تباين أوروبي في تدابير العودة المدرسية وسط استقرار وبائي هش

احتدام الجدل حول إلزامية الكمامات واللقاح

مدرّسة تقيس درجة حرارة تلميذ في مدريد يوم الثلاثاء (أ.ب)
مدرّسة تقيس درجة حرارة تلميذ في مدريد يوم الثلاثاء (أ.ب)
TT

تباين أوروبي في تدابير العودة المدرسية وسط استقرار وبائي هش

مدرّسة تقيس درجة حرارة تلميذ في مدريد يوم الثلاثاء (أ.ب)
مدرّسة تقيس درجة حرارة تلميذ في مدريد يوم الثلاثاء (أ.ب)

شاهد معلم اللغة الإنجليزية ريتشارد شريف الأسبوع الماضي مجموعة من الأطفال النشطين في سن الحادية عشرة يدخلون مدرستهم الثانوية الجديدة لأول مرة، يبحثون عن فصولهم الدراسية، ويأكلون في الكافيتريا، ويتسابقون عدوا حول القاعات.
قال شريف، رئيس مجموعة من المدارس الابتدائية والثانوية في منطقة «يوركشير»، لوكالة «أسوشيتد برس» إن الطقوس المألوفة لعودة المدارس إلى الحياة جاءت مؤثرة بعد عام ونصف العام من الاضطراب الناجم عن جائحة فيروس «كورونا». لكن ناهيك عن الشعور بالارتياح، فقد كان لديه شعور جديد هذا العام هو «الخوف».
جاءت بداية عام دراسي جديد في العديد من دول نصف الكرة الشمالي بالتزامن مع استقرار هش في الوضع الوبائي، إذ يستمر متغير «دلتا» شديد العدوى في زيادة حالات الإصابة بفيروس «كورونا» خاصة بين الأطفال، وغالبيتهم غير مؤهلين بعد للتطعيم.
رغم ذلك، فإن العديد من الحكومات، بما في ذلك الحكومة البريطانية، تبدو عازمة على إعادة الأطفال إلى الفصول الدراسية بعد 18 شهراً من الإغلاق والتعلم عن بُعد وهجر قاعات الامتحان. أغلقت المدارس في المملكة المتحدة أبوابها مرتين لمدة ثلاثة أشهر منذ أوائل عام 2020، وتم إلغاء امتحانات نهاية العام الرئيسية لمدة عامين متتاليين، مما أدى إلى حدوث فوضى في القبول الجامعي.
وفيما اختارت دول أوروبية الاستمرار في فرض بعض القيود على المدارس، فإن حكومة المحافظين برئاسة بوريس جونسون تدفع هذا العام بشيء يقترب من الوضع الطبيعي قبل الوباء. فقد ألغت الحكومة البريطانية أوامر التباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة، ولم تعد تطالب وضع جموع التلاميذ في «فقاعات» للحد من انتشار الفيروس. بدلا من ذلك، تقول الحكومة إنه يجب فحص الطلاب بانتظام، وستحصل المدارس على إرشادات بشأن تحسين التهوية داخل الفصول.
اعترف السياسيون ومجموعة العلماء الذين يقدمون المشورة للحكومة بأنها مقامرة، حيث قالت المجموعة الاستشارية العلمية لحالات الطوارئ في أغسطس (آب) إنه «من المحتمل جداً أن تظهر زيادات هائلة في إصابات (كورونا) بين الملتحقين بالمدارس بعد إعادة افتتاحها». وذهبت مجموعة منفصلة من العلماء الذين غالباً ما ينتقدون استجابة الحكومة البريطانية للوباء إلى أبعد من ذلك، ووصفوا الخطة بـ«المتهورة». لكن وزير التعليم غافين ويليامسون قال إن إجراء اختبارات «كورونا» المعملية سيساعد في إنهاء الأزمة، ودافع عن استراتيجية الحكومة باعتبارها تحقق «توازناً معقولاً».
تسجّل بريطانيا التي رفعت تقريباً جميع القيود الوبائية على الأعمال التجارية والتواصل الاجتماعي في يوليو (تموز)، أعلى معدلات فيروس كورونا في أوروبا، مع ما يزيد على 30 ألف إصابة مؤكدة جديدة كل يوم. ولا تزال حالات الاستشفاء والوفيات أقل بكثير مما كانت عليه خلال الزيادات السابقة، وذلك بفضل حملة التلقيح التي شهدت تلقي ما يقرب من 80 في المائة من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 16 عاماً لتطعيم كامل. لكن بريطانيا لا تزال تسجل في المتوسط نحو 100 حالة وفاة بسبب فيروس كورونا كل يوم.
على عكس المملكة المتحدة، تحافظ إيطاليا وإسبانيا على التباعد الاجتماعي والأقنعة للطلاب والموظفين. تطلب إيطاليا أيضاً من المعلمين إظهار دليل على التطعيم أو اختبار فيروس كورونا السلبي الأخير، كما تفعل تركيا واليونان.
وفي فرنسا، حيث عاد الطلاب إلى المدرسة الأسبوع الماضي، يتعين على التلاميذ في سن السادسة وما فوق ارتداء أغطية الوجه، وستتم إعادة فصول المدرسة الابتدائية كاملة إلى المنزل حال كانت نتيجة اختبار أحد الأطفال إيجابية.
وفي الوقت نفسه، في دول البلقان التي تعد من بين أفقر دول أوروبا، أدى انخفاض معدلات التطعيم وتزايد حالات تفشي المرض إلى صعوبة إعادة الأطفال إلى الفصل الدراسي بعد عام ونصف.
وفي كوسوفو، حيث ارتفع المعدل الأسبوعي للحالات الجديدة بأكثر من عشرة أضعاف بين يوليو (تموز) وأغسطس (آب)، تم تأجيل بدء العام الدراسي لمدة أسبوعين حتى 13 سبتمبر (أيلول). كما أجّلت ألبانيا المجاورة الدراسة، وأمرت الحكومة بفرض تلقيح إلزامي. تم تطعيم ثلث سكان ألبانيا فقط، وأقل من 20 في المائة من سكان كوسوفو، بشكل كامل.
حتى في البلدان ذات معدلات التلقيح المرتفعة، تدق أجراس الإنذار في المناطق التي عادت فيها المدارس بالفعل. فقد شهدت اسكوتلندا ارتفاع حالات الإصابة إلى أعلى مستوى حتى الآن في الوباء منذ إعادة فتح المدارس في منتصف أغسطس. وتقيد إسرائيل، حيث استؤنفت الدراسة الأسبوع الماضي كذلك، الطلاب في المناطق ذات معدلات الإصابة الأعلى بالتعلم من خلال الإنترنت في الوقت الحالي.
أما في ولاية شمال الراين وستفاليا الألمانية، دخل 30 ألف طالب وما يقرب من 300 معلم (في ولاية تضم 18 مليون نسمة) إلى الحجر الصحي، بعد أسبوعين من بدء الدراسة. تعد معدلات الإصابة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و19 عاماً هي الأعلى إلى حد بعيد مقارنة بأي فئة عمرية أخرى.
قد تعطي الولايات المتحدة مؤشرات لما ينتظر الدول الأوروبية في المستقبل. فقد عاد الطلاب الأميركيون إلى الفصول الدراسية خلال الشهر الماضي في العديد من الأماكن عندما بدأ «متغير دلتا» يضرب البلاد، مما أدى إلى تفشي العدوى في العشرات من المدارس. في بعض الولايات، يشكل الأطفال الآن النسبة الأكبر من الإصابات الجديدة بـ«كوفيد - 19».
وأغلقت العديد من المدارس أبوابها بالكامل أو عادت إلى التعلم عبر الإنترنت لأن العديد من الأطفال والموظفين أصيبوا بالمرض أو كانوا على اتصال وثيق بالمصابين. في ولاية جورجيا، قال العديد من مديري المدارس إنهم تعرضوا لمزيد من الحالات والحجر الصحي في الأسابيع القليلة الأولى من الفصل مقارنة بالعام الماضي بأكمله.
وأدى بدء العام الدراسي أيضاً إلى معارك شرسة بين الآباء والمسؤولين حول متطلبات الأقنعة التي تحولت إلى أعمال عنف في بعض الأحيان.
تشهد السياسات المعتمدة في أوروبا لمكافحة الوباء استقطاباً أقل من الولايات المتحدة، لكن التوتر بشأن الأقنعة واللقاحات انتشر في دول مثل بولندا حيث يستعد مديرو المدارس لرد فعل الآباء.
قالت ألينا نوفاك، والدة طالب في مدرسة ابتدائية في جنوب وارسو: «لا أستطيع أن أتخيل طفلاً في السابعة من عمره يرتدي قناعاً في أي مكان في المدرسة، حتى لمدة خمس دقائق. إنهم مرهقون بما فيه الكفاية، وسيعودون بعد فترة إغلاق».
إلى جانب الجدل حول الكمامات، عارضت نقابات المعلمين في العديد من البلدان التطعيمات الإلزامية لموظفي المدارس. ففي إيطاليا، شابت أعمال العنف الاحتجاجات ضد نظام «الجواز الأخضر» الخاص باللقاحات، بما في ذلك الهجوم الذي تعرض خلاله مراسل لصحيفة «لا ريبوبليكا» اليومية الوطنية للضرب بشكل متكرر على وجهه.
تعتمد العديد من البلدان ذات معدلات اللقاح المرتفعة على التحصين ليكون بمثابة حصن بين العدوى والمرض، خاصة في بريطانيا نظراً لوجود قيود قليلة أخرى. تم تطعيم معظم المعلمين في المملكة المتحدة، رغم أنه ليس إلزامياً. ويقول شريف إن اثنين فقط من موظفي مدرسته رفضوا تلقي اللقاح.
لكن غالبية أطفال المدارس لا يزالون غير محميين، حيث تقدم بريطانيا حالياً جرعات لمن هم في سن 16 وما فوق. في غضون ذلك، تلتزم بعض المدارس بإجراءات أكثر صرامة مما نصحت به الحكومة.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟