرة من قبل النخبة السياسية بمن فيهم ماكرون نفسه (إ.ب.أ)

لم يسبق لرئيس فرنسي، منذ انطلاقة الجمهورية الخامسة في أواسط القرن الماضي على يدي الجنرال شارل ديغول، أن عرف هذا الكم من الفضائح التي عرفها الرئيس اليميني الأسبق نيكولا ساركوزي. وصدر أمس بحقه حكم بالسجن لمدة عام واحد في القضية المعروفة باسم «بيغماليون»؛ وهي المرة الثانية التي يصدر فيها حكم بالسجن بحقه. ويتخطى حكم أمس ما طلبه الادعاء سابقاً الذي طلب سنة سجناً منها 6 أشهر مع وقف التنفيذ. وكما في المرة السابقة، فقد منحت المحكمة الرئيس الأسبق إمكانية تنفيذ عقوبة السجن الجديدة في المنزل وفق الشروط المشار إليها في الحكم السابق. وكما كان متوقعاً، فقد سارع محامي ساركوزي مباشرة بعد الحكم إلى الإعلان أن موكله يطلب استئناف الحكم؛ مما يعني وقف تنفيذه بانتظار محاكمة مقبلة.
إذن؛ أمس، كان ساركوزي على موعد مع حكم جديد في قضية قديمة تتناول مصاريف حملته الانتخابية لعام 2012.
يذكر هنا أن دعوى أخرى ليست أقل خطورة تنتظر ساركوزي وتتناول حصوله على تمويل من نظام العقيد الراحل معمر القذافي من أجل حملته الرئاسية الأولى عام 2007 التي أوصلته إلى رئاسة الجمهورية. وقلائل هم الذين يعتقدون أن الحقيقة المجردة ستظهر يوماً ما بشأن هذه القضية بالغة التعقيد التي لا يتردد بعض المتابعين لها في الربط بين الدور الذي لعبه الرئيس ساركوزي عام 2011 في الدفع باتجاه التدخل العسكري الغربي في ليبيا وإسقاط نظام القذافي، وبين ملف التمويل غير المشروع الذي يحرّمه القانون الفرنسي.
تعرف القضية التي صدرت الأحكام بخصوصها أمس بـ«ملف بيغماليون». و«بيغماليون»؛ في الأساطير اليونانية، كان نحاتاً بارعاً وأبدع تمثالاً لامرأة، ونظراً لجمال وروعة ما أبدعه، فقد وقع في حب التمثال الحجري. ولذا، فقد تضرع لإلهة الحب «أفروديت» التي نفحت الحياة في منحوتته. لكن «بيغماليون» ساركوزي ليست لها علاقة بالنحت أو الحب؛ بل هي ببساطة قصة التفاف ساركوزي والمسؤولين عن حملته الانتخابية على القوانين الفرنسية النافذة في تمويل الحملات الرئاسية. وينص القانون على أنه يتعين أن يبقى تحت سقف 22 مليون يورو. والحال أن مصاريف حملة ساركوزي بلغت 42.8 مليون يورو. ومن أجل إخفاء هذه المخالفة الخطيرة التي يرى القضاء أنها تقضي على مبدأ المساواة في التمويل بين المرشحين، فقد عمد مسؤولو حملته إلى عملية احتيالية؛ إذ حرروا فواتير وهمية لمصاريف خاصة بحزب ساركوزي «الجمهوريون».
اللافت حتى اليوم أن ساركوزي، رغم الكم الكبير من الفضائح ورغم أنه أول رئيس للجمهورية يحكم عليه بالسجن الفعلي رغم تمكينه من الاستبدال به الحجر المنزلي وحمل سوار إلكتروني، ما زال ينظر إليه على أنه الشخصية المؤثرة؛ لا بل الحاسمة، بالنسبة لليمين الفرنسي الكلاسيكي. ساركوزي؛ الذي يشغل مكاتب فارهة في «الدائرة الثامنة» بباريس تتحمل الدولة نفقاتها مدى الحياة مع توفير سكرتارية وسائقين ومرتب تقاعدي مرتفع للغاية لأنه رئيس سابق للجمهورية، يستشار في كل صغيرة وكبيرة. وبالنظر لاقتراب الحملة الانتخابية الرئاسية ربيع العام المقبل، فإن الشخصيات الساعية للحصول على ترشيح حزب «الجمهوريون» تتدافع على بابه طلباً لدعمه وتأييده. ويرى محاربو اليمين الموجود في المعارضة منذ عام 2012 أن ساركوزي يبقى المرجعية الرئيسية والشخصية الطاغية بسبب ما حققه في السابق. وأكثر من مرة، أكد الأخير أنه ترك السياسة. وثمة من يؤكد أن ماكرون شخصياً لا يتردد في استشارة ساركوزي في المسائل الرئيسية.
بدأ نجم ساركوزي بالسطوع عندما نجح في الوصول إلى رئاسة بلدية مدينة نويي البورجوازية الواقعة على مدخل باريس الغربي وهو دون الثلاثين من العمر. وتقرب ساركوزي من محيط عائلة الرئيس الأسبق جاك شيراك الذي هيمن على اليمين الفرنسي من خلال حزبه «التجمع من أجل الجمهورية» منذ أوائل السبعينات وحتى خروجه من «قصر الإليزيه»، بعد ولايتين انتهتا في عام 2007، ليخلفه ساركوزي في ولاية واحدة من 5 سنوات. إلا إن العلاقة بين شيراك وساركوزي ساءت أوائل التسعينات عندما اصطف ساركوزي وراء المرشح إدوار بالادور الذي زكاه شيراك لرئاسة الحكومة بديلاً له، في أول «مساكنة» بين رئيس اشتراكي (فرنسوا ميتران) وحكومة يمينية. بيد أن استطلاعات الرأي وقتها بينت أن حظوظ بالادور كبيرة جداً في الوصول إلى الرئاسة، وأنها يتفوق على حظوظ شيراك. ورغم أن بين الرجلين صداقة تفوق 30 عاماً، لم يتردد بالادور في الترشح ضد شيراك وحظي بدعم ساركوزي الذي كان يشغل وقتها وزارة للمالية. وجاءت النتيجة مخالفة لتوقعات استطلاعات الرأي، ووجد ساركوزي نفسه معزولاً. لكن في ولاية شيراك الثانية، استدعي مجدداً إلى الحكومة وأعطي وزارة الداخلية؛ وهي منصب بالغ الحساسية ويوفر لصحبه قدرة على التأثير استغلها ساركوزي لإبراز حزمه في المسائل الأمنية وفي مواضيع الهجرات والإسلام.
يذكر أن ساركوزي المشهور بديناميكيته وحركيته الدائمة، لعب دوراً بارزاً في مواجهة الأزمة المالية الحادة التي ضربت عام 2008. كذلك نجح في إدخال الدفع للتصديق على «اتفاقية ماستريخت» الأوروبية، وأطلق «الاتحاد من أجل المتوسط»، ودفع بالرئيس السوري بشار الأسد للاعتراف رسمياً بلبنان وإقامة علاقات دبلوماسية بين دمشق وبيروت. وكان ساركوزي أول رئيس للجمهورية يعمد إلى الطلاق خلال رئاسته والزواج للمرة الثالثة. وطيلة 5 سنوات، أعطى الرئيس الأسبق صورة لم يحبها الفرنسيون؛ وهي الظهور المتمادي؛ إن في الصحافة الشعبية، أو رفقة كبار الأثرياء ولديه أصدقاء كثر بينهم... وكانت صدمته الكبرى أنه خسر الانتخابات في وجه منافسه المرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند الذي كان ينظر إليه بكثير من الاستعلاء.
وبعد خروجه من «الإليزيه»؛ أدمن ساركوزي إلقاء محاضرات مدفوعة الثمن حول العلاقات الدولية، متنقلاً بين العواصم والقارات، كما دخل إلى مجالس إدارات شركات دولية، وأصدر مجموعة كتب لاقت رواجاً ملحوظاً.



الأمم المتحدة تسعى لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص في 2025

فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
TT

الأمم المتحدة تسعى لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص في 2025

فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)

أطلق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، الأربعاء، نداء لجمع أكثر من 47 مليار دولار، لتوفير المساعدات الضرورية لنحو 190 مليون شخص خلال عام 2025، في وقتٍ تتنامى فيه الحاجات بسبب النزاعات والتغير المناخي.

وقال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر، مع إطلاق تقرير «اللمحة العامة عن العمل الإنساني لعام 2025»، إن الفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك الأطفال والنساء والأشخاص ذوو الإعاقة والفقراء، يدفعون الثمن الأعلى «في عالم مشتعل».

سودانيون فارُّون من المعارك بمنطقة الجزيرة في مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

وفي ظل النزاعات الدامية التي تشهدها مناطق عدة في العالم؛ خصوصاً غزة والسودان وأوكرانيا، والكلفة المتزايدة للتغير المناخي وظروف الطقس الحادة، تُقدِّر الأمم المتحدة أن 305 ملايين شخص في العالم سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية، العام المقبل.

أطفال يحملون أواني معدنية ويتزاحمون للحصول على الطعام من مطبخ يتبع الأعمال الخيرية في خان يونس بقطاع غزة (إ.ب.أ)

وأوضح «أوتشا»، في تقريره، أن التمويل المطلوب سيساعد الأمم المتحدة وشركاءها على دعم الناس في 33 دولة و9 مناطق تستضيف اللاجئين.

وقال فليتشر: «نتعامل حالياً مع أزمات متعددة... والفئات الأكثر ضعفاً في العالم هم الذين يدفعون الثمن»، مشيراً إلى أن اتساع الهوة على صعيد المساواة، إضافة إلى تداعيات النزاعات والتغير المناخي، كل ذلك أسهم في تشكُّل «عاصفة متكاملة» من الحاجات.

ويتعلق النداء بطلب جمع 47.4 مليار دولار لوكالات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية لسنة 2025، وهو أقل بقليل من نداء عام 2024.

وأقر المسؤول الأممي، الذي تولى منصبه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الأمم المتحدة وشركاءها لن يكون في مقدورهم توفير الدعم لكل المحتاجين.

أم أوكرانية تعانق ابنها بعد عودته من روسيا... الصورة في كييف يوم 8 أبريل 2023 (رويترز)

وأوضح: «ثمة 115 مليون شخص لن نتمكن من الوصول إليهم»، وفق هذه الخطة، مؤكداً أنه يشعر «بالعار والخوف والأمل» مع إطلاق تقرير «اللمحة العامة»، للمرة الأولى من توليه منصبه.

وعَدَّ أن كل رقم في التقرير «يمثل حياة محطمة» بسبب النزاعات والمناخ «وتفكك أنظمتنا للتضامن الدولي».

وخفضت الأمم المتحدة مناشدتها لعام 2024 إلى 46 مليار دولار، من 56 ملياراً في العام السابق، مع تراجع إقبال المانحين على تقديم الأموال، لكنها لم تجمع إلا 43 في المائة من المبلغ المطلوب، وهي واحدة من أسوأ المعدلات في التاريخ. وقدمت واشنطن أكثر من 10 مليارات دولار؛ أي نحو نصف الأموال التي تلقتها. وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن عمال الإغاثة اضطروا لاتخاذ خيارات صعبة، فخفّضوا المساعدات الغذائية 80 في المائة في سوريا، وخدمات المياه في اليمن المعرَّض للكوليرا. والمساعدات ليست سوى جزء واحد من إجمالي إنفاق الأمم المتحدة، التي لم تفلح لسنوات في تلبية احتياجات ميزانيتها الأساسية بسبب عدم سداد الدول مستحقاتها. وعلى الرغم من وقف الرئيس المنتخب دونالد ترمب بعض الإنفاق في إطار الأمم المتحدة، خلال ولايته الرئاسية الأولى، فإنه ترك ميزانيات المساعدات في الأمم المتحدة بلا تخفيض. لكن مسؤولين ودبلوماسيين يتوقعون تقليل الإنفاق في ولايته الجديدة، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

من جانبه، قال يان إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين: «الولايات المتحدة علامة استفهام كبيرة... أخشى أننا ربما نتعرض لخيبة أمل مريرة؛ لأن المزاج العام العالمي والتطورات السياسية داخل الدول ليست في مصلحتنا». وكان إيغلاند قد تولّى منصب فليتشر نفسه من 2003 إلى 2006. والمشروع 2025، وهو مجموعة من المقترحات المثيرة للجدل التي وضعها بعض مستشاري ترمب، يستهدف «الزيادات المسرفة في الموازنة» من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. ولم تردَّ الإدارة التي يشكلها ترامب على طلب للتعليق. وأشار فليتشر إلى «انحلال أنظمتنا للتضامن الدولي»، ودعا إلى توسيع قاعدة المانحين. وعند سؤال فليتشر عن تأثير ترمب، أجاب: «لا أعتقد أنه لا توجد شفقة لدى هذه الحكومات المنتخبة». ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن أحد التحديات هو استمرار الأزمات لفترة أطول تبلغ عشر سنوات في المتوسط. وقال مايك رايان، المدير التنفيذي لبرنامج منظمة الصحة العالمية للطوارئ الصحية، إن بعض الدول تدخل في «حالة أزمة دائمة». وحلّت المفوضية الأوروبية، الهيئة التنفيذية في الاتحاد الأوروبي، وألمانيا في المركزين الثاني والثالث لأكبر المانحين لميزانيات الأمم المتحدة للمساعدات، هذا العام. وقالت شارلوت سلينتي، الأمين العام لمجلس اللاجئين الدنماركي، إن إسهامات أوروبا محل شك أيضاً في ظل تحويل التمويل إلى الدفاع. وأضافت: «إنه عالم أكثر هشاشة وعدم قابلية على التنبؤ (مما كان عليه في ولاية ترمب الأولى)، مع وجود أزمات أكثر، وإذا كانت إدارة الولايات المتحدة ستُخفض تمويلها الإنساني، فقد يكون سد فجوة الاحتياجات المتنامية أكثر تعقيداً».