نسيج مبتكر يتيح إنقاذاً سريعاً للبيئة من التسربات النفطية

باحثون من «كاوست» يصممون حصائر مسامية كفوءة لامتصاص النفط

أظهرت الاختبارات سرعة وكفاءة المادة في تنظيف التسربات النفطية على سطح الماء
أظهرت الاختبارات سرعة وكفاءة المادة في تنظيف التسربات النفطية على سطح الماء
TT

نسيج مبتكر يتيح إنقاذاً سريعاً للبيئة من التسربات النفطية

أظهرت الاختبارات سرعة وكفاءة المادة في تنظيف التسربات النفطية على سطح الماء
أظهرت الاختبارات سرعة وكفاءة المادة في تنظيف التسربات النفطية على سطح الماء

في نهايات القرن التاسع عشر بدأ الإنسان في استخدام الوقود الأحفوري ومعه تغيرت كل نواحي حياتنا تقريباً على كوكب الأرض، إذ أصبح كل نظام الطاقة الموجودة لدينا منذ ذلك التاريخ إلى اليوم يدور حول الوقود الأحفوري.

التسرب النفطي
ولكن في مقابل ذلك هناك مخاطر وآثار جانبية سلبية تحيط باستخدام الوقود الأحفوري مثل مشكلة تغير المناخ وكوارث التسرب النفطي. وتُطلَق كمية تُقدَّر بمليون طن متري من النفط في محيطات العالم سنوياً. وفي اتجاه التقليل من آثار التسرب النفطي المدمّرة، توصل باحثون من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) إلى نوع بوليمر يمكن تشكيله في صورة حصيرة قوية وقابلة لإعادة الاستخدام، تُمكِّن من سرعة امتصاص النفط أو الوقود أو المذيبات العضوية المنسكبة على سطح المياه العذبة أو المالحة. ومن شأن البوليمر المسامي في حد ذاته بمساحة مسطحة كبيرة داخلياً أن يكون المادة المثلى لامتصاص التسرب النفطي.
والبوليمرات هي مواد مصنوعة من سلاسل طويلة ومتكررة من الجزيئات، يكون لها خصائص فريدة من نوعها، اعتماداً على نوع وكيفية الترابط فيما بينها.
يقول الدكتور جورجي سيكلي، أستاذ الهندسة الكيميائية المساعد في «كاوست»، الذي قاد البحث: «لا تزال التسربات النفطية تُشكِّل تهديداً عالمياً للموائل البحرية، وصحة الإنسان، وسُبُل العيش. وعلى الرغم من أن أغلب النفط المنسكب يطفو على سطح الماء، فإن نسبة صغيرة منه تنتشر على نحو طبيعي في الماء، مما يؤثر في النظام البيئي البحري، بما في ذلك الأسماك والعوالق»، مضيفاً أن تلك الكوارث البيئية نشأت عنها حاجة ماسَّة إلى اكتشاف مواد امتصاصية فائقة الأداء من أجل القيام بعملية تنظيف سريعة وعالية الكفاءة لسطح البحر.

حصائر مسامية
ولتطوير مادة امتصاصية للنفط ذات فاعلية أكبر، استغلَّ الفريق بوليمر يُسمَّى 6FDA - TrMPD، وهو بوليمر يتمتع بخاصيتين رئيستين مهمتين لامتصاص النفط المنسكب. يوضح الدكتور فوات توبوز -باحث ما بعد الدكتوراه في فريق سيكلي: «المواد التي استخدمناها مسامية بطبيعتها، على عكس أغلب المواد الأخرى التي اقترح الباحثون استخدامها في عملية تنظيف التسربات النفطية». استخدم الفريق عملية تسمى اللف المغزلي الكهربائي -تُجسِّد دوران الجسيم حول نفسه- لتحويل محلول من البوليمر إلى حصائر متينة تحتوي على شبكة واسعة من المسام مدمجة داخل البنية الليفية للبوليمر، وهو ما ينتج مساحة سطح شاسعة تبلغ 565 متراً مربعاً لكل غرام من المادة لغرض امتصاص النفط.
وثانياً، تضمَّنت البنية الجزيئية للبوليمر مجموعات ثلاثي فلورو الميثيل الكارهة للماء، وهو ما جعل الخصائص الامتصاصية للمادة تطرد الماء مع امتصاصها القوي في الوقت ذاته للسوائل غير القطبية، مثل النفط الطافي على سطح الماء.
وعند اختبار تلك المادة، استطاعت تنظيف انسكابات النفط على سطح الماء بسرعة وكفاءة. ففي غضون بضع دقائق من نشر الحصائر، تمكَّنت من امتصاص الانسكابات بقدرة تتراوح بين 25 و56 غراماً من النفط، أو المذيب غير القطبي، لكل غرام من البوليمر. يقول توبوز: «كان الأداء الامتصاصي للمادة أفضل كثيراً من أداء المواد الامتصاصية الأخرى، كما يمكن إعادة تدوير تلك المادة وإعادة استخدامها بأداء مماثل، مما يدل على إمكاناتها الكبيرة في تنظيف انسكابات نفط والمذيبات غير القطبية».
يقول سيكلي: «خطوتنا التالية ستتمثل في معالجة إضافية لتلك المواد لصنع أغشية وإسفنجات ليفية بهدف صنع مواد امتصاصية سهلة الاسترداد مع الحفاظ على أدائها العالي». ويطوِّر الفريق أيضاً في الوقت الراهن مواد امتصاصية مصنوعة من بوليمرات مأخوذة من مصادر مستدامة، ويسعى في الوقت ذاته لتوسيع نطاق الملوثات التي يمكن لتلك المواد التقاطها كي تشمل إزالة الملوثات العضوية الدقيقة والمعادن الثقيلة من الماء.


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً