فرض ضرائب على صناع المحتوى الإلكتروني يثير جدلاً في مصر

نقاش محتدم وترقب للرسوم المستحقة على «البلوغرز» و«اليوتيوبرز»

أحمد الغندور الشهير بـ«الدحيح» أحد أشهر صناع المحتوى الرقمي في مصر
أحمد الغندور الشهير بـ«الدحيح» أحد أشهر صناع المحتوى الرقمي في مصر
TT

فرض ضرائب على صناع المحتوى الإلكتروني يثير جدلاً في مصر

أحمد الغندور الشهير بـ«الدحيح» أحد أشهر صناع المحتوى الرقمي في مصر
أحمد الغندور الشهير بـ«الدحيح» أحد أشهر صناع المحتوى الرقمي في مصر

رغم تجارب الكثير من الدول في تحصيل الضرائب من صانعي المحتوى الرقمي، وسبق مصر في هذا المجال، فإن طلب مصلحة الضرائب المصرية من «البلوغرز» و«اليوتيوبرز»، التوجه إلى مكاتبها لفتح ملفات ضريبية لهم، أثار الكثير من الجدل والتساؤلات، لا سيما مع عدم تحديد الرسوم المستحقة، وعدم إطلاق تعريفات دقيقة للفئات المستهدفة من تحصيل الضرائب بحسب متابعين.
وطالبت مصلحة الضرائب المصرية أول من أمس، في بيان لها، المؤثرين الذين تبلغ إيراداتهم 500 ألف جنيه (الدولار الأميركي يعادل 15.7 جنيه مصري) خلال 12 شهراً من تاريخ مزاولة النشاط، بالتسجيل في مأمورية القيمة المضافة المختصة، ودعتهم للتوجه إلى مقر وحدة التجارة الإلكترونية في المصلحة إذا كان لديهم استفسارات.
ولم توضح مصلحة الضرائب قيمة الرسوم التي ينبغي على صناع المحتوى سدادها أو الآلية التي سيتم بموجبها تحصيلها، وهو ما يعتبره خالد البرماوي، خبير الإعلام الرقمي، «أمراً يثير التساؤلات ويحتاج إلى توضيح دقيق».
ويرى البرماوي أنّ «فرض ضرائب على صناع المحتوى المصريين الذين يحققون أرباحاً ضخمة، خطوة مهمة وضرورية وعادلة، وموجودة في الكثير من دول العالم»، ويضيف لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «المعضلة الأساسية تكمن في كيفية تطبيق هذا الإجراء خلال الفترة المقبلة، خصوصاً مع تحديد المصلحة في بيانها لـ(البلوغر) أو المدونين، رغم أنّ الكثير من المدونين لا يصنعون محتوى على (يوتيوب) ولا يتربحون منه، لذلك فإن البيان يضم الكثير من التعريفات غير الواضحة للفئات المستهدفة لدفع الضرائب، وكيفية حسابها»، مشيراً إلى أنّ «ضريبة القيمة المضافة التي تناولها البيان، تحتاج كذلك إلى شرح جيد وتوضيح لأنه من المتعارف عليه أن مستهلك الخدمات والمنتجات هو الذي يدفع هذه القيمة، فكيف سيحصل أصحاب قنوات اليوتيوب هذه الضريبة من المشاهدين، وكيف ستحتسبها مصلحة الضرائب المصرية، هل ستتعامل معها على أنّها ضمن ضريبة الدخل المرتبطة بأصحاب المهن الحرة، التي تتسم بأنّها متغيرة وغير ثابتة».
وتسعى وزارة المالية المصرية لتحصيل نحو 983 مليار جنيه مصري من الضرائب بموازنة العالم المالي (2021 - 2022) حسب بيانات الوزارة.
وفي شهر مارس (آذار) الماضي، أثير جدل مماثل في المغرب حول دراسة فرض ضرائب على المحتوى الرقمي، إذ أكد خبراء صعوبة تحصيل الضرائب من المؤثرين المغاربة لأن معظمهم يقيم خارج البلاد بجانب عدم توافر أرقام وطرق للتدقيق في الأرباح التي يتم تحصيلها.
وأعلن موقع «يوتيوب» في مطلع العام الحالي، اعتزامه اقتطاع ضرائب محددة من منتجي المحتوى على منصته في الولايات المتحدة، خلال الأشهر المقبلة، وطالب «يوتيوب» رواده من أصحاب القنوات تقديم معلوماتهم المالية والضريبية، في إجراء يهدف لتسهيل عملية الاقتطاع الضريبي وتنظيمها، محذراً أصحاب القنوات من اقتطاع ما يصل إلى 24 في المائة من مجمل أرباحهم حول العالم في حالة عدم تقديم معلوماتهم الضريبية.
ويرى خبراء تسويق إلكتروني أنّ المؤثرين باتوا يلعبون أدواراً قوية في التأثير على قرارات الشراء من قبل المستهلكين الشباب الذي لا يفضلون وسائل الدعاية التقليدية عبر الصحف والقنوات التلفزيونية.
وحاولت وزارة السياحة والآثار المصرية خلال الأشهر الماضية الاستفادة من شهرة بعض المدونين والمؤثرين العرب للترويج السياحي لمصر، ونظمت لهم رحلات ميدانية لتصوير بعض المعالم الأثرية.
وحسب تقرير سابق لشركة «إل تو» الأميركية للتسويق بالتعاون مع وكالة تسويق المؤثرين «ميدياكيكس»، «فإنّ حجم سوق التسويق عبر المؤثرين على موقع (إنستغرام) بلغ نحو مليار دولار أميركي في عام 2017.
واقتنص مؤثرو مواقع التواصل الاجتماعي المقاعد الأبرز في القائمة السنوية لمجلة «فوربس» العالمية عن منطقة الشرق الأوسط، والمعروفة باسم «30 under 30»، وذلك بـ7 شباب كان لهم وجود بارز خلال عام 2021.
وأوضحت المجلة على موقعها الرسمي أنّ هؤلاء المؤثرين يقدمون محتوى يشمل السياسة والصحة والتعليم، فضلاً عن الخدمات الاجتماعية، وهو ما يقدم مفهوماً جديداً لمصطلح المؤثر أو «الإنفلونسير»، ربما يعد بتحولات صنعها الوباء وصادق عليها رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
وتقدم بعض قنوات «اليوتيوبر» المصريين محتوى ترفيهياً أو تعليمياً، بجانب محتوى آخر يروي التجارب الحياتية، وتفاصيل الحياة اليومية البسيطة داخل البيوت المصرية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».