إردوغان يلوح لأميركا بشراء دفعة ثانية من «إس 400» الروسية

المعارضة التركية انتقدت «ازدواجية خطابه» تجاه الولايات المتحدة

إردوغان
إردوغان
TT

إردوغان يلوح لأميركا بشراء دفعة ثانية من «إس 400» الروسية

إردوغان
إردوغان

استبق الرئيس التركي رجب طيب إردوغان زيارته المرتقبة لروسيا ولقاءه الرئيس فلاديمير بوتين في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود يوم الأربعاء المقبل بالحديث عن خطط تركية للمضي قدما في شراء مزيد من أنظمة الدفاع الجوي الروسية «إس 400» التي تثير علاقات متوترة مع الولايات المتحدة.
وعلى مدى الأيام القليلة الماضية تكررت تصريحات إردوغان حول الموضوع بصورة لافتة، إذ تحدث إلى صحافيين أتراك مرافقين له في نيويورك خلال اجتماعات الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤكدا أن تركيا لن تتراجع خطوة واحدة بشأن اقتناء المنظومة الروسية، وأنها في حال لم تستطع الحصول على احتياجاتها من حلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) فمن الطبيعي أن تحصل عليها من جهات أخرى.
وفي تصريحات أدلي بها إلى شبكة «سي بي إس» الأميركية، بثتها أمس، أكد إردوغان، عزم بلاده المضي قدما في شراء أنظمة الصواريخ الروسية «إس 400» الصاروخية من روسيا، مشددا على أن «أحدا لن يتدخل في اختيار أنواع الأنظمة الدفاعية التي نشتريها». وأضاف: «لقد شرحت كل شيء للرئيس (الأميركي جو) بايدن». وأشار إلى أن رفض الولايات المتحدة بيع منظومة «باتريوت» لتركيا دفع حكومته إلى شراء المنظومات الروسية الصنع كبديل. وقال: «أنت لا تعطيني باتريوت، وقد أحصل على أنظمة دفاعية من دول أخرى. لا أحد يستطيع التدخل في هذا». وتابع إردوغان: «لن يتمكن أحد في المستقبل أن يتدخل فيما يتعلق بنوع الأنظمة الدفاعية التي نحصل عليها، ومن أي دولة، وعلى أي مستوى... على تركيا أن تقرر أنظمة دفاعها بنفسها».
وأشار الرئيس التركي إلى أن بلاده لم تمنح خيار شراء صواريخ باتريوت أميركية الصنع، وأن الولايات المتحدة لم تسلم طائرات الشبح (إف 35) رغم دفع 1.4 مليار دولار، وعلى الولايات المتحدة أن تجد حلا لهذه المسألة. ورأى مراقبون أن تكثيف إردوغان الشديد على قضية «إس 400»، واحتمالات المضي في اقتنائها، يعد بمثابة رسالة إلى روسيا الغاضبة من مواقف أنقرة في القرم وسوريا، قبل لقائه المرتقب مع بوتين في سوتشي، والذي قال إردوغان إنه سيركز على التطورات في إدلب والوضع في سوريا، إضافة إلى العلاقات الثنائية وإنه سيعقد لقاء مع بوتين لن يحضره أي شخص آخر، قبل اجتماع وفدي البلدين، وسيكون هذا اللقاء مفيدا جدا للعلاقات بين أنقرة وموسكو.
والأسبوع الماضي، أعلنت موسكو أنها لن تدع إعلان تركيا رفضها انتخابات مجلس الدوما (النواب) الروسي في شبه جزيرة القرم يمر دون رد. وأن تركيا تعتبر القرم جزءا منها.
ومنذ إعلان روسيا ضم القرم عبر الاستفتاء عام 2014 وخروجها من سيطرة أوكرانيا، أعلنت تركيا اعتراضها وانحيازها إلى أوكرانيا ووسعت تعاونها العسكري معها، ما أغضب روسيا التي لجأ إردوغان إلى «تحالف تكتيكي» معها في ظل توتر العلاقات مع الولايات المتحدة، الذي تعمق بقوة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016، والاتهامات التركية للولايات المتحدة بدعمها وبحماية الداعية التركي فتح الله غولن، المقيم في بنسلفانيا منذ العام 1999، والذي كان حليفا وثيقا لإردوغان قبل أن تنقلب العلاقة بينهما إلى عداء منذ أواخر العام 2013 بسبب تحقيقات الفساد والرشوة الكبرى التي طالت وزراء في حكومة إردوغان وبيروقراطيين ورجال أعمال مقربين، بل امتدت لتطوله وعائلته، والتي أغلقها وقام بمعاقبة مدعي العموم والقيادات الأمنية المشاركة فيها، بدعوى أنهم من أعوان غولن وأنها كانت محاولة من «حركة الخدمة» التابعة للداعية التركي السبعيني لإطاحة حكومته.
وقضية اقتناء تركيا منظومة «إس 400» الروسية، تعد الأبرز بين ملفات شائكة تعترض تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، منها الدعم الأميركي للمقاتلين الأكراد في سوريا الذين تعتبرهم تركيا «إرهابيين»، بينما تعتبرهم الولايات المتحدة الحليف الأقوى في الحرب على «داعش» في سوريا، فضلا عن استمرار الإقامة الأميركية لغولن ورفض الإدارات المتعاقبة منذ إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما تسليمه بسبب عدم تقديم تركيا أدلة دامغة إلى القضاء الأميركي تثبت صحة ادعائها بوقوفه وراء محاولة الانقلاب الفاشلة. ويضاف ذلك إلى قضايا أخرى أهمها سجل تركيا في قمع الديمقراطية وحقوق الإنسان، من وجهة نظر واشنطن.
واتهم إردوغان إدارة بايدن بدعم وحدات حماية الشعب الكردية، التي يعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني في سوريا، بالسلاح والمعدات العسكرية المتطورة والذخيرة، مشيرا أيضاً إلى أن الأسلحة الموجودة لدى طالبان في أفغانستان هي أسلحة أميركية، رغم سعيه للحوار مع طالبان.
تصريحات إردوغان واتهاماته لبادين بالدعم غير المسبوق دفعت المعارضة التركية إلى اتهامه بالازدواجية، بعد فشله في لقاء الرئيس الأميركي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وعدم الاستجابة لطلبه بعقد اللقاء.
وانتقد المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، فائق أوزتراك، تناقض إردوغان وتصريحاته حول الولايات المتحدة ورئيسها، في غضون 3 أيام فقط، قائلا إنه بعد أن امتدح إردوغان علاقاته مع بايدن في 21 سبتمبر (أيلول) في تصريحات، تغير موقفه تماما أثناء عودته بعد 3 أيام عقب حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهاجم بايدن والولايات المتحدة.
وقال أوزتراك: «لم تدمر حكومة إردوغان اقتصادنا فحسب، بل أعاقت سياستنا الخارجية… لقد أنهت الحكومة سياستها الخارجية ووصلت إلى ذروة الكسل… في خطابه في مجلس الأعمال التركي في الولايات المتحدة، كان إردوغان يصف رئيس الولايات المتحدة بـ«صديقي العزيز بايدن» ويعلن عن إرادة مشتركة بينهما، لكن على ما يبدو، عندما التقى بايدن رؤساء الوزراء العراقي والأسترالي والبريطاني، ولم يلتق إردوغان، غضب الأخير، وبدل تصريحاته عقب العودة لتركيا».
وأضاف أوزتراك: «يا سيد (إردوغان) احم المصالح الاستراتيجية لبلدنا. اجمع أموال طائرات «إف 35» التي لم نستطع الحصول عليها من الولايات المتحدة، 1.4 مليار دولار ليس بالقليل من المال اليوم».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟