الأزمة الليبية بانتظار «صندوق الانتخابات»

طموحات الساسة تُعيد الخلافات من جديد

الأزمة الليبية بانتظار «صندوق الانتخابات»
TT

الأزمة الليبية بانتظار «صندوق الانتخابات»

الأزمة الليبية بانتظار «صندوق الانتخابات»

استنفد الأفرقاء الليبيون جُل ما تبقى لهم من وقت دون «توافقات مُرضية»، باتجاه تجهيز ليبيا إلى إجراء انتخابات رئاسية ونيابية وفق خارطة الطريق الأممية. إلا أنه، مع أقل من 90 يوماً على الموعد المُرتقب اشتعلت الخلافات بينهم ثانية، ودخلت الأزمة مفترق طرق، وبات كل معسكر يرى الحل إما في صندوق الانتخابات، وإما العودة إلى صندوق الذخيرة!
والحقيقة أنه منذ فرغ «ملتقى الحوار السياسي الليبي» في جنيف، بداية فبراير (شباط) الماضي، من اختيار السلطة التنفيذية المؤلفة من «المجلس الرئاسي» و«حكومة الوحدة الوطنية»، لم تفلح الأطراف السياسية الممثلة بالملتقى في وضع الأساس الدستوري اللازم لإجراء الاستحقاق المُرتقب، بل حرص كل منهم على تكريس مكتسباته الجهوية، وفتح المجال العام أمام معسكره المنتمي إليه «سياسياً وعسكرياً». ولمزيد من تعقيد الأزمة، سحب مجلس النواب الثقة من حكومة عبد الحميد الدبيبة، في إجراء مفاجئ وُصف بأنه يهدد بنسف «اتفاق جنيف».

أمام تعدد جولات الأفرقاء الليبيين قاصدين جنيف، وتعثر مناقشاتهم في التوصل إلى «قاعدة دستورية» للانتخابات، انتقل الصراع إلى مجلس النواب بقصد إنجاز قانون يجيز انتخاب رئيس ليبيا المقبل.
وفي ظل إصرار أميركي على التعجيل في وضع «اللمسات الأخيرة» على تشريعات الانتخابات، وهناك مدينة طبرق (شرق ليبيا) – حيث مقر مجلس النواب – لم يسلم الأمر من تشاجر واشتباكات بالأيدي بين بعض النواب داخل الجلسات، كل حسب انتمائه وجبهته والطرف الداعم له، بشأن بعض بنود القانون المتعلقة بانتخاب الشخصيات المدنية والعسكرية، حتى انتهى الأمر بمصادقة رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، على القانون. لكن هذا حصل من دون طرحه على النواب للتصويت، والدفع به إلى المفوضية العليا للانتخابات، ما أثار استياء واسعاً لدى معسكر غرب ليبيا، بزعامة «المجلس الأعلى للدولة».
لقد تمحور الخلاف حول المادة (12) من القانون، وتنص على إمكان ترشح أي شخص عسكري أو مدني بشرط التوقف «عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، وإذا لم يُنتخب فإنه يعود لسابق عمله».
ويرى مراقبون أن الليبيين بمختلف انتماءاتهم وإن كانوا هللوا فرحاً بانتخاب السلطة التنفيذية قبل قرابة ثمانية أشهر من الآن، لكن الوضع اختلف الآن مع تعاظم الأزمة. وعقب قرار البرلمان بسحب الثقة من حكومتهم أصبحوا ينتظرون موعد الانتخابات يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل إذا ما أجريت، «كي يثأر كل فريق من خصمه، وهو ما يُعد ترحيلاً للأزمة وعودة للانقسام السياسي، وليس حلها على أسس من التوافق والوئام الأخوي».
غير أن «المجلس الرئاسي» دعا السلطة التشريعية إلى تحمل مسؤولياتها الوطنية والقانونية لإنجاز التشريعات المطلوبة لإتمام العملية الانتخابية في موعدها، حرصاً على سلامة سير العملية السياسية وفق خارطة الطريق المعتمدة بملتقى الحوار السياسي. وقال إنه يتابع عن كثب تداعيات قرار مجلس النواب المتضمن سحب الثقة من الحكومة، وما صاحب ذلك من تداعيات مختلفة. وأيضاً طالب «المجلس» الحكومة بالاستمرار في عملها، وضرورة التزام جميع الأطراف بتحاشي اتخاذ أي خطوات تصعيدية، وتجنب كل ما من شأنه زيادة التوتر الشعبي، والعمل على التهدئة ضماناً لسير العملية الانتخابية في مناخ إيجابي.

- حفتر والرئاسة
من ناحية أخرى، مبكراً استبقت شخصيات سياسية عدة في شرق وغرب ليبيا، الجدل القانوني المُثار حول قانون الانتخابات، وأعلنت ترشحها لرئاسة البلاد، من بينهم فتحي باشاغا وزير الداخلية السابق بـ«حكومة الوفاق» والرجل القوي بغرب ليبيا، والدكتور عارف النايض، رئيس «تكتل إحياء ليبيا»، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «رئيس البلاد المنتخب مباشرة من قبل الليبيين، ومعه البرلمان الجديد، سيعملان معاً على إنهاء الانقسام، وبناء البنية الأمنية للبلاد».
ولكن يسود اعتقاد بأن القانون المكون من (77) مادة، ويُعنى بتنظيم الانتخابات الرئاسية المقررة، أعد على مقاس المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني الليبي»، لكن الأخير استبق تنحيه المؤقت عن مهامه، ودافع عن أحقية العسكريين في المشاركة بالعملية الانتخابية، وقال: «نحن نمر بمرحلة قادمة مرحلة سلمية. نحن عمرنا ما رفضنا السلم. ولأول مرة جنود القوات المسلحة وضباطها يشتركون في عملية الانتخابات لأنه حق». وما يذكر أن حفتر علق مهماته العسكرية رسمياً ثلاثة أشهر حتى موعد الانتخابات المرتقبة، وفقاً لاشتراطات القانون المثير للجدل، وذلك أملاً في خوض الماراثون الرئاسي، وكلف الفريق أول عبد الرزاق الناظوري، رئيس الأركان، بمهام منصب القائد العام.
وهنا تساءلت زهراء لنقي، عضو «ملتقى الحوار السياسي» قائلة: «ماذا لو بدأت العملية الانتخابية في 24 ديسمبر بإعلان بدء حملات المرشحين الانتخابية، وصار التصويت في 17 فبراير، هل سيعني ذلك أن من أعلن أنه في إجازة أنه سينقطع عن عمله حتى العام المقبل؟»... وتابعت: «وماذا لو كانت الانتخابات الرئاسية على جولتين أولهما في الموعد المحدد، والثانية في 17 فبراير أو 19 مارس (آذار) أو في شهر سبتمبر (أيلول) كما جاء في المقترح الأميركي؟ أذلك يعني أن الإجازة ستمتد على الأقل قرابة نصف عام أو سنة على الأكثر؟».
وكانت ترددت أنباء حول دخول صالح، في إجازة لمدة ثلاثة أشهر استعداداً للانتخابات الرئاسية، لكن فتحي المريمي، مستشاره الإعلامي، نفى ذلك في تصريحات، وقال: «حتى هذه اللحظة، رئيس مجلس النواب يمارس عمله ولم يطلب إجازة أو قدم استقالة للتقدم للرئاسة، (ربما غداً أو بعد غد أو الأيام المقبلة)، ربما يكون هناك شيء جديد من هذا». ويرى مقربون من معسكر شرق ليبيا، وجود تقاطع في ترشح حفتر وصالح معاً، إذا أقدم الأخير على ذلك. لكن هناك من يبرر بأن قانون الانتخابات فتح المجال لترشح أي شخصية طالما أن لديها ضمانات بالعودة إلى ممارسة منصبها، أو الإحجام عن ذلك وفق اتفاق مسبق بينهما.
ولقد سبق لمسؤولين أميركيين الكلام عن إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية على مرحلتين، تبدأ في 24 ديسمبر وتنتهي في 22 سبتمبر 2022.

- الدبيبة والميدان
وبموازاة التسارع باتجاه الانتخابات في شرق ليبيا، تنطوي الأوضاع في غربها على تكتم شديد. إذ لا يحق لرئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة الترشح للانتخابات، فوفق ما تعهدت به السلطة التنفيذية أمام «ملتقى الحوار» بجنيف، لا يجوز لأي منها الترشح في الانتخابات المقبلة، غير أن البعض يستند إلى القانون الذي وقع عليه صالح لكونه فتح المجال أمام الجميع شريطة التقدم بالاستقالة قبل مضي ثلاثة أشهر من موعد الاستحقاق.
وأمام تأزم الأوضاع وانقطاع «شعرة معاوية» بين الحكومة ومجلس النواب - ما دفع الدبيبة إلى دعوة الجماهير للتظاهر في الميادين اعتراضاً على قرار سحب الثقة - سعى البعض إلى تهدئة الأمور، غير أن الدبيبة أكد على «موقف حكومته الداعم لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تعكس الإرادة الحقيقية للشعب الليبي». وعلّق محمد حمودة، المتحدث باسم الحكومة، على إمكانية ترشح حفتر للرئاسة، وقال إن «كل مواطن له الحق في الترشح وأن يطرح مشروعه، وهذا هو الخيار الأمثل للوصول إلى السلطة، وليس عبر القوة واستخدام التهديد؛ ونرحب بأي ترشح ما دام يلتزم بالقواعد الدستورية والقانونية»، لكن حمودة اكتفى بالرد حول ما إذا كان الدبيبة سيترشح، وقال: «لم يُصرح بأنه سيترشح في الانتخابات، ولا نعلم ما يدور في ذهنه بهذا الخصوص».
غير أن ترحيل الأزمة الليبية بجميع تفاصيلها إلى صندوق الانتخابات، نظر إليه بعض السياسيين على أنه «حل كارثي»، و«سيفتح الباب لمزيد من الانقسام السياسي»، الذي عملت السلطة التنفيذية الحالية على إزالته، فضلاً عن عدم تمكن أي من المرشحين للرئاسة بالتجول في مناطق خاضعة للمنافس، وهنا يرى محمد المُبشر، رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالحة»، ضرورة عقد لقاء يضم «كل الفاعلين» في المجتمع الليبي من الأكاديميين والشخصيات الاجتماعية والشباب إلى حوار حقيقي في مدينة غدامس (جنوب ليبيا) قبيل إجراء الانتخابات، لتطرح فيه كل الحلول الممكنة.
وقال المُبشر، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، إن «التجاذبات التي تشهدها البلاد جعلت غالبية الليبيين يعتقدون أن الأجسام، التي كانت سبباً في المشاكل، فشلت حتى الآن في أن تكون جزءاً من الحل». وتحدث المُبشر عن تمكن بعض الأطراف الدولية بملف الأزمة في ظل استلاب القرار المحلي، لكنه لفت إلى أهمية «اتفاق الجميع على ميثاق... بعيداً عن الخارج ورحلات السياحة السياسية، لعله يعيد جزءاً من الفعل الليبي إلى الداخل».

- الموقف من سيف القذافي
في سياق متصل، انعكست الاختلافات بين معسكري شرق وغرب ليبيا أيضاً على الموقف من إمكانية السماح بترشح سيف الإسلام، نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، الذي لوّح بإمكانية خوضه الاستحقاق أيضاً. إذ قال الدبيبة إنه (سيف الإسلام) يمكنه تقديم أوراق ترشحه باعتباره «ابن قبيلة مهمة»، لكنه اعتبر أنه يجب قبل ذلك معالجة مشاكله القانونية، في إشارة إلى المطالب المتكررة من المحكمة الجنائية الدولية بتسليمه ومحاكمته. أما صالح - في إشارة ضمنية لسيف الإسلام - فشدد على أنه «لا يحق لأي شخص محكوم عليه من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية الترشح لرئاسة الدولة الليبية»، وهو ما أثار أيضاً ردود أفعال غاضبة من الموالين للنظام السابق.
ومع هذا التباين، ثمة من يرى أن البرلمان أخطأ بقرار سحب الثقة من حكومة الدبيبة، وهناك مَن انتقد الظهور الإعلامي لرئيس البرلمان عشية إصدار القرار، إذ قال الأكاديمي الليبي المختار الجدال: «من الخطأ خروج رئيس البرلمان لتبرير القرار الذي أصدره، فهو بذلك لا يختلف في شيء عن رئيس حكومة الوحدة الوطنية». وتحدث عن مدى تمتع المرشحين المحتملين بإمكانية التجول في مناطق خصومهم، متسائلاً: «هل سيرضى الطرف الآخر الذي يتمترس خلف الميليشيات وتركيا أن يطلق خليفة حفتر، حملته الانتخابية في الوطن الغربي والقبول بنتائج الانتخابات لو وصل عبر الصندوق لرئاسة الدولة؟ وبالمقابل هل يسمح الجيش في الوطن الشرقي والجنوبي بأن يطلق مرشح الإخوان حملته، والقبول بنتائج الصندوق؟».

- أميركا وأوروبا
في هذه الأثناء، استدراكاً لتصاعد الموقف في ليبيا والحفاظ على بنود اتفاق جنيف، دفعت قوى أميركية وأوروبية بثقلها لإنجاح العملية السياسية في ليبيا وإجراء الانتخابات المرتقبة، دون وضع العراقيل التي تحول دون ذلك في الحسبان. إذ حذر وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، الذي عقد اجتماعاً وزارياً حول ليبيا مع نظيريه الفرنسي جان إيف لودريان والألماني هايكو ماس في نيويورك، حيث تعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة، من عدم إتمام الانتخابات الليبية، وقال إن ذلك «يعرض استقرار المنطقة للخطر». وأردف دي مايو: «دعونا نواصل العمل للتأكد من أن المجتمع الدولي يدعم العملية السياسية الليبية، بما فيها من انتخابات حرة ونزيهة وشاملة، وهو أمر ضروري». ولتأكيد وجهة نظره، قال إن «الانتخابات يريدها الشعب الليبي الذي يطالب بالحياة الطبيعية. وإن عدم التصويت من شأنه تعريض استقرار المنطقة بأكملها للخطر وقد يفتح مرحلة جديدة من العنف، ويمكن أن تؤثر التأثيرات أيضاً على بلدنا والاتحاد الأوروبي بأكمله».
وعلى الخط نفسه، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي التقى رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، دعم الولايات المتحدة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها المحدد.

- السلطة التنفيذية في ليبيا... 8 أشهر من محاولات إنهاء الانقسام
قبل قرابة ثمانية أشهر من الآن، أعلنت ستيفاني ويليامز، مندوبة الأمم المتحدة إلى ليبيا بالإنابة، من جنيف، انتخاب أعضاء السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا، ليصبح محمد يونس المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيساً لحكومة «الوحدة الوطنية». ومنذ ذلك التاريخ بدأت هذه السلطة بشقيها ممارسة أعمالها، والتقريب بين الليبيين، وإن كان بشكل لم يرضِ جميع الأطراف في البلاد، وذلك عبر مسارات عدة، وهذه جوانب منها:
> 16 فبراير (شباط) الماضي، استهل المنفي، أولى زياراته إلى طرابلس العاصمة، بعدما أنهى زيارة إلى المنطقة الشرقية بدأها من مدينة بنغازي شملت طبرق والبيضاء، حيث أجرى لقاءات مع قائد «الجيش الوطني الليبي» المشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب في طبرق عقيلة صالح، كما التقى عدداً من أعضاء مجلس النواب وشيوخ القبائل.
> 10 مارس (آذار) الماضي، مجلس النواب الليبي يمنح الثقة لحكومة الدبيبة بغالبية ساحقة، والأخير يتعهد بالعمل لإنجاح المصالحة الوطنية ودعم مفوضية الانتخابات.
> 16 مارس تسلمت الحكومة مهام عملها من «حكومة الوفاق الوطني» بطرابلس، و«الحكومة المؤقتة» بشرق ليبيا، بطريقة سلسة ودون منغصات. وعانق فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي السابق، الدبيبة أثناء تسليمه السلطة. وقال خلال مراسم مقتضبة «إنني هنا اليوم لترسيخ مبادئ الديمقراطية».
>25 فبراير الماضي، تعهد المنفي بالسعي إلى تعزيز وقف إطلاق النار وإنهاء الأعمال القتالية كافة على كامل التراب الليبي، وإفساح المجال للجنة العسكرية المشتركة «5+5» مع توفير كل سبل الدعم من أجل توحيد المؤسسة العسكرية، وإنشاء المفوضية الوطنية للمصالحة.
> 19 أبريل (نيسان) أصدر المنفي، توجيهاً إلى جميع وحدات الجيش الليبي، بشأن حظر العسكريين من الظهور الإعلامي والإدلاء بتصريحات ذات طابع سياسي، وكذلك حظرهم من السفر إلى الخارج إلا بإذن مسبق من القيادة العليا أو من قبل إدارة الاستخبارات العسكرية.
> 27 أبريل توجّه المنفي إلى مدينة سرت لحضور الاجتماع الرابع للجنة العسكرية «5+5».
> 10 مايو (أيار) الماضي، التقى المنفي وعضو المجلس موسى الكوني، مجموعة من مشايخ وأعيان مدينتي مصراتة وزليتن، في مدينة طرابلس، وتناول اللقاء ضرورة تطبيق «المصالحة الوطنية ولمّ شمل الليبيين».
21 مايو تعهّد الدبيبة خلال زيارته إلى مدينة بني وليد برفقة عدد من وزرائه، بإصلاح ما دمرته الحرب، وتحويلها إلى ساحة للبناء والتشييد والإعمار في المرحلة المقبلة، وليس ساحة للحرب والقتال.
3 يوليو (تموز) الماضي، بارك حفتر للشعب الليبي فتح الطريق الساحلي، فيما رحب الدبيبة بهذه الخطوة واعتبرها خطوة جديدة في البناء والتوحيد.
> 4 يوليو الماضي، أكد الدبيبة حرصه على تحقيق التداول السلمي للسلطة في البلاد، مشدداً على توفير «كل الدعم» من أجل إجراء انتخابات قبل نهاية العام الجاري.
> 17 يوليو الماضي، تعهّد الدبيبة بإخراج أي قوة أجنبية أو «مرتزقة» من ليبيا، كما أكد على جعل الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل «واقعاً».
> 21 أغسطس (آب) الماضي، قال الدبيبة إنه لا يعارض لقاء حفتر إذا اعترف به كرئيس للحكومة ووزير للدفاع.
> 23 أغسطس الماضي، الدبيبة قرر تخصيص 100 مليون دينار لأسر الشهداء والمفقودين والمبتورين.
>14 سبتمبر (أيلول) الجاري، الدبيبة سلم الدفعة الأولى من صكوك منحة دعم الزواج لمستحقيها.
> 16 سبتمبر الجاري، وقعت حكومة الدبيبة مع مصر 14 مذكرة تفاهم مشترك و6 عقود تنفيذية.
> 21 سبتمبر الجاري، حجب مجلس النواب الليبي الثقة عن حكومة الدبيبة، لتستمر في تسيير أعمالها اليومية كحكومة تصريف أعمال.
22 سبتمبر الجاري، دعا الدبيبة المواطنين للتظاهر في ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس، للتعبير عن رأيهم رداً على قرار مجلس النواب الذي سحب الثقة من حكومته، وقال: «سيسقط البرلمان بعون الله ولن يكون ممثلاً لليبيين بهذه الصورة».



موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
TT

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ مستوياتها منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي السابق، وجرى تقويض كل قنوات الاتصال السياسية والدبلوماسية والأمنية. وحتى «الخط الساخن» الذي طالما عوّل عليه البلدان لمواجهة الظروف الطارئة وتجنّب الانزلاق إلى احتكاكات مقصودة أو غير مقصودة، جرى تجميده كلياً. كانت تلك، وفقاً لمسؤولين روس، أسوأ أربع سنوات في العلاقات، ولقد تحوّلت فيها الولايات المتحدة إلى خصم مباشر، و«شريك رئيس في الحرب الهجينة ضد روسيا». ولم ينعكس التدهور فقط في ملفات أوكرانيا والأمن الاستراتيجي والوضع في أوروبا - وهي القضايا المركزية التي تشغل بال الكرملين - بل أيضاً امتد في تأثيره بعيداً عن الجغرافيا الحيوية لروسيا... ليصل إلى الملفات الإقليمية الساخنة في الشرق الأوسط التي شهدت تصعيداً متواصلاً فاقم تأجيج الأزمة في العلاقات.

بمجرد اتضاح نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، بدأ محللون روس في وضع «سيناريوهات» للتقارب مع الإدارة الجمهورية الجديدة في واشنطن. ولطالما كان ينظر في موسكو للرئيس المنتخب دونالد ترمب على أنه «قادر على إعادة تشغيل العلاقات مع موسكو»، والتوصل إلى تسويات أو «صفقات» حول القضايا الأكثر خلافية.

بيد أن الكرملين كان قد خاض تجربة مريرة مع ولاية ترمب الأولى، عندما بدا الرئيس - المتهم بالتعاون سرّاً مع روسيا - عاجزاً عن مواجهة تركة باراك أوباما الثقيلة في العلاقة مع موسكو. لذلك لم ينجح التفاؤل الروسي في حينه، ولا الخطوات المحدودة التي انتهجها ترمب في تحسين العلاقات جدياً، ووضع «سيناريوهات» للتعاون في ملفات دولية أو إقليمية. بل بالعكس من ذلك، فقد واجهت روسيا في ولاية ترمب السابقة أضخم رُزم عقوبات فرضتها واشنطن. ومن ناحية ثانية، فشل الطرفان أيضاً في تحسين شروط التعاون حيال ملفات إقليمية مهمة، فتدهور الوضع حول إيران بعد انسحاب ترمب من الاتفاقية النووية، وتراجع الأخير عن تنفيذ تعهد الانسحاب من سوريا.

ثلاثة أفخاخ

بناءً عليه، بدت موسكو أكثر حذراً هذه المرة وهي تستقبل أنباء فوز ترمب الساحق. وحقاً، تجنّبت تعليق آمال جدية، بانتظار ما ستقدم عليه الإدارة الجديدة من خطوات عملية فور تسلم الرئيس منصبه رسمياً في يناير (كانون الثاني) المقبل.

لكن هذا لم يمنع التوقّعات المتشائمة، التي غلبت على العلاقة، من البروز بشكل مباشر أو غير مباشر. والحال أن موسكو تبدو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة. وفي هذا الإطار، أجمل أليكسي بوشكوف، عضو مجلس الشيوخ الروسي وأحد خبراء السياسة المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، المأزق الذي يواجه ترمب بأنه يشتمل على «ثلاثة أفخاخ صعبة».

الفخ الأول، بطبيعة الحال، هو ملف أوكرانيا: فلقد استثمرت الولايات المتحدة بالفعل الكثير في أوكرانيا لدرجة أنها ما عادت تعرف كيفية الخروج من هذه الأزمة. وهنا لا تتوقف موسكو كثيراً عند الوعود الانتخابية لترمب بإنهاء الحرب في 24 ساعة. ويتساءل بوشكوف: «هل ستتخلى واشنطن عنها مثل أفغانستان؟ لم يعد يمكنها ذلك». أو تكمل ما بدأته الإدارة الديمقراطية؟ عندها... وكما حذّر ترمب بحق، فإن هذا قد يؤدي إلى صراع نووي مع روسيا. تدرك موسكو حجم الصعوبات التي تواجه ترمب في هذا الملف.

أما الفخ الثاني، فهو شرق أوسطي. وهنا - حسب بوشكوف - «لا يمكن لترمب التراجع عن دعم إسرائيل بسبب وجود لوبي قوي جدّاً مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. لكنه لا يستطيع دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً في كل ما يفعله، لأن هذا يضرّ بمكانة الولايات المتحدة في العالم العربي (...) ولأن المخطط الأميركي لمصالحة إسرائيل مع جيرانها ما زال موضع شك. لقد حاولت الولايات المتحدة إخراج إسرائيل من عزلتها في المنطقة... لكن هذا المدخل لم يعد يعمل. وعلاوة على ذلك: يُصرّ العالم العربي على إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما ترفضه إسرائيل بشكل قاطع. إذن فهذا أيضًاً فخ».

وأما الفخ الثالث فهو تايوان. ووفقاً لبوشكوف: «من الممكن أن تصبح قضية تايوان فخاً كبيراً للولايات المتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستدعم أوروبا الأميركيين إذا دخلت الولايات المتحدة في صراع مع الصين؟ لقد قوّضت أوروبا نفسها اقتصادياً بشدة بالفعل بسبب انفصالها عن روسيا. وإذا فتحت أيضاً معركة مع الصين، التي يبلغ حجم تجارة الاتحاد الأوروبي معها تريليون دولار أميركي، فمن المرجح أن ينهار الاقتصاد الأوروبي ببساطة».

قنابل موقوتة

السياسي الروسي يرى أن «الأفخاخ الثلاثة» تمثل قنابل موقوتة بالنسبة إلى دونالد ترمب... مهما كانت طبيعة التركيبة النهائية لفريقه الرئاسي، أو خطواته الأولى على صعيد السياسة الخارجية.

فضلاً عن ذلك، يرى بوشكوف، أن ترمب الذي تعهد بإيلاء القدر الأكبر من الاهتمام للإصلاح الداخلي، سيواجه صعوبة كبرى في إيجاد توازن بين الانكفاء إلى الداخل من أجل تحسين الأداء الاقتصادي ومواجهة الهجرة و«إعادة أميركا عظيمة» بقدراتها واقتصادها ومستوى المعيشة لشعبها، وبين العمل بسرعة لتنفيذ وعود انتخابية بإنهاء حروب وتقليص التوتر في أزمات خارجية. ويضيف متسائلاً: «كيف يمكن أن تكون أميركا عظيمة مجدّداً... وهي تنكفئ في السياسة الدولية؟».

تبدو موسكو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز

التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة

تباين حيال التسوية في الشرق الأوسط

لا يبدو أن موسكو تثق كثيراً بقدرة ترمب على لعب دور نشط لإنهاء الحرب على غزة ولبنان، ودفع الإسرائيليين إلى التوصّل لحلول سياسية تعيد الهدوء - ولو نسبياً - إلى الشرق الأوسط.

وهنا، يذكر خبراء أن المدخل الأميركي السابق قام على أساس تعزيز اتفاقات تطبيع وفرض سلام من نوع خاص، لا يؤدي إلى تسوية سياسية حقيقية تنهي العنف في المنطقة وتنزع ذرائعه.

وترمب نفسه أعرب خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى عن نيته التوسط في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنه أظهر لاحقاً التقارب مع إسرائيل من أجل كسب دعم المانحين الرئيسيين والناخبين الرئيسيين، وخاصة الصهاينة المسيحيين الإيفانجيليين.

بحسب خبراء، هذا الموقف يتوافق مع النهج القائل: «أميركا تفعل ما تريد، وبالتالي أصدقاء أميركا يفعلون ما يريدون». مع الإشارة هنا إلى أن هذا النهج المائل إلى عقد «صفقات» ينصّ على «امتيازات خاصة للحلفاء كدفعة مقابل الأمن». غير أن موسكو ليست مقتنعة بأن هذا المدخل سيعزّز طريق الحلول النهائية للمنطقة.

ومقابل القناعة الروسية بالعودة إلى الآليات التي توافر عليها نوعٌ من الإجماع الدولي، كإحياء «الرباعية الدولية» وتوسيعها بضم بعض الأطراف الإقليمية المهمة (المملكة العربية السعودية ومصر وجامعة الدول العربية)، وأيضاً العودة إلى مبادئ التسوية القائمة على أساس رفض التوسّع الجغرافي للاحتلال، وإعلاء «مبدأ حل الدولتين» ووضع خرائط طريق جديدة بينها «المبادرة العربية للسلام»، فإن مدخل ترمب يقوم على عقد صفقات سريعة للتهدئة، وترك المناطق أمام «برميل بارود» قابل للانفجار مجدداً في أي وقت.

في هذا الإطار لا يتوقّع خبراء روس أن تكون التسوية في الشرق الأوسط بين أولويات الحوار المنتظر مع الإدارة الأميركية الجديدة، بالنظر إلى أن هذا الموضوع فيه تباعد واسع في وجهات النظر، ولا يدخل ضمن الملفات التي قد يكون بوسع الطرفين التوصل إلى صفقات حولها.

وفي الوقت ذاته، ترى موسكو - وفقاً لتحركات محدَّدة برزت في سوريا، ومن خلال حوارات مكثفة أجريت غالباً خلف أبواب مغلقة مع الجانب الإسرائيلي - أن بوسعها لعب دور أساسي في تأكيد دورها بضمان أمن إسرائيل من جهة سوريا وإيران مستقبلاً. وهو ما يعني أن هذا الموضوع قد يكون جزئياً على طاولة حوار روسي - أميركي في وقت لاحق.

تأهب للحوار حول سوريا

في هذه الأثناء، لدى الأوساط الروسية نظرة إيجابية، ولكن حذرة، بشأن احتمالات سحب ترمب القوات الأميركية من سوريا إبان ولاية ترمب الجديدة.

موسكو تتذكر الإرادة الأميركية في الانسحاب من سوريا إبان ولاية ترمب السابقة، لكن يومذاك كان التهديد الإرهابي ما زال نشطاً، والخطوط الفاصلة ومناطق النفوذ لم تكن قد تبلورت بشكل شبه نهائي. لذا يرى خبراء روس أن ترمب عندما يتكلّم عن سحب القوات حالياً فهو ينطلق من واقع ميداني وسياسي جديد. وبالتالي، سيكون حذراً للغاية عند مناقشة هذه المشكلة مجدداً.

أيضاً، ونظراً لوعود ترمب الانتخابية المتكررة، يُرجح أن ترغب واشنطن في سحب قواتها من سوريا، لكن لا يبدو لموسكو أن هذه القضية ستكون مُدرجة على جدول الأعمال ضمن أولويات التحرك الأميركي حالياً.

لقد قوبلت خطط ترمب لسحب القوات في السابق بمقاومة مفتوحة، خاصة من «القيادة الوسطى» الأميركية وشخصيات، مثل بريت ماكغورك، الذي عمل مبعوثاً خاصاً لمكافحة «داعش» حتى أواخر عام 2018، واستقال قبل شهرين من انتهاء فترة ولايته، مباشرة بعد قرار إدارة ترمب سحب القوات من سوريا في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018. بعدها عيّن جو بايدن، الرئيس الأميركي المنتخب، عام 2020، ماكغورك منسقاً لمجلس الأمن القومي الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واكتسبت سياسة واشنطن في سوريا لدعم حزب العمال الكردستاني «وحدات حماية الشعب» زخماً.

حالياً يعود الملف إلى دائرة النقاش، ولقد برز بشكل واضح خلال اجتماعات «جولة آستانة للحوار» التي انعقدت أخيراً. وأكد المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف إلى سوريا في ختام الاجتماعات أن موسكو منفتحة على الحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة فور تشكيلها، لبحث الملفات المتعلقة بسوريا. وقال الدبلوماسي الروسي: «إذا كانت هناك مقترحات، فإن الجانب الروسي منفتح، ونحن على استعداد لمواصلة الاتصالات مع الأميركيين».

وفي هذا المجال، تنطلق موسكو من قناعة بأنه لا يمكن التوصل إلى بعض الحلول الوسط إلا من خلال المفاوضات المباشرة. وهي هنا مستعدة للاستماع إلى وجهات النظر الأخرى، وربما تقديم بعض الضمانات التي تحتاج إليها واشنطن لتسريع عملية الانسحاب ودعم التسوية في سوريا برعاية روسية تضمن مصالح الأخيرة.