علماء يلعبون دور الإنسان البدائي لاكتشاف آلية اصطياده الطيور

علماء يلعبون دور الإنسان البدائي لاكتشاف آلية اصطياده الطيور
TT

علماء يلعبون دور الإنسان البدائي لاكتشاف آلية اصطياده الطيور

علماء يلعبون دور الإنسان البدائي لاكتشاف آلية اصطياده الطيور

انقرض الإنسان البدائي «إنسان نياندرتال» منذ 40 إلى 35 ألف سنة، وتعلم العلماء المزيد عنه، بما في ذلك ثقافته وبيئته ونظامه الغذائي، وتحكمه في النار، بل وحتى الشفرة الجينية الخاصة به، لكن باحثين من المتحف الوطني للعلوم الطبيعية في مدريد، استخدموا نهجا علميا يعتمد على ما يعرف بـ«لعب الأدوار العلمي»، لإعادة بناء عنصر جديد في سلوك الإنسان البدائي، وهو كيفية اصطياده لأحد طيور عائلة الغراب من داخل الكهوف ليلا باستخدام النار وبعض الأدوات الخاصة، ونشروا نتائجهم أول من أمس في دورية «فورنتيرز إن إيكولوجي آند إيفليويشن».
والمعروف أن «نياندرتال» أكل النباتات والفطريات والمحار وأكواز الصنوبر المشوية ولحم الدلافين التي تقطعت بها السبل، واصطاد الثدييات بمجموعة من التقنيات، وهناك أيضاً أدلة متزايدة على أنه اصطاد الطيور الطائرة بانتظام، مثل الطيور الجارحة والحمام وطائر الزمت أو الغراب الأعصم، وهو من عائلة الغرابيات.
وتعد أحافير «الغراب الأعصم» من بين أحافير الطيور الأكثر وفرة الموجودة في الكهوف التي عاش فيها الإنسان البدائي بشبه الجزيرة الأيبيرية على وجه الخصوص، وغالباً ما تحتوي الحفريات على آثار للقطع بواسطة ما تسمى بالأدوات الحجرية «موستيرية»، التي أنتجها نياندرتال منذ ما بين 300 ألف و35 ألف عام.
ويوجد حاليا 185 مأوى لهذا النوع من الطيور تم تحديدها في جميع أنحاء إسبانيا، وكان ثلثها تقريباً موجوداً داخل الكهوف والشقوق والصدوع، وهو ما أوحى للفريق البحثي بتجربة نوع من «تمثيل الأدوار» العلمي للعثور على أفضل طريقة للقبض على هذه الطيور من خلال التجربة والخطأ.
وفي فرق مكونة من شخصين إلى عشرة أشخاص، تسلل العلماء الممثلون ليلاً إلى مواقع مأوى هذه الطيور بشبكات حبل وسلالم ومصابيح لتقليد المشاعل، وهي جميع الأدوات التي ربما استطاع إنسان نياندرتال صنعها، وسجلوا خصائص أماكن مأوى هذه الطيور، والاستراتيجية التي استخدموها والأدوات المستخدمة، ورد فعل الطيور، وعدد الطيور التي تم القبض عليها، ففي 296 تجربة أجريت في 70 مأوى، تمكن الباحثون من التقاط 5 آلاف و525 طائرا، وتم إطلاق سراح الطيور دون أن تصاب بأذى.
يقول الباحث المشارك بالدراسة أنطونيو سانشيز ماركو في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لدار نشر فورنتيرز بالتزامن مع نشر الدراسة: «نستنتج أن طيور النياندرتال كانت معرضة بشكل فريد للإنسان البدائي إذا استخدم الضوء الاصطناعي، مثل النار، في الكهوف ليلا، ونظهر أنه عندما تتفاجأ الطيور بالضوء، تحاول الهروب إلى الخارج، وفي هذه الحالة يمكن الإمساك بها بالشباك عبر مدخل الكهف، أو تهرب إلى السقف، حيث يمكن في هذه الحالة الإمساك بها باليد، ويمكن للصيادين المهرة اصطياد ما بين 40 إلى 60 طائراً في الليلة بسهولة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».