«أسبوع لندن» لربيع وصيف 2022 يلعب على مشاعر الرغبة في عودة الحياة والأنوثة

اختتم أمس أسبوع لندن لربيع وصيف 2022 فعالياته مساء الثلاثاء، بحفل خاص في ملهى أنابيل الشهير. كانت مناسبة للقاء والنقاش بعد طول غياب. كما كان احتفالاً بإنجاز مهم يتمثل في تنظيمه نسبة من العروض بشكل حي على الرغم من الصعوبات والمخاوف. فالجدير بالذكر، أنّه إذا كان تلقي دعوة حضور إلى أي عرض أزياء يقتصر سابقاً على النخبة وسعيدي الحظ من العاملين في مجال الموضة، فإنه هذا الموسم كان أكثر تعقيداً وأصعب منالاً. فالحضور لم يحتج فقط إلى أن يكون من فطاحل محرري الأزياء أو عاملاً في مجال من مجالات الموضة المختلفة ليتمكن من دخول ناديها النخبوي، بل عليه أن يُثبت في المقام الأول أنّه يملك جوازاً صحياً بعد تلقيه مرحلتي التلقيح، أو اختباراً سلبياً، وهو ما تلقته الأغلبية بالترحاب.
شبح فيروس كورونا لا يزال يُخيّم على الأجواء، وبالنظر إلى كثافة الحضور في بعض الفعاليات، مثل حفل افتتاح الأسبوع على يد العارضة ناعومي كامبل مساء الخميس الماضي، فإنّ العملية كانت تحتاج إلى هذا الجواز لتطمئن النفوس. فالحماس الذي عمّ أوساط الموضة لحضور عروض حية، بعد 18 شهراً من عروض افتراضية أصابت الكل بالملل والاشتياق للقاء الحي، كان «يحتاج إلى ما يكبحه ويقننه»، حسب قول مصمم القبعات المعروف ستيفن جونز، الذي أضاف بأن «رؤية هذا الحشد الكبير من الحضور من دون كمامات يُثير الخوف والقلق على حد سواء، لكن المطمئن هو معرفتي أن الكل مُلقح».
في كلمتها الافتتاحية صباح يوم الجمعة، طمأنت ستيفاني فير، رئيس مجلس الموضة البريطانية، الجميع ودعتهم لفتح صفحة جديدة قائلة «دعونا نحتفل». جُملة تلقفها الجميع بالحماس، بمن فيهم المصمم الأفغاني الأصل أوسمان يوسف زادة، الذي قال «بعد عام أو أكثر من التأمل والتفكير، نريد الآن أن نحتفل ونستقبل مرحلة جديدة مفعمة بالأمل». فما أكدته الموضة، أو بالأحرى أسابيعها، طوال الـ18 شهراً الأخيرة، أنها «ليست مجرد مناسبة لرؤية الأزياء والاستمتاع بجمالياتها فحسب، بل هي جدل فكري حول مستقبلها وأهميتها الاقتصادية أيضاً»، حسب قول ستيفاني. كان خطابها إشارة واضحة لمعاناة العديد من المصممين في عاصمة مفتوحة على العالم، لا تعترف بالحدود أو اختلاف الجنسيات. عاصمة بنت شهرتها وتشكلت شخصيتها باحتضانها شباباً من كل أنحاء العالم تفتح لهم المجال وتُسهل أمورهم، لكن وفي بداية العام، وجد العديد من هؤلاء المصممين أنفسهم يواجهون صعوبات لم يكن لهم يد فيها. والسبب لا يعود إلى الجائحة فحسب، بل في المقام الأول إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فهذا كان له دور أكبر في الإطاحة بأحلامهم وتعقيد أمورهم. من بين تبعات هذا الخروج كان ارتفاع أسعار الأقمشة والمواد الأولية بالنسبة للذين كانوا يستوردونها من أوروبا، إضافة إلى تعطيل عمليات الإنتاج ولوجيستيات أخرى كثيرة، مثل الشحن وغيرها. اضطر أغلبهم إلى رفع أسعار منتجاتهم لتعويض الخسارة، لكن لا المحال الكبيرة كانت مستعدة لهذا في عز جائحة كورونا، ولا المستهلك فهم الأمر ليجد له تبريراً. وكانت النتيجة الحتمية تراجع مبيعاتهم.
بيد أنّه بعد عام من التذبذبات وإعادة ترتيب الأوراق، بدأ الوضع يتغير للأحسن بشكل حثيث، لكن واثقاً. فقد توصل بعض هؤلاء المصممين إلى وسائل جديدة لتلافي مشاكل «بريكست»، منها البحث عن معامل بريطانية وأنامل ناعمة محلية تطرز أعمالهم كخطوة أولى. المصممة أليس تامبرلي، كانت من بين الذين استبقوا الأمور بنقل كل أعمالها من لندن إلى مسقط رأسها، سومرست، حيث دربت فتيات على التطريز والحياكة استعداداً للوضع المقبل. يوم الأحد قدمت تشكيلة لربيع وصيف 2022 غنية بتطريزات مستوحاة من الآرت ديكو، قالت إنها استوحتها من الكاتبة أغاثا كريستي، التي عاشت مثلها في غرب بريطانيا وتشبعت بطبيعتها وثقافتها.
بيد أنّه على الرغم من هذا التفاؤل والرغبة في الاحتفال بعودة الموضة، من خلال كل وسائل الترفيه والفعاليات المثيرة، التي وفرها مجلس الموضة البريطاني، وعلى الرغم أيضاً من العروض الحية التي بلغت 28 عرضاً، لا يمكن القول إنّ الموضة عادت إلى سابق عهدها، أو أنّ لندن استعادت قوتها. فقد غابت عنها دار بيربري، التي كانت أكثر ما يعطي أسبوعها ثقله وبريقه، كما غابت هذا الموسم فيكتوريا بيكهام، وجي دبليو أندرسون، وماريا كاترانزو، وكريستوفر كاين، في حين اكتفى مصممون آخرون بمعارض يحددون فيها مواعيد الحضور، تفادياً للازدحام مثل أليس تامبرلي، وإميليا ويكستيد وغيرهما. دار ألكسندر ماكوين هي الأخرى غابت عن الأسبوع، لكنّها أعلنت منذ فترة أنّ لندن ستكون مسرح عرضها المقبل، لكن خلال معرض فريز في الشهر المقبل.
في المقابل، فضّل عدد لا يستهان به من المصممين الاكتفاء بعروض افتراضية، إمّا عبر الديجيتال أو معارض يتم تسجيلها وعرضها على مواقعهم الخاصة ووسائل الإنترنت المتنوعة، للحصول على مشاهدة أكبر، لا سيما أنّ أهم سوق يُعولون عليها، ألا وهي الصين، ستبقى غائبة إلى أمد غير مسمى بسبب القوانين الصارمة التي سنّتها الحكومة على السفر؛ وهو ما يجعل الافتراضي أسهل وأضمن للوصول إليهم.
أما اللافت هذا الأسبوع، فهو أنّ المصممين الشباب والجُدد كانوا أكثر حماساً للعرض الحي، مثل نانسي دوجاكا، المصممة الألبانية الأصل التي فازت هذا العام بجائزة «إل في آم آش»، التي تُقدر بـ300.000 يورو، وهاريس ريد، وسول ناش، ويوهان وانغ، وفيبين نولز. يوم الجمعة، مثلاً قدمت دوجاكا، أول عرض لها قائلة «أعتقد أنّ الأدرينالين الذي يبعثه عرض حي، بكل ما يسبقه من تشويق ويتضمنه من إثارة، لا يمكن مقارنته بغيره... نحن الآن نبحث عن هذه الأحاسيس أكثر من أي وقت مضى، فضلاً عن أن الأضواء التي نحصل عليها لا تقدر بثمن ولا يمكن أن تُضاهى بجلسة تصوير مهما كانت فنيتها».
تصاميم دوجاكا المطبوعة بلمسة أنثوية وحسية قوية، ربما تكون جديدة في عروض لندن، التي تتميز عموماً بالجنون ومخاطبة شريحة من الشباب التواق للاختلاف بأي شكل من الأشكال، وإن تطلب هذا الاختلاف الكثير من الغرابة وبعض الجنون. لكن الواضح أن عاشقات الموضة، وبعد 18 شهراً تقريباً من الملابس المنطلقة والمريحة التي تنضوي تحت شعار «السبور»، بتن تواقات لمعانقة أنوثتهن والتأكد من تضاريسهن المحددة التي غابت في موجة التصاميم الواسعة. الصورة تُشبه إلى حد كبير تلك التي شعرت بها المرأة في نهاية الأربعينات من القرن الماضي، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكانت وراء شهرة كريستيان ديور الذي تمرد على التقشف في عام 1947 وأطلق تصاميم فخمة وسخية بأقمشتها المترفة، لقيت حماساً منقطع النظير في جميع أنحاء العالم. الجائحة كما يشبّهها البعض هي بمثابة حرب عشناها ولا نزال نعاني منها، ونريد الخروج منها بأقل الخسائر على كل المستويات، بما فيها الحفاظ على المظهر الأنيق والإحساس بالأنوثة. وهذا تحديداً ما يجعل تصاميم دوجاكا وأليس تامبرلي وإميليا ويكستد ونولز وغيرهن، عز الطلب لشريحة مهمة من النساء. كل هؤلاء المصممات أجمعن، على أن شرط الأنوثة الحالي هو الابتعاد عن الابتذال والمبالغة باعتماد خطوط بسيطة. نولز مصممة أخرى تسبح في التيار الأنثوي نفسه. فهي تركز في تصاميمها على الجزء العلوي من الجسد من خلال الكورسيهات وغيرها من القطع المتنوعة، وهو ما تصفه بتصاميم «تمنح المرأة الأنوثة والقوة في الوقت ذاته؛ ما يجعلها مناسبة لامرأة معاصرة أياً كان عُمرها وذوقها».
وسواء نجح أسبوع لندن لربيع وصيف 2022 في إيقاظ مشاعر الحماس والانبهار أم لا، فإن أكثر ما يُحسب، أنه بقي وفياً لشخصيته الجريئة والمطبوعة بالرغبة في تقديم الجديد من دون خوف من خض التابوهات والمجازفة حتى وإن كان هذا الجديد مثيراً للحواس.