ميقاتي يعيد لبنان للخريطة الدولية... وعون يخاطب الأمم المتحدة كمعارض

TT

ميقاتي يعيد لبنان للخريطة الدولية... وعون يخاطب الأمم المتحدة كمعارض

قال مصدر سياسي بارز معلقاً على كلمة رئيس الجمهورية ميشال عون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وموقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أول إطلالة خارجية له بعد تشكيل الحكومة إن ما يميّزه من الناحية السياسية عن عون أنه عرض الواقع اللبناني بكل تفاصيله تحت سقف التزامه بالمبادرة الفرنسية كممر إجباري لإنقاذ لبنان من دون أن يغيب عن باله التركيز على العناوين الرئيسية للأزمات التي تحاصره والحلول المطروحة للانتقال به إلى بر الأمان بدءاً بالتعافي المالي.
وفي المقابل فإن عون - كما قال المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» - تحدّث أمام الأمم المتحدة وكأنه ينطق باسم المعارضة بدلاً من أن يتحدث باسم اللبنانيين، نافضاً يده من الأزمات المتراكمة التي كانت وراء الانهيار، وكان يحصر خطابه بمن يتقدّم بشكوى ضد القوى السياسية أو تلك التي تتموضع حالياً في الضفة المناوئة له.
فرئيس الجمهورية - بحسب المصدر نفسه - لم يكن موفّقاً في عرضه للموقف اللبناني حيال ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بما فيها المناطق المتنازع عليها حالياً وشاب موقفه الإرباك بعد أن امتنع عن توقيع المرسوم الخاص بزيادة حصة لبنان في المنطقة الاقتصادية البحرية من خلال تعديله للمرسوم السابق الذي كان حدّد حصة لبنان عند النقطة 23 بموافقة الفريق اللبناني الذي ضمّ في حينه 4 من كبار الضباط. كما أن عون لم يكن مضطراً لـ«نشر الغسيل» اللبناني أمام الأمم المتحدة على مرأى من القادة العرب والأجانب وبدا وكأنه يعود بالوضع اللبناني إلى الوراء بدلاً من أن يتطلّع للأمام لإنقاذ بلده، بخلاف ميقاتي الذي توسّع في شرح الموقف اللبناني ومشكلاته وفي تبيان الحلول المطروحة وهو يتحدث إلى الإعلاميين وإلى جانبه ماكرون بعد انتهاء اجتماعهما، رافضاً فتح الجروح اللبنانية التي من شأنها أن تزيد في تعميق الهوّة بين القوى السياسية بدلاً من ردمها لأن ما يهمه تغليب التكاتف الوطني على استحضار الماضي الأليم الذي كان وراء إيصال البلد إلى الانهيار.
كما أن عون - كما يقول المصدر - حاول أن يغسل يديه من الأزمات التي أصابت البلد وسعى للحصول من أعلى منبر دولي على شهادة حسن سلوك لتبرئته من مسؤوليته من موقعه كرئيس للجمهورية بعد أن قاربت ولايته الرئاسية على نهايتها، وأيضاً من موقعه السياسي قبل انتخابه رئيساً للجمهورية بعد أن شارك تياره السياسي في السلطة منذ عام 2018 وكأنه يريد أن ينتهز إطلالته الدولية لتكرار ما يقوله في بيروت بأنهم «ما خلوني أشتغل» بتوجيه التهمة إلى خصومه السياسيين.
لذلك لم يتضمّن خطاب عون أمام الأمم المتحدة أي جديد وجاء تجميعاً لمواقفه الشعبوية، ولم يكن مضطراً لشن الهجوم على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من دون أن يسميه وآخرين، ومنهم الذين ادّعى عليهم المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، مع أن التحقيقات أدت إلى انقسام بين القوى السياسية وأحدثت شرخاً بين اللبنانيين بدلاً من أن تؤدي إلى جلاء الحقيقة بتحديد الذين تقع عليهم المسؤولية لمحاسبتهم وصولاً إلى محاكمتهم.
فرئيس الجمهورية أثبت مرة جديدة أنه أطاح بالفرص للقيام بدور الجامع بين اللبنانيين والعامل على التوفيق بين القوى السياسية بدلاً من الانحياز لطموحات التيار السياسي المحسوب عليه بقيادة النائب جبران باسيل الذين كان وراء زرع الشقاق بين عون وغالبية الأطراف السياسية.
كما أن عون عندما تحدث عن تشكيل الحكومة والآمال المعقودة عليها لإنقاذ البلد تغاضى عن الدور الذي لعبه بالتناغم مع باسيل لدفع الرئيس سعد الحريري للاعتذار عن تشكيل الحكومة.
ويبقى السؤال: هل إن جميع الذين اصطدم بهم عون كانوا على خطأ ووحده بالشراكة مع وريثه السياسي باسيل لم يرتكب أي خطأ، خصوصاً أنه لم يبق له حليف سوى «حزب الله» ويصر على تسديد الفواتير السياسية له لعله يتمكن من إعادة تعويم صهره للحفاظ على استمرارية إرثه السياسي، وإلا لماذا يلوذ بالصمت حيال استيراد المازوت الإيراني أو إزاء تهديد الحزب للقاضي البيطار من دون أن تبادر قيادته إلى تدارك الخطأ؟
كما أن عون من خلال فريقه السياسي يتباهى في دفع الحريري للاعتذار عن تشكيل الحكومة في مضيّه بتصفية حساباته مع خصومه، فـ«كشف الحساب» الذي توخّاه من خلال خطابه أمام الأمم المتحدة سيرتدّ عليه لأن من عجز عن تحقيق ما تعهد به في خطاب القسم طوال 5 أعوام من ولايته الرئاسية لن يتمكّن، كما يقول المصدر السياسي، من تحقيق أي إنجاز في العام الأخير من ولايته لأن عهده انتهى سياسياً فور توقيعه على مرسوم تشكيل الحكومة على أن ينتهي دستورياً في 31 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022 بانتخاب رئيس جديد.
وعليه، فإن التمديد لعون مستحيل طالما أن المجتمع الدولي يصر على إجراء الانتخابات النيابية في ربيع عام 2022 لئلا يقع لبنان في المحظور الدولي ما يؤدي إلى إطباق الحصار عليه.
لذلك قطعت الحكومة الميقاتية الطريق على عون وحالت دون استمرار إدارته لشؤون البلد كما يشاء في ظل وجود حكومة مستقيلة غائبة عن السمع حتى أنها استنكفت عن تصريف الأعمال، فيما يحاول ميقاتي من البوابة الفرنسية أن يعيد ترميم علاقات لبنان العربية والدولية التي دمّرها «العهد القوي» لمصلحة التصاقه بمحور الممانعة بقيادة إيران.
ويبقى من غير الجائز إصدار الأحكام المسبقة على ميقاتي وهو يمضي قدماً إلى الأمام، بحسب المصدر السياسي، للعودة بلبنان إلى الخريطة الدولية من دون أن يغالي بتفاؤله، خصوصاً أن الأحكام يجب أن تُدعم بالأفعال لا بالأقوال ولا بالمواقف الشعبوية التي كانت السلاح الوحيد بيد عون وأدت إلى إغراق البلد بدلاً من إنقاذه.



«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
TT

«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)

في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى مواجهة الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية وحماية المال العام، أعلن مجلس القيادة الرئاسي في اليمن حزمة من الإجراءات المنسقة لمكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز المركز القانوني للدولة، وذلك بعد تلقي المجلس تقارير من الأجهزة الرقابية والقضائية حول قضايا فساد كبرى وقعت في الأعوام الأخيرة.

وأفاد الإعلام الرسمي بأنه، بناءً على توصيات من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، صدرت توجيهات مستعجلة لاستكمال إجراءات التحقيق في القضايا قيد النظر، مع متابعة الجهات المتخلفة عن التعاون مع الأجهزة الرقابية.

وشدد مجلس الحكم اليمني على إحالة القضايا المتعلقة بالفساد إلى السلطة القضائية، مع توجيهات صريحة بملاحقة المتهمين داخل البلاد وخارجها عبر «الإنتربول» الدولي.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي (سبأ)

وأمر العليمي -حسب المصادر الرسمية- بتشكيل فريق لتقييم أداء هيئة أراضي الدولة وعقاراتها، التي تواجه اتهامات بتسهيل الاستيلاء على أراضيها من قِبل شخصيات نافذة. كما شدد على إلغاء جميع التصرفات المخالفة للقانون وملاحقة المتورطين.

وبينما تشير هذه الخطوات الجادة من مجلس القيادة الرئاسي إلى التزام الحكومة اليمنية بمكافحة الفساد، وتحسين الأداء المؤسسي، وتعزيز الشفافية، يتطلّع الشارع اليمني إلى رؤية تأثير ملموس لهذه الإجراءات في بناء دولة القانون، وحماية موارد البلاد من العبث والاستغلال.

النيابة تحرّك 20 قضية

ووفقاً لتقرير النائب العام اليمني، تم تحريك الدعوى الجزائية في أكثر من 20 قضية تشمل جرائم الفساد المالي، وغسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والتهرب الضريبي. ومن بين القضايا التي أُحيلت إلى محاكم الأموال العامة، هناك قضايا تتعلّق بعدم التزام بنوك وشركات صرافة بالقوانين المالية؛ مما أدى إلى إدانات قضائية وغرامات بملايين الريالات.

كما تناولت النيابة العامة ملفات فساد في عقود تنفيذ مشروعات حيوية، وعقود إيجار لتوليد الطاقة، والتعدي على أراضي الدولة، وقضايا تتعلق بمحاولة الاستيلاء على مشتقات نفطية بطرق غير مشروعة.

مبنى المجمع القضائي في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (سبأ)

ومع ذلك، اشتكت النيابة من عدم تجاوب بعض الجهات الحكومية مع طلبات توفير الأدلة والوثائق، مما أدى إلى تعثر التصرف في قضايا مهمة.

وأوردت النيابة العامة مثالاً على ذلك بقضية الإضرار بمصلحة الدولة والتهرب الجمركي من قبل محافظ سابق قالت إنه لا يزال يرفض المثول أمام القضاء حتى اليوم، بعد أن تمّ تجميد نحو 27 مليار ريال يمني من أرصدته مع استمرار ملاحقته لتوريد عشرات المليارات المختلسة من الأموال العامة. (الدولار يساوي نحو 2000 ريال في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية).

وعلى صعيد التعاون الدولي، أوضحت النيابة العامة أنها تلقت طلبات لتجميد أرصدة أشخاص وكيانات متورطين في غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وبينما أصدرت النيابة قرارات تجميد لبعض الحسابات المرتبطة بميليشيات الحوثي، طلبت أدلة إضافية من وزارة الخزانة الأميركية لتعزيز قراراتها.

تجاوزات مالية وإدارية

وكشف الجهاز المركزي اليمني للرقابة والمحاسبة، في تقريره المقدم إلى مجلس القيادة الرئاسي، عن خروقات جسيمة في أداء البنك المركزي منذ نقله إلى عدن في 2016 وحتى نهاية 2021. وتضمنت التجاوزات التلاعب في الموارد المالية، والتحصيل غير القانوني للرسوم القنصلية، وتوريد إيرادات غير مكتملة في القنصلية العامة بجدة وسفارتي اليمن في مصر والأردن.

وأفاد الجهاز الرقابي بأن التجاوزات في القنصلية اليمنية في جدة بلغت 156 مليون ريال سعودي، تم توريد 12 مليون ريال فقط منها إيرادات عامة، في حين استولت جهات أخرى على الفارق. أما في مصر فتم الكشف عن استيلاء موظفين في السفارة على 268 ألف دولار من إيرادات الدخل القنصلي باستخدام وثائق مزورة.

وفي قطاع الكهرباء، كشف تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة عن مخالفات جسيمة في عقود توفير المشتقات النفطية، تضمّنت تضخيم تكلفة التعاقدات وإهدار المال العام بقيمة تزيد على 285 مليون دولار. كما أشار التقرير إلى اختلالات في عقود السفينة العائمة لتوليد الطاقة التي تضمنت بنوداً مجحفة وإعفاءات ضريبية وجمركية للشركة المتعاقد معها.

وتحدّث الجهاز الرقابي اليمني عن اعتداءات ممنهجة على أراضي الدولة، تشمل مساحة تزيد على 476 مليون متر مربع، وقال إن هذه الاعتداءات نُفّذت بواسطة مجاميع مسلحة وشخصيات نافذة استغلّت ظروف الحرب لنهب ممتلكات الدولة. كما تم تسليم أراضٍ لمستثمرين غير جادين تحت ذرائع قانونية؛ مما تسبّب في إهدار أصول حكومية ضخمة.

وحسب التقارير الرقابية، تواجه شركة «بترومسيلة» التي أُنشئت لتشغيل قطاع 14 النفطي في حضرموت (شرق اليمن)، اتهامات بتجاوز نطاق عملها الأساسي نحو مشروعات أخرى دون شفافية، إلى جانب اتهامها بتحويل أكثر من مليار دولار إلى حساباتها الخارجية، مع غياب الرقابة من وزارة النفط والجهاز المركزي.