تأخّر «البطاقة التمويلية» يهدد عيش آلاف العائلات اللبنانية

TT

تأخّر «البطاقة التمويلية» يهدد عيش آلاف العائلات اللبنانية

تنتظر سعاد مخايل (65 عاماً) بفارغ الصبر الإعلان عن توزيع البطاقة التمويلية التي وعدت بها الحكومة السابقة لمساعدة العائلات الأكثر فقراً للصمود بوجه الغلاء المستشري نتيجة انهيار سعر صرف الليرة.
سعاد تعتمد حصراً على ابنها الوحيد الذي يعمل كسائق أجرة لتأمين مصاريف المنزل الذي تسكن فيه في منطقة برج حمود في جبل لبنان. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «مع الارتفاع الجنوني بأسعار المحروقات لم يعد هناك أي مردود يذكر من العمل على سيارة أجرة. ابني يبحث عن عمل جديد لذلك نحن اليوم بأمسّ الحاجة للمبلغ الشهري الذي تؤمنه البطاقة التي قيل لنا إنها ستوزع بالتزامن مع رفع الدعم. فإذا بهم يرفعون الدعم ولم يوزعوا علينا البطاقات».
وكانت الحكومة السابقة أعلنت في التاسع من الشهر الجاري عن إطلاق البطاقة التمويلية لدعم العائلات الأكثر فقراً بعد أشهر من الدرس لتستفيد منها حوالي 500 ألف أسرة لبنانية.
ومن المفترض أن يخصص مبلغ 25 دولاراً أميركياً لكل فرد يحصل عليه شهرياً ولمدة عام، علماً بأنه كان يتوجب إطلاق العمل بالمنصة لتقديم الطلبات للحصول على البطاقة التمويلية بين 15 سبتمبر (أيلول) الحالي إلى 15 أكتوبر (تشرين الأول).
وتجري اللجنة الوزارية التي انبثقت عن الحكومة الجديدة «إعادة قراءة» لمشروع اللجنة السابقة للتأكّد من المعايير وآليات العمل قبل الانتقال للمرحلة التطبيقية. وقالت مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» إن تمويل البطاقة يحتاج مبلغاً يقارب 500 مليون دولار على أن يتم تخصيص 250 مليون دولار من مبلغ 1.135 مليار دولار الذي حصل عليه لبنان منتصف الشهر بدل حقوق السحب الخاصة من البنك الدولي وتأمين الـ250 مليوناً المتبقية من قرض من البنك الدولي أيضاً.
وأوضح عضو تكتل «لبنان القوي» النائب آلان عون أن البطاقة التمويلية ما زالت في طور التسلم والتسليم بين الحكومة السابقة التي أقرّت آليتها قبل رحيلها والحكومة الجديدة التي ما زالت في مرحلة استكشاف ودراسة ملفاتها، لافتاً إلى أن «المهلة ليست مفتوحة لأن الموضوع ملحّ وقد دعت لجنة الاقتصاد في مجلس النواب إلى جلسة نهار الخميس لمساءلة الوزراء المختصين حول ما آلت إليه تلك البطاقة».
وقال عون لـ«الشرق الأوسط» إن «منصة impact جاهزة وهي عملت بنجاح في مسألة تلقيح اللبنانيين وتم تطويرها للتعامل مع طلبات البطاقة التمويلية. ولكن أثيرت من قبل البعض إشكالية مكان تخزين المعلومات وهذا ما كان يخضع للنقاش مؤخراً». وأقر عون بأن المبلغ الذي سيستفيد منه من سيحصلون على البطاقة «غير كافٍ لأن القدرة الشرائية انهارت بشكل أكبر منذ إقرار القرض ووضع معاييره»، معتبراً أنه يجب أن يكون مضاعفاً بالحد الأدنى.
وعن احتمال تحول البطاقة التمويلية لبطاقة انتخابية تستخدم لحث الناخبين على التصويت لفريق سياسي معين، قال عون: «لا يمكن تبرئة أحد مسبقاً من نية التسييس والحلّ هو زيادة الشفافية وتطويق سبل الاستغلال السياسي من خلال الآلية المعتمدة للتسجيل وقبول الطلبات والتأكد من أهليتها. البطاقة التمويلية يجب أن تكون تحت المجهر الداخلي بالإضافة إلى كونها تحت مجهر البنك الدولي في الشقّ المتعلق به».
ويهدد تأخر توزيع البطاقة التمويلية مصير آلاف العائلات باعتبار أن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا «الإسكوا» أعلنت مطلع الشهر الحالي أن نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد في لبنان بلغت 82 في المائة من السكان في عام 2021، بعدما كانت تبلغ في العام الماضي 55 في المائة من السكان.
ولفت عضو لجنة الاقتصاد والصناعة والتخطيط النيابية علي درويش إلى أن اللجنة الوزارية المعنية تدقق ببعض الأمور العالقة سواء تقنيا أو بموضوع التمويل كما بالآلية التي تحدد المستفيدين من البطاقة التمويلية، متوقعاً أن تنهي عملها خلال فترة زمنية قصيرة. وشدد درويش في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «البطاقة تشكل حلاً مؤقتاً لفترة محددة لتغطية فارق الأسعار، أما الخروج من الأزمة فلا يكون إلا من خلال سلوك منحى اقتصادي منتظم بحيث لا غنى عن إعادة النهوض بالقطاعات المنتجة وترسيخ لبنان بلداً منتجاً».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.