انطلاق مهرجان لبنان المسرحي الدولي للحكواتي

يحمل في دورته الثالثة عنوان «تحية من صور إلى طرابلس»

ينطلق مهرجان لبنان للحكواتي في 25 سبتمبر الجاري لغاية 26 منه
ينطلق مهرجان لبنان للحكواتي في 25 سبتمبر الجاري لغاية 26 منه
TT

انطلاق مهرجان لبنان المسرحي الدولي للحكواتي

ينطلق مهرجان لبنان للحكواتي في 25 سبتمبر الجاري لغاية 26 منه
ينطلق مهرجان لبنان للحكواتي في 25 سبتمبر الجاري لغاية 26 منه

لم يتعرّف كثيرون من جيل الشباب الحالي على شخصية الحكواتي والتي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالتراث اللبناني القديم. فهم بالكاد سمعوا عنه من أهاليهم أو من خلال أخبار متفرقة قرأوها من هنا وهناك. فالحكواتي هو شخص يمتهن سرد القصص في الساحات والمقاهي وأحياناً في المنازل وعلى الطرقات. وكان يحتشد حوله الناس قديماً كي يستمتعوا بأحاديثه وحكاياته، فيتفاعلون معها مهما بلغت من الحزن أو الفرح. ومرات كثيرة كان يدفعه شغفه في رواية القصص إلى تجسيد دور الشخصية التي يحكي عنها بالحركة والصوت.
إحياءً لهذا التقليد الشعبي الذي صار نادراً وجوده اليوم، تنظم «جمعية تيرو للفنون» و«مسرح إسطنبولي» في صور، مهرجاناً خاصاً به. وفي نسخته الثالثة هذا العام اتخذ «مهرجان لبنان المسرحي الدولي للحكواتي» اسم «تحية من صور إلى طرابلس» عنواناً له.
وبمشاركة 35 حكواتياً من لبنان والعالم العربي وفرنسا واليونان وإسبانيا ضمن عروض مباشرة وأخرى افتراضية، ينطلق المهرجان على مدى يومين متتاليين في 25 و26 سبتمبر (أيلول) الجاري. وهو يهدف إلى المحافظة على التراث والهوية والفن الحكواتي. كما يعمل على تبادل التجارب والممارسات التراثية المختلفة بين بلدان متعددة. وبالتالي يسلط الضوء على أهمية فنّ الحكاية الشعبية والتراث الشعبي.
وستُقام بالتوازي مع عروض المهرجان فعاليات «مؤتمر لبنان المسرحي» حول أهمية الموروث الشفهي، و«مقهى للحكاية»، وهو عبارة عن فضاء يجمع الحكواتيين لتبادل التجارب ونقل المعارف، وحثّ الرواة على ضرورة تسجيل قصصهم الشعبية لدى منظمة الأونيسكو كتراث شفوي. وفي حديث مع قاسم إسطنبولي، منظم هذا الحدث، يشير إلى أنّ اختيار مدينة طرابلس الفيحاء لإهدائها النسخة الثالثة من المهرجان جاء على خلفية توطيد العلاقات بين المدن اللبنانية. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «في كل عام نختار توجيه تحية ثقافية من مدينتنا صور إلى منطقة لبنانية معينة. وهذه السنة ارتأينا تخصيص مدينة طرابلس بتحية لها، كونها من المناطق التي تعاني من أزمات مختلفة. فهدف المهرجان هو كسر هذا الجدار الوهمي الذي فرضته السياسة بين المناطق في البلد الواحد. فعودة الالتقاء بأهل طرابلس أو بيروت وغيرها من المدن اللبنانية يولّد تقارباً بين الناس. ويُشعر أهالي هذه المنطقة أو تلك بأن هناك من يهتم بهم ويدعمهم، ولو ترجم ذلك في تحية سياحية وثقافية».
تنقسم فعاليات المهرجان على يومين خُصص الأول منهما في 25 سبتمبر للقاءات مع حكواتيين من لبنان. فيما يستضيف افتراضياً في يومه الثاني 26 من الشهر نفسه، حكواتيين من دول غربية وعربية بينها المغرب ومصر وفرنسا وإسبانيا وغيرها.
وتحت عنوان «حكايا عروسة البحار» وهو اللقب المعروفة به مدينة صور، سيروي كل حكواتي من جهته قصصاً تندرج على لائحة الموروث الشعبي المعروف. وتستوحي غالبية هذه القصص موضوعاتها من مدينتي طرابلس وصور المحتفى بهما. ويوضح قاسم إسطنبولي: «افتتاح المهرجان سيكون في مسرح إسطنبولي في صور، ومن بعدها نتوجه مع الحضور إلى أزقة وأحياء صور سيراً على الأقدام. وسنمر على عدد من معالم صور المشهورة كالميناء وبعض المقاهي إضافةً إلى المساجد والكنائس. هناك سيروي كل حكواتي قصة من وحي المكان الذي نزوره. فهدف المهرجان إضافةً إلى إعادة إحيائه هذا الموروث الشفهي، ربط الناس بجذورهم. فكلما توطدت علاقتنا بأرضنا ازددنا صلابة واستطعنا مواجهة التحديات».
ومن الأسماء المشاركة في المهرجان الحكواتي الطرابلسي براق صبيح وزميله سليم السوسي إضافةً إلى الحكواتية رنا غدار. ومن ضيوف العروض المباشرة في أحياء طرابلس ومعالمها الأثرية الحكواتيون خالد نعنع ونسيم علوان وغوى علام وسارة قصير ورجاء بشارة.
ويتخلل هذا الحدث الفني والثقافي لفتة تكريمية موجهة إلى الفنان نزار ميقاتي، مؤسس المسرح الوطني في لبنان. فيحضر ابنه الممثل عمر ميقاتي ليروي قصة والده على طريقة الحكواتي. ويسبق هذه الفقرة عرض أرشيف نزار ميقاتي من صور فوتوغرافية ولقطات مصورة.
وسيرتدي كل حكواتي الزي الشعبي الذي يمثل المنطقة الآتي منها والتي يتقدمها الطربوش الأحمر والعصا الخشبية، وكذلك العباءات الفضفاضة المطرزة بخيوط لماعة تذكّرنا بأزياء الحكواتي الشعبي. وستحضر إضافة إلى حكايات مأخوذة من الأدبين العالمي والعربي، أخرى يطل فيها الحكواتي على قصص قبضايات من مدن بيروت وطرابلس وصور. وكانت هذه القصص تطبع الحلقات الدائرية في الماضي التي كان يتوسطها الحكواتي. فيتفاعل الناس مع تفاصيلها والتي ترتكز على بطولات مختلفة.
ومن الحكواتيين المشاركين في العروض غير المباشرة وعبر الـ«أون لاين» آن وانغ من فرنسا، ونيروز الطنبولي من مصر، وأمال المزوري وحفيظة أربيعة من المغرب. ومن سلطنة عمان يطل كل من وفاء الحنشي وأحمد الراشدي. ومن اليونان سيكون هواة هذا الفن على موعد مع بافلينا مارفين وتوماس ديافاس ووسام الباتروس.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».