المواقع السعودية تسجل حضوراً لافتاً في قوائم الـ«يونيسكو»

تراث متنوع يعكس تميزاً ديموغرافياً فريداً

تشكل الآثار الموجودة في مدائن صالح أعجوبة هندسية فريدة (واس)
تشكل الآثار الموجودة في مدائن صالح أعجوبة هندسية فريدة (واس)
TT

المواقع السعودية تسجل حضوراً لافتاً في قوائم الـ«يونيسكو»

تشكل الآثار الموجودة في مدائن صالح أعجوبة هندسية فريدة (واس)
تشكل الآثار الموجودة في مدائن صالح أعجوبة هندسية فريدة (واس)

تزخر السعودية بكم هائل من مواقع التراث التي تعكس تاريخها الطويل المتنوع، وقد سُجلت العديد من هذه المواقع التاريخية في قوائم منظمة اليونيسكو بشكلها المادي وغير المادي؛ وهو ما يعكس التنوع التاريخي والديموغرافي التي تحظى به السعودية في مناطقها كافة.
وكانت جزيرة «فرسان» أحدث ما سجل في اليونيسكو لبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي، لتكون أول محمية طبيعية في السعودية يتم تسجيلها في البرنامج؛ وذلك نظراً لتضاريسها الطبيعية المميزة والتنوع البيئي والحياة الفطرية النادرة بها.

التراث المادي
أول تلك المواقع والتي لفتت انتباه العالم هي منطقة تسمى «الحِجر»، ويعود عمرها للقرن الخامس قبل الميلاد عندما أسسها الأنباط وبقيت شاهدة على حضارتهم حتى اليوم. وقد سجلتها اليونيسكو في 2008 لتكون أولى الآثار السعودية المسجلة هناك.
كذلك، تم تسجيل حي الطريف الذي يعود تاريخ إنشائه إلى القرن الخامس عشر، وكان النواة الأولى لتأسيس قرية «الدرعية» - مدينة الأسرة الحاكمة في السعودية - في القائمة عام 2010؛ نظراً لما يتميز به من أسلوب معماري (النجدي) الذي تفرد به الحي وسط الجزيرة العربية.
وفي الجهة الغربية من السعودية، سُجّل في عام 2014 موقع «جدة التاريخية» ضمن القائمة، وهو يعكس أسلوب الحياة قديماً في الحجاز والتصاميم المعمارية الفريدة التي تتميز بها المدينة القديمة 2014.
أما رابع المواقع ففي جبال الشويمس وجبة والمنجور بمدينة حائل شمال المملكة، حيث الرسومات الصخرية التي يعود تاريخاً إلى أكثر من 10 آلاف عام وتم تسجيل الموقع على القائمة في عام 2015. وتعد «واحة الأحساء» الواقعة شرق السعودية والتي سُجلت في القائمة في عام 2018 أكبر واحة طبيعية للنخيل في العالم، حيث تضم أكثر من 3 ملايين نخلة منتجة لأجود أنواع التمور، وكانت مورداً اقتصادياً مهماً تغذي به بلاد الشام ومصر والرافدين قديماً. وفي طريق تمتد بين 6 آبار صخرية في نجران جنوب السعودية، يوجد أكثر من 13 موقعاً تحتوي على رسوم مميزة لمناظر رعي وصيد إضافة إلى أشكال أدمية عمرها أكثر من 7000 عام؛ مما دعم تسجيلها في القائمة في 2021.

التراث غير المادي
وتتنوع الآثار غير المادية في السعودية؛ نظراً للاختلاف الديموغرافي المتميز بها، حيث تزخر المنطقة بالعديد من الثقافات المختلفة مما خلق تنوعاً فريداً في الآثار غير المادية المسجلة. ويعد المجلس أبرز ما في القائمة؛ كونه مهماً للتواصل الاجتماعي ومكاناً لأداء الواجبات الاجتماعية من استقبال الضيوف وحفلات الزفاف وغيرها من المناسبات الاجتماعية، بالإضافة إلى كونه مكاناً مهماً لحل النزاعات وتوضيح الحقوق.
ولا يخلو المجلس من القهوة العربية، والتي تم تسجيلها بالقائمة كذلك؛ نظراً لكونها رمزاً للكرم العربي، والتي ترافقها بروتوكولات قبلية فريدة عدة، جعلت منها ظاهرة اجتماعية مهمة في السعودية. وفي وقتَي الحرب والسلم، تجد حضور رقصة «العرضة النجدية» التي سُجلت هي كذلك، كونها تمتلك أسلوباً مميزاً في قصائدها التي تتلى بصوت عالٍ، وتلويح للسيوف يرافقها ارتداء زي شعبي خاص يعكس الهوية النجدية بشكل كامل.
وفي الحجاز، سجلت رقصة «المزمار» والتي تؤدى باستخدام العصي على إيقاع الطبول، وتمارس في المناسبات الاجتماعية المختلفة وتتكون من صفين متقابلين، ويشارك بها من 20 إلى 100 رجل في وقت واحد.
ومن أهم الهوايات في شبة الجزيرة العربية هي «الصقارة» والتي تعنى بتربية الصقور والاعتناء بها واستخدامها للصيد، كما يعد الصقر رمزاً عربياً أصيلاً يعتزون به ويتفاخرون بامتلاكه.
ويعد «القط العسيري» أحد أهم الفنون التجريدية المسجلة في القائمة، حيث يتميز بألوانه الزاهية المنتشرة على منازل منطقة عسير كجزء من الزينة، والتي يتم رسمها بأشكال هندسية مختلفة تتشكل فيها العديد من الرسومات المميزة.
وسجلت القائمة «السدو»، وهو أحد أنواع النسيج المطرز الذي ينتشر في التقاليد القديمة في السعودية، حيث كان جزءاً مهماً في صناعة الخيام، ويُستخدم فيه وبر الجمال أو شعر الماعز أو صوف الغنم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».