الحكومة أمام تحدي رفع المعاناة وتأمين انتقال السلطة

TT

الحكومة أمام تحدي رفع المعاناة وتأمين انتقال السلطة

تنظر أكثرية اللبنانيين إلى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، الرابعة (الأخيرة) في عهد الرئيس ميشال عون، على أنها «فن الممكن»، وأقل من المطلوب، وأن وجودها أفضل من استمرار حكومة تصريف الأعمال، برئاسة حسان دياب، وإنما ليس من باب الموازنة بينهما بمقدار ما أنها تعيد الاعتبار إلى مشروع الدولة، من خلال إيجاد المرجعية القادرة على مخاطبة المجتمع الدولي، وطلب توفير المساعدة لإخراج لبنان من أزماته غير المسبوقة، بإحياء الإدارات العامة وإنقاذها، بسبب إصرار عون على أن يدير البلد من دون مشاركة الآخرين.
ومن السابق لأوانه إصدار الأحكام على الحكومة قبل أن تنال ثقة البرلمان على أساس بيانها الوزاري، أو البحث عن الحصة الوزارية لهذا الطرف أو ذاك، انطلاقاً من تحديد الجهة التي حصلت على «الثلث الضامن»، مع أن ميقاتي يجزم بأنه لا ثلث ضامناً لأحد، ويؤكد -كما يُنقل عنه- الانصراف إلى توفير الحد الأدنى من احتياجات اللبنانيين لرفع المعاناة عنهم، شرط أن تُمنح حكومته فترة سماح محدودة، وليست مفتوحة، لأنهم لا يحتملون التأخير، ومن غير الجائز أن تعالج مشكلاتهم بالوعود غير القابلة للتنفيذ.
فالحكومة الميقاتية ولدت بشق النفس، ولم ترَ النور -كما يقول مصدر سياسي بارز لـ«الشرق الأوسط»- لو لم يرتفع منسوب الضغوط الدولية التي مورست على الأطراف التي كانت تعيق ولادتها، وتحديداً عون ووريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي اضطر للدخول على خط تذليل العقبات، في محاولة للحصول على شهادة «حسن سلوك» من فرنسا، لعلها تبعد عنه شبهة تعطيل تأليفها، وتفتح الباب أمام إسقاط العقوبات الأميركية المفروضة عليه.
ويلفت المصدر إلى أن اللون «الرمادي» لعدد من الوزراء لا يعني أن هناك إمكانية لاستمالتهم من قبل عون وباسيل لضمان حصولهما على الثلث الضامن، ويعزو السبب إلى وجود ضمانة دولية بأنه لا مكان لهذا الثلث في التركيبة الوزارية، وأن من يدعي حصوله عليه يحاول أن «يرشي» جمهوره بأنه لم يرضخ للضغوط، وأنه حقق ما كان يطمح إليه من وراء إفراجه عن التشكيلة الوزارية.
ويؤكد أن هناك رعاية دولية للحكومة، انطلاقاً من تقدير المجتمع الدولي أن لبنان يرزح حالياً تحت وطأة الانفجار الشامل، ولم يعد في مقدوره الصمود في وجه تدحرج الانهيار نحو الفوضى والفلتان الأمني والسياسي إلى حين توفير الحلول للمنطقة، ويقول إنه أعاد النظر في مواقفه بعد أن اكتشف أن هناك صعوبة في إعادة تركيبته، في حال تقرر تركه يواجه مصيره من دون تدخل خارجي.
ويرى أن ميقاتي يقف الآن أمام مهمة مزدوجة صعبة في آن واحد، ويقول إنه من غير الجائز القول إن حكومته ولدت بأي ثمن وبلا شروط، لأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بات في حاجة ماسة لتشكيلها لحفظ ماء الوجه، بعد أن أطاح عدد من الأطراف اللبنانية بمبادرته لإنقاذ لبنان.
ويضيف المصدر نفسه أن المبادرة الفرنسية ستلاحق حكومة ميقاتي لسؤالها عن مصير الإصلاحات المالية والإدارية لأنها تشكّل الممر الإلزامي للحصول على المساعدات الدولية، فيما يعطي الأولوية لإعادة تصحيح علاقات لبنان بعدد من الدول العربية، وتحديداً الخليجية منها، بعد أن دمّرها «العهد القوي» بانحيازه إلى محور دول «الممانعة»، بقيادة إيران، ويؤكد أن الحكومة ولدت بغطاء دولي، وبموافقة إيرانية جاءت ثمرة الاتصال الذي أجراه ماكرون بنظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، على الرغم من أن «حزب الله» لم يبادر إلى تشغيل محركاته باتجاه عون وباسيل لئلا يوقع نفسه في إحراج مع حليفيه.
ويكشف أن الرافعة الأميركية والفرنسية للحكومة كانت وراء تسليم عون وباسيل بحكومة «الأمر الواقع»، بعد أن أدرك عون أن عهده أخفق في تحقيق أي إنجاز سوى أنه وفي بوعده بذهاب اللبنانيين إلى جهنم.
ويقول المصدر نفسه إن حكومة ميقاتي أمام اختبار جدّي من قبل المجتمع الدولي، بعد أن أحجم عن مساعدة لبنان لعدم وجود المرجعية التي يُفترض أن يتعامل معها، وغياب الإدارة الموثوقة لتوظيف المساعدات لوقف الانهيار، ويؤكد أن مجرد تشكيل الحكومة سيدفع المجتمع الدولي إلى مد يد العون للبنان لأنه يجد صعوبة في إعادة تركيبه إذا تركه ينهار كلياً.
ويلفت إلى أن الحكومة العتيدة ستتحرك على خطين متلازمين: الأول يتعلق بتأمين الانتقال السلمي للسلطة فور انتهاء ولاية عون، بدءاً بتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها في ربيع 2022، ليكون في وسع المجلس النيابي الجديد انتخاب الرئيس الذي سيخلف عون.
ويضيف أن تأمين الانتقال السلمي للسلطة يتطلب إعادة انتظام المؤسسات الدستورية التي أطاح بها عون، على خلفية إصراره على أن يدير البلد وحيداً، بمصادرة حق الآخرين في المشاركة، وهذا ما برز من خلال إمعانه في تجاوز اتفاق الطائف، وصولاً إلى تعديله بالممارسة لصعوبة تعديله في النصوص.
أما الخط الثاني الذي سيتحرك على أساسه ميقاتي فيكمن -بحسب المصدر نفسه- في توفير شروط الصمود للبنانيين، ورفع المعاناة عنهم، وهذا لن يتحقق إلا بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي لتأمين المؤونة المالية لتغطية كلفة اعتماد البطاقة التموينية لمساعدة العائلات اللبنانية الأشد فقراً، خاصة أن ما أقرته اللجان النيابية في هذا الخصوص بقي حبراً على ورق لافتقاده إلى هذه المؤونة.
كذلك سيتعاطى المجتمع الدولي مباشرة مع رئيس الحكومة، ومن خلاله مع الوزراء المعنيين، باعتبار أن ميقاتي يمثل المرجعية القادرة على تهيئة الأجواء لتوفير المساعدات الدولية للبنان، بعد أن استنكف عن التعاطي مع عون، وحصر مساعداته بالهيئات والمنظمات العاملة في المجتمع المدني والقوى الأمنية، وعلى رأسها الجيش، باعتبار أنها صمام الأمان للحفاظ على الاستقرار، ومنع التفلُّت الأمني جراء الضائقة الاقتصادية والمعيشية.
فإحجام المجتمع الدولي عن تقديم المساعدات من خلال الحكومة المستقيلة أو عون يعود إلى أن الأخير فقد دوره في التوفيق بين اللبنانيين، ولم يعد موضع إجماع، بل يطلق -كما يقول رئيس حكومة سابق فضل عدم ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط»- الشعارات الشعبوية، ويصدر البيانات التي كانت وراء إقحام البلد في مزيد من الاحتقان الشعبي.
لذلك، فإن الحكومة لن تنتظر طويلاً للتوجه خارجياً لإيجاد الحلول لأزمة المحروقات والكهرباء والدواء والمستلزمات الطبية لضمان بقاء البلد على قيد الحياة شرطاً لإجراء الانتخابات النيابية التي تعوّل عليها الدول الأوروبية والولايات المتحدة لإحداث تغيير يدفع باتجاه إعادة تكوين السلطة.
ويبقى السؤال: هل ينجح ميقاتي في استعادة ثقة اللبنانيين بدولتهم لأن ثقة البرلمان بالحكومة مضمونة، لكنها لن تقدّم أو تؤخّر في إحداث تغيير لدى الشارع والمنتفضين على واقع الحال السياسي، وتحميلهم المنظومة الحاكمة مسؤولية الانهيار الحاصل، وإن كان المطلوب منح الحكومة فرصة ليست مديدة لاختبار مدى جديتها في ترجمة أقوالها إلى أفعال، شرط ألا تصاب بالعدوى التي أصابت الحكومات السابقة التي تتحمل مسؤولية انهيار البلد.



السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
TT

السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية نموذج لتكامل التعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي، وبين مصر والمملكة خصيصاً. وأضاف: «كما يعد المشروع نموذجاً يحتذى به في تنفيذ مشروعات مماثلة مستقبلاً للربط الكهربائي»، موجهاً بإجراء متابعة دقيقة لكافة تفاصيل مشروع الربط الكهربائي مع السعودية.

جاءت تأكيدات السيسي خلال اجتماع مع رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزيري الكهرباء والطاقة المتجددة، محمود عصمت، والبترول والثروة المعدنية، كريم بدوي. وحسب إفادة لـ«الرئاسة المصرية»، الأحد، تناول الاجتماع الموقف الخاص بمشروعات الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، في ظل ما تكتسبه مثل تلك المشروعات من أهمية لتعزيز فاعلية الشبكات الكهربائية ودعم استقرارها، والاستفادة من قدرات التوليد المتاحة خلال فترات ذروة الأحمال الكهربائية.

وكانت مصر والسعودية قد وقعتا اتفاق تعاون لإنشاء مشروع الربط الكهربائي في عام 2012، بتكلفة مليار و800 مليون دولار، يخصّ الجانب المصري منها 600 مليون دولار (الدولار يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية). وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، خلال اجتماع للحكومة، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن خط الربط الكهربائي بين مصر والسعودية سيدخل الخدمة في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) المقبلين. وأضاف أنه من المقرر أن تكون قدرة المرحلة الأولى 1500 ميغاواط.

ويعد المشروع الأول من نوعه لتبادل تيار الجهد العالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من مدينة بدر في مصر إلى المدينة المنورة مروراً بمدينة تبوك في السعودية. كما أكد مدبولي، في تصريحات، نهاية الشهر الماضي، أن مشروع الربط الكهربائي مع السعودية، الذي يستهدف إنتاج 3000 ميغاواط من الكهرباء على مرحلتين، يعد أبرز ما توصلت إليه بلاده في مجال الطاقة.

وزير الطاقة السعودي يتوسط وزيري الكهرباء والبترول المصريين في الرياض يوليو الماضي (الشرق الأوسط)

فريق عمل

وفي يوليو (تموز) الماضي، قال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، خلال لقائه وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، في الرياض، إن «هناك جهوداً كبيرة من جميع الأطراف للانتهاء من مشروع الربط الكهربائي المصري - السعودي، وبدء التشغيل والربط على الشبكة الموحدة قبل بداية فصل الصيف المقبل، وفي سبيل تحقيق ذلك فإن هناك فريق عمل تم تشكيله لإنهاء أي مشكلة أو عقبة قد تطرأ».

وأوضحت وزارة الكهرباء المصرية حينها أن اللقاء الذي حضره أيضاً وزير البترول المصري ناقش عدة جوانب، من بينها مشروع الربط الكهربائي بين شبكتي الكهرباء في البلدين بهدف التبادل المشترك للطاقة في إطار الاستفادة من اختلاف أوقات الذروة وزيادة الأحمال في الدولتين، وكذلك تعظيم العوائد وحسن إدارة واستخدام الفائض الكهربائي وزيادة استقرار الشبكة الكهربائية في مصر والسعودية.

ووفق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، الأحد، فإن اجتماع السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول تضمن متابعة مستجدات الموقف التنفيذي لمحطة «الضبعة النووية»، في ظل ما يمثله المشروع من أهمية قصوى لعملية التنمية الشاملة بمصر، خصوصاً مع تبنى الدولة استراتيجية متكاملة ومستدامة للطاقة تهدف إلى تنويع مصادرها من الطاقة المتجددة والجديدة، بما يسهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وأكد السيسي أهمية العمل على ضمان سرعة التنفيذ الفعال لمشروعات الطاقة المختلفة باعتبارها ركيزة ومحركاً أساسياً للتنمية في مصر، مشدداً على أهمية الالتزام بتنفيذ الأعمال في محطة «الضبعة النووية» وفقاً للخطة الزمنية المُحددة، مع ضمان أعلى درجات الكفاءة في التنفيذ، فضلاً عن الالتزام بأفضل مستوى من التدريب وتأهيل الكوادر البشرية للتشغيل والصيانة.

وتضم محطة الضبعة، التي تقام شمال مصر، 4 مفاعلات نووية، بقدرة إجمالية تبلغ 4800 ميغاوات، بواقع 1200 ميغاوات لكل مفاعل. ومن المقرّر أن يبدأ تشغيل المفاعل النووي الأول عام 2028، ثم تشغيل المفاعلات الأخرى تباعاً.

جانب من اجتماع حكومي سابق برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)

تنويع مصادر الطاقة

وتعهدت الحكومة المصرية في وقت سابق بـ«تنفيذ التزاماتها الخاصة بالمشروع لإنجازه وفق مخططه الزمني»، وتستهدف مصر من المشروع تنويع مصادرها من الطاقة، وإنتاج الكهرباء، لسد العجز في الاستهلاك المحلي، وتوفير قيمة واردات الغاز والطاقة المستهلكة في تشغيل المحطات الكهربائية.

وعانت مصر من أزمة انقطاع للكهرباء خلال أشهر الصيف، توقفت في نهاية يوليو الماضي بعد توفير الوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية. واطلع السيسي خلال الاجتماع، الأحد، على خطة العمل الحكومية لضمان توفير احتياجات قطاع الكهرباء من المنتجات البترولية، وانتظام ضخ إمدادات الغاز للشبكة القومية للكهرباء، بما يحقق استدامة واستقرار التغذية الكهربائية على مستوى الجمهورية وخفض الفاقد.

ووجه بتكثيف الجهود الحكومية لتعزيز فرص جذب الاستثمارات لقطاع الطاقة، وتطوير منظومة إدارة وتشغيل الشبكة القومية للغاز، بما يضمن استدامة الإمدادات للشبكة القومية للكهرباء والقطاعات الصناعية والخدمية، وبتكثيف العمل بالمشروعات الجاري تنفيذها في مجال الطاقة المتجددة، بهدف تنويع مصادر إمدادات الطاقة، وإضافة قدرات جديدة للشبكة الكهربائية، بالإضافة إلى تطوير الشبكة من خلال العمل بأحدث التقنيات لاستيعاب ونقل الطاقة بأعلى كفاءة وأقل فقد.