سعيّد يلغي العمل بفصول من الدستور التونسي

«النهضة»: قرارات رئيس الجمهورية تهدّد بـ«تفكيك الدولة»

سعيّد يلغي العمل بفصول من الدستور التونسي
TT

سعيّد يلغي العمل بفصول من الدستور التونسي

سعيّد يلغي العمل بفصول من الدستور التونسي

واصلت الأحزاب التونسية إصدار بيانات ومواقف غاضبة، تنتقد خطوات الرئيس قيس سعيّد، ومن بينها أحزاب التيار الديمقراطي، والتكتل من أجل العمل والحريات، وآفاق تونس والحزب الجمهوري، إثر لقائهم نور الدين الطبوبي، رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل، حيث عبّروا عن «قلقهم البالغ إزاء استمرار الغموض الذي يلف المشهد السياسي، والدفع بالأوضاع نحو مزيد من التصعيد والتشنج. في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تعامل هادئ مع تداعيات الأزمة، التي باتت، حسبهم، تهدد مؤسسات الدولة بالشلل التام».
وفي غضون ذلك أصدر الرئيس سعيد أمس قرارا بإلغاء العمل بأغلب فصول الدستور الحالي في باب السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتكليف لجنة لاعداد التعديلات اللازمة.
ودعا حزب «حراك تونس الإرادة»، الذي يتزعمه الرئيس السابق منصف المرزوقي، الرئيس سعيّد إلى الاستقالة، معتبراً أنه «أصبح يشكل خطراً فعلياً على السلم الأهلي والحريات؛ وذلك بسبب استمراره في مسار انقلابي، وتحريضه المتواصل على مخالفيه وخصومه، بما ينذر بالدخول في مرحلة صدام وقمع للأصوات الرافضة للانقلاب»، بحسب ما تضمنه بيان هذا الحزب.
وأكد البيان، أن ما جاء في خطاب رئيس الجمهورية في سيدي بوزيد (وسط)، «تأكيد على مضيه في الانقلاب، ونيته وضع تنظيم مؤقت للسلط ليعلّق دستور 2014، وهو ما يسقط شرعية الرئيس، ويدعو المؤسسات المعنية بحماية الشرعية والدستور إلى استخلاص النتائج الدستورية المترتبة عن ذلك».
كما انتقد «حراك تونس الإرادة» المشروع السياسي للرئيس سعيد، قائلاً «الرئيس يحمل مشروعاً سياسياً متخلفاً، ومدمراً للنسيج المؤسسي ولمكتسبات الدولة. ومن أجله عطّل المؤسسات الدستورية، ودخل في محاور دولية ساهمت في عزلة الدولة وتعميق أزمتها الاقتصادية».
من جهته، قال خليل الزاوية، رئيس حزب التكتل الديمقراطي لـ«الشرق الأوسط»، إن مختلف الأحزاب تمسكت برفضها لكل دعوات تعليق العمل بالدستور، أو لتمديد العمل بالتدابير الاستثنائية دون أفق، «بما يكرّس الحكم الفردي، ويهدد بعودة الاستبداد، وطالبت بضرورة الإسراع بتكليف رئيس حكومة لمواجهة الملفات الاقتصادية والمالية ذات الأولوية».
بدوره، قال المكتب التنفيذي لحركة النهضة، برئاسة راشد الغنوشي، إن إعلان رئيس الجمهورية عزمه إقرار أحكام انتقالية منفردة، «هو توجّه خطير يهدّد بتفكيك الدولة، وتصميم على إلغاء الدستور، الذي أجمع عليه التونسيون، باعتباره مصدر كل التشريعات».
في غضون ذلك، رجحت بثينة بن كريديس، عضو حملة الرئيس سعيّد، الإعلان عن رئيس حكومة جديد للبلاد خلال الأيام القليلة المقبلة، أو خلال هذا الأسبوع.
ودافعت بن كريديس عن الأحكام الانتقالية، التي سيعتمدها الرئيس لتسيير البلاد. معتبرة أن هذا الإجراء «لا يمثل تعليقاً للعمل بدستور 2014، بقدر ما هو توقيف للعمل ببعض الفصول والأبواب الإشكالية داخله»، على حد تعبيرها. وكشفت بن كريديس عن توجه الرئيس سعيّد نحو التخلي عن العمل البرلماني العادي. مؤكدة عدم إشراكه في هندسة المرحلة الاستثنائية التي تمر بها تونس؛ لأن الرئيس التونسي يعتبر البرلمان عنصراً من العناصر الأساسية للخطر الداهم.
وبخصوص الإبقاء على هذه المؤسسة الدستورية، وعدم حلها حتى الآن، على الرغم من أن لجوء الرئيس إلى تطبيق الفصل 80 من الدستور كان مبنياً على وجود خطر محدق بالبرلمان، قالت المصادر ذاتها، إن الرئيس سعيّد تجنب إلى حد الساعة اتخاذ قرار بحلّه «حتى لا يصنف ذلك انقلاباً على إحدى المؤسسات الدستورية للبلاد»، على حد قولها.
أما بشأن القانون الانتخابي الجديد، الذي سيعلن عنه الرئيس سعيّد، فقد أوضحت بن كريديس، أن التوجه العام يسير نحو تنظيم استفتاء شعبي لإقرار تعديل القانون الانتخابي، وبناء منظومة سياسية جديدة تقطع مع المنظومات التي سادت منذ 2011.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.