أوزبكستان... بلد تجديد الروابط والتاريخ

أطلق عليها العرب بلاد ما وراء النهر

مدرسة كوكلداش التاريخية الواقعة على حافة تشارسو بازار
مدرسة كوكلداش التاريخية الواقعة على حافة تشارسو بازار
TT

أوزبكستان... بلد تجديد الروابط والتاريخ

مدرسة كوكلداش التاريخية الواقعة على حافة تشارسو بازار
مدرسة كوكلداش التاريخية الواقعة على حافة تشارسو بازار

تسعى أوزبكستان وهي إحدى جمهوريات دول آسيا الوسطى، التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي قبل نحو 30 عاماً، إلى الانفتاح بشكل أكبر على العالم، وتجديد روابطها بالعالم الإسلامي تحديداً عبر موروث ديني وتاريخي وثقافي مشترك كبير.
وحسب الرئيس الأوزبكي شوكت ميرزيوييف، فإنّ بلاد ما وراء النهر كانت موطناً للعلماء والمفكرين الذين ساهموا في تطوير الثقافة للعالم الإسلامي.
وأطلق العرب المسلمون اسم «بلاد ما وراء النهر» على جزء من آسيا الوسطى، تشمل أوزبكستان وجزء الجنوب الغربي من كازاخستان والجزء الجنوبي من قيرغيزستان، عندما فتحوا تلك المنطقة في القرن الهجري الأول إشارة إلى النهرين العظيمين اللذين يحدّانها شرقاً وغرباً: نهر سيحون ونهر جيحون.
وأوضح ميرزيوييف في كلمة له أمام محافظي الدول الإسلامية الأعضاء في مجموعة البنك الإسلامي للتنمية في العاصمة طشقند مطلع سبتمبر (أيلول) الحالي، أنّ أوزبكستان ستواصل تقاليد الأجداد. وأضاف: «اليوم نواصل تقاليد أجدادنا ونحقق أعمالاً كبيرة، حيث أسسنا مركز علم الحديث الدولي، بلادنا مركز للحضارة والعلوم، بلاد ما وراء النهر موطن العلماء والمفكرين الذين ساهموا في تطوير الثقافة للعالم الإسلامي».
وعرّج الرئيس الأوزبكي على عدد من الأسماء التي أسهمت في الحضارة الإسلامية والعالمية ومن أشهرها، الزمخشري الذي أسهم في تطوير النحو واللغة العربية، والخوارزمي وهو أول من أدرج الصفر، ومادة الجبر، والإمامان البخاري والترمذي.
وكشف الرئيس أنّ بلاده في إطار سعيها لتجديد روابطها بسيرة الأجداد، أسّست في عام 2020 فقط 56 مدرسة للرياضيات، و28 مدرسة للكيمياء، و14 مدرسة للتكنولوجيا. وقال إن «تاريخ منطقتنا يربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب؛ ونهدف إلى تعزيز الربط البيني بين دول آسيا وتطوير ممرات نقل جديدة».
وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» في العاصمة الأوزبكية طشقند، مررنا بسوق تشارسو بازار القديم في الطرف الجنوبي من البلدة القديمة، (وتشارسو تعني الأنهار الأربعة)، الذي يشتهر ببيع الأزياء التراثية الأوزبكية القديمة، بالإضافة إلى التوابل والحبوب والفواكه ومنتجات الألبان.
وتنقسم العاصمة طشقند إلى قسمين: المدينة الجديدة التي أسسها الاتحاد السوفياتي (سابقاً) وفيها المباني الحديثة، والمدينة القديمة التي يعيش بها السكان الأوزبك، كما تفصلها الأنهار إلى قسمين.
ومن أهم المدن الأوزبكية،: سمرقند، وبخارى، وفرغانة، وطشقند، وخوارزم، ومرو، وترمذ، وهي أسماء تدل على أعلام لهم مكانتهم في التاريخ، مثل: الخوارزمي، والفارابي، والبخاري، والترمذي، وابن سينا، والجرجاني، والسجستاني، والبيروني.
وتقع على حافة تشارسو بازار مدرسة كوكلداش التاريخية، التي بُنيت في القرن الخامس عشر الميلادي، وتُدرّس فيها علوم القرآن والحديث والفقه والعقيدة، ومن أبرز علمائها خوجا إخرار والي وهو عالم دين متصوف.
ولدى أوزبكستان واحد من أفضل اقتصادات العالم أداءً في السنوات الأخيرة، وفقاً للصندوق الدولي للتنمية الزراعية. وتشكل الاستثمارات الحكومية وصادرات الغاز الطبيعي والذهب والقطن القوة الرئيسية الدافعة للنمو.
ويعيش 64% من سكان البلاد الذين يزيد عددهم على 31 مليون نسمة، في المناطق الريفية. ويكسب نحو ثلثي هؤلاء السكان عيشهم من الزراعة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».