الحزب الديمقراطي الاجتماعي... أحد أعرق الأحزاب الاشتراكية في العالم

يعد الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) من أقدم الأحزاب الألمانية، إذ أُسس عام 1863 متأثراً بالحركة الماركسية، وكان من أكبر الأحزاب الماركسية في أوروبا في مطلع القرن العشرين. إلا أنه إبان الحرب العالمية الأولى انقسم الحزب بين مؤيد للحرب وأقلية معارضة لها تحوّلت فيما بعد إلى الحزب الشيوعي الألماني.
لعب الاشتراكيون دوراً أساسياً في الثورة الألمانية عامي 1918 و1919 التي أدت إلى الاستعاضة عن الملكية بنظام ديمقراطي برلماني، وتأسيس جمهورية فايمار، وانتخاب عضو الحزب فريدريش إيبرت أول رئيس لألمانيا.
ظل الاشتراكيون الحزب الأقوى في البلاد حتى صعود النازيين عام 1932. ولقد عارض الاشتراكيون النازيين في البرلمان ورفضوا التصويت لصالح تمرير قانون يمنح صلاحيات موسعة للمستشار وسلطة إقرار قوانين من دون الرجوع للبرلمان.
إلا أن القانون أُسقط وجرى حظر الحزب إثر ذلك. وخلال تلك السنوات وحتى انتهاء الحرب العالمية الثانية، عمل الحزب في المنفى بدايةً من براغ، ثم باريس ولندن.
وبعد انتهاء الحرب بهزيمة ألمانيا الهتلرية، عاد الحزب الديمقراطي الاجتماعي -بعد التحوّل من الماركسية المتشددة إلى حزب يساري اشتراكي معتدل- وأعاد تأسيس نفسه. ومن ثم، تحوّل في غرب ألمانيا ليصبح واحداً من الحزبين الكبيرين، مع حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» المحافظ ذي الجذور الكاثوليكية.
وبالفعل، نجح الاشتراكيون بقيادة ألمانيا (الغربية في حينه) مرتين في عام 1969 حتى عام 1982 بزعامة المستشار فيلي براندت في الحكومة الأولى ثم هيلموت شميدت في الحكومة الثانية، ثم لقيادة الحكومة من 1998 حتى 2005 بزعامة المستشار غيرهارد شرودر.
هذا، ورغم أن الحزب لم يعطِ ألمانيا إلا 3 مستشارين حتى الآن، فقد شارك في 4 حكومات تشكلت بعد الحرب، كشريك صغير إلى جانب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، المرة الأولى عام 1966 ثم عام 2005 وبعد ذلك عامي 2013 و2017.
آيديولوجياً، يحمل الحزب الديمقراطي الاجتماعي أفكاراً اشتراكية معتدلة، وهو يؤمن بزيادة الضرائب على الأغنياء وبالعدالة الاجتماعية، كما أنه من الأحزاب المؤيدة للاتحاد الأوروبي.
وكان الحزب قد بدأ ينزف أصواتاً وتأييداً بعد حكومة شرودر عام 2005 بسبب أساسي يعود إلى إدخال الحزب تعديلات على برنامج المساعدات المالية للعاطلين عن العمل، الذي يعرف بـ«هارتس 4».
إذ خفضت التعديلات من قيمة المساعدات المالية التي تصرفها الحكومة للعاطلين عن العمل، وأجبرتهم على الخضوع لبرنامج حضور مكثف مع العاملين الاجتماعيين لاستجوابهم حول مساعيهم للعثور على وظيفة.
ثم واجه الاشتراكيون انتقادات شديدة من أحزاب أخرى، ومن قاعدة مؤيديهم لتشددهم الكبير في تقديم المساعدات المالية للعاطلين عن العمل. بيد أنهم يدافعون عن البرنامج ويقولون إنه كان ضرورياً في حينه لتشجيع العاطلين عن العمل على العثور على وظائف، بسبب الارتفاع الكبيرة للبطالة في تلك الفترة. وبالفعل، يقول اقتصاديون إن النهوض الاقتصادي السريع الذي شهدته ألمانيا آنذاك يعود بشكل كبير إلى التعديلات التي أُدخلت على برنامج الإعانات ما دفع المواطنين إلى العودة للعمل.
وهذا القانون معمول به حتى الآن، وتؤيده المستشارة أنجيلا ميركل وكذلك المرشح الاشتراكي أولاف شولتز.
بعد انتخابات عام 2017 أراد الحزب المكوث في صفوف المعارضة بغية إعادة تقييم أوضاعه بعد الخسارة التي مُني بها في البرلمان مقارنةً بالانتخابات التي سبقت، إذ حصل في انتخابات ذلك العام على قرابة 21% فقط من مقاعد البرلمان بتراجع يقارب الـ5% عن عام 2013، إلا أنه لم ينجح بالبقاء في صفوف المعارضة واضطر للعودة إلى الحكومة الائتلافية كشريك صغير للاتحاد الديمقراطي المسيحي نتيجة إخفاق الأخير بتشكيل حكومة مع أحزاب أخرى. وبعدها، واصلت شعبية الاشتراكيين انحدارها لتصل إلى معدلات غير مسبوقة منذ دخولهم الحكومة مرة أخرى عام 2017... ولم ترتفع حظوظهم إلا بعد تسمية أولاف شولتز مرشحاً لهم لمنصب المستشار في أغسطس (آب) الماضي.