فيلمان مكسيكي ولبناني يعالجان مشاكل مختلفة في مجتمعات متشابهة

في مهرجان فينيسيا... العديد من الأفلام جيّد لدرجة تجعله يستحق الإطلالة على العالم

من الفيلم اللبناني «كوستا برافا»
من الفيلم اللبناني «كوستا برافا»
TT

فيلمان مكسيكي ولبناني يعالجان مشاكل مختلفة في مجتمعات متشابهة

من الفيلم اللبناني «كوستا برافا»
من الفيلم اللبناني «كوستا برافا»

إذ يدخل مهرجان فينيسيا النصف الثاني من دورته الحالية (بدأ في الأول وسيختتم في الحادي عشر من هذا الشهر)، تتبدّى الأفلام المعروضة على الشاشة في المسابقة، وتلك المعروضة في الأقسام المختلفة والمظاهرات، كما لو أنها اجتمعت لتأكيد التواصل المنيع ما بين المهرجان والسينما العالمية.
هذا لا علاقة له بمستوى الأفلام تحديداً، ولو أن العديد منها جيّد لدرجة تجعله يستحق الإطلالة على العالم من تلك السدّة، بل له علاقة بالنجاح المضطرد منذ أن تسلم إدارته ألبرتو باربيرا قبل ست سنوات. نجاح يجعل العديدين هنا يراجعون المنافسة بينه وبين «كان» كما فعلنا نحن هنا ويعلنون أن فينيسيا هو المهرجان السينمائي الأول بالفعل.
لكن أحد الأوصاف الأقرب إلى الواقع هو أنه في حين أن مهرجان «كان» هو لكل ضروب السينما (سوق تجارية ضخمة، إعلام جارف، رعاية حكومية... إلخ) فإن فينيسيا هو الأول على صعيد فن السينما.
تتوارد الأفلام هنا وعلى الناقد أن يختار ما يكتب عنه من بينها ومعظمها يصلح للتقييم والمراجعة. بعضه سيتوجه إلى مهرجانات أخرى (تورونتو، الجونة، لندن... إلخ) وبعضه الآخر سوف ينزوي لأنه إما افتقد عنصر الجذب أو عنصر التداول في الأسواق أو الاثنين معاً.

أزمة نفايات
في واحد من الأحلام التي تنتاب بعض أفراد عائلة بدري، نرى الزوجة ثريا (نادين لبكي) وهي في غيبوبة في غرفة تتأرجح. إنها حالة محسوبة تعد انعكاساً لحال الأسرة كلها وهي تمر بظروف صعبة غير مطروقة من قبل في فيلم لبناني ولو أن هناك العديد من الأفلام اللبنانية في السنوات العشرين الأخيرة التي تطرّقت إلى النواحي الاجتماعية العامّة التي ينتمي إليها الفيلم.
الفيلم هو «كوستا برافا» والعائلة التي يتحدث عنها مؤلفة من الأب وليد (صالح بكري) والأم (لبكي) وابنتهما الشابة تالا (ناديا شربل) وابنتهما الصغيرة ريم (جينا رستم) وأم وليد (ليليان شقر خوري). في عام 2015 اندلعت أزمة النفايات. تحوّلت شوارع بيروت إلى «مزبلة» كبيرة وقررت بعض الإدارات إنشاء محطات لحرق النفايات في مناطق عدّة خارج العاصمة. إحدى تلك المناطق هي تلك التي تعيش فيها عائلة بدري.
فيلم المخرجة منية عقل الأول يحمل علامات البداية التي تتحوّل إلى عثرات سردية في سيناريو مثير في فكرته وضحل في قصّته. كتبته المخرجة مع كلارا روكوا وأمنت ميزانيته المبدئية شركة أبّوت اللبنانية لكن المصادر التمويلية الفعلية وردت من شركات فرنسية وسويدية ودنماركية ونرويجية وإسبانية مع نسبة محدودة من قطر. يكشف ذلك عن سعي المخرجة الحثيث لتأمين إنتاج فيلم ليس لديه من عناصر الجذب التجاري أو الرأسمالي سوى اسم المخرجة والممثلة المعروفة نادين لبكي.
إذ تم عرضه في قسم «آفاق - أكسترا» المستحدث وجد الفيلم نفسه في نقطة بعيدة عن المدارات الرئيسية التي يحفل بها المهرجان. ليس أن الفيلم كان يستحق الوجود في المسابقة الرئيسية لكن واقع الحال يكشف عن أنه سيمر كحال عدد كبير من الأفلام (من كل حدب وصوب) التي لا تصول أو تجول على أصعدة عليا كحال فيلم «كفرناحوم» لنادين لبكي نفسها.

كورية في نيو أورليانز
القسم نفسه هو ذاته الذي شهد عرض فيلم شيرين نشأت وشويا أزاري الذي تناولناه هنا قبل أيام وأبرزها مما شوهد كذلك «سبع مساجين» للبرازيلي ألكسندر موراتي. هناك نفايات أيضاً في هذا الفيلم لكن الحكاية مختلفة، وعين المخرج على توفير بعض ما تفتقده أفلام أخرى وهو استبدال مجرد عرض الحكاية بأسلوب عرضها أساساً.
يتحدث الفيلم عن رجل اسمه لوكا (كرستيان ماليوروس) يعمل في موقع للخردة لصالح رجل حوّله وستة آخرين إلى عبيد عمل. حسب الفيلم، هناك 40 مليون شخص حول العالم تضطرهم الظروف لقبول أعمال تسخّرهم عبيداً. يوفر الفيلم نظرة عامّة على وضع قام المخرج بدراسته ولو أن محور الأحداث يبقى ملك الشخصية الرئيسية.
الحديث عن المشاكل الفردية مسألة عامّة نجدها في غالبية الأفلام المعروضة في المهرجانات. ما يختلف هو نوع المشكلة وكيفية معالجتها. في «مونا ليزا أند ذا بلود مون» (Mona Liza and Blood Moon) المعروض في المسابقة الرسمية حكاية فتاة أميركية (جيون جونغ - سيو) تهرب من المصحة التي تعتبرها سجناً أكثر منها موقع استشفاء وتتجه بعيداً إلى قلب ولاية نيو أورليانز، حيث لا يعلم بتاريخها أحد ولا هي تعرف أحداً يشاركها الحياة.
هذا يترك الفتاة الشابة على مفترق طرقات كل طريق منها قد يقود إلى خطر ما. هي جميلة ووحيدة وغريبة (كونها - في الفيلم - جنوب شرقي آسيوية) والرجال من حولها يعرفون كل ذلك بنظرة ولا يكترثون لتاريخها. لكن السيناريو يؤول إلى تركيبة درامية أخرى، إذ تتعرّف الفتاة على راقصة ستريبتيز (كايت هدسون في ظهور نادر هذه الأيام) التي تعيش مع ابنها الصبي (بنفس عمر الفتاة) وتبدو سعيدة في أن عاطفة ما تترعرع بين قلبيهما.
ترمي المخرجة آنا ليلي أميربور لسرد حكاية تجمع بين المغامرة الفردية والاجتماعية. هذا مثير في البداية لأسباب وجيهة من بينها بطلتها غير البيضاء وخلفيتها الغامضة والمحيط الجديد لحكاية ليست بعيدة عن مستنقعات الولاية الداكنة وليست قريبة من الحكاية التقليدية. ما يعكر صفو الفيلم بأسره هو النصف الثاني من الفيلم حيث تتجه الأحداث لنهايات متوقعة.
في الحقيقة لا يحتاج المشاهد إلى منظار ليزر لمعرفة كيف تتجه الحكاية من مطلعها، لكن المتابعة في النصف الأول تستفيد من كل تلك المسائل المثيرة للفضول. بعد ذلك لا يبقى إلا القليل مما يستوجب الاحتفاء.

صبي يبحث عن أبيه
قبل ستة أعوام فاز المخرج لورنزو فيغاس بجائزة مهرجان «فينيسيا الذهبية» عن فيلم «من بعيد». منح ذلك الفوز حوافز جديدة أمام السينما الأميركية اللاتينية نتج عنها بعد عامين آخرين خروج الفيلم المكسيكي الآخر «روما» لألفونسو كوارون بالجائزة ذاتها.
الآن يعود لورنزو فيغاس إلى المهرجان الإيطالي بفيلمه الجديد وعنوانه «الصندوق».
مثل «من بعيد»، «الصندوق» هو فيلم دراسة لشخصيات. هناك كان لديه شخصية واحدة في الأساس هي لرجل ذي ميل جنسي شاذ.
الفيلم الجديد فيه اللمسات الإنسانية ذاتها الموجودة في الفيلم السابق مع توسيع دائرة الضوء المنسكبة على الوضع الاجتماعي ليس بالمطلق، بل كخلفية محددة للحكاية المطروحة.
بطل الفيلم (أتزين نافاريتي) فتى فقد والده قبل سنوات وها هو يتجه الآن من مكسيكو سيتي إلى منطقة شمالية بعيدة بعدما تم إخباره بأن رفات أبيه وُجدت في مقبرة جماعية. حين وصوله يتسلم صندوقاً فيه الرفات.
في صباح اليوم التالي نجده في الحافلة العمومية التي ستنقله إلى حيث جاء. قبل انطلاقها يرى شخصاً يشبه والده. ينطلق وراءه لكن الرجل، واسمه ماريو، ينفي إنه أبوه. أتزين يعتقد عكس ذلك. سيتجه إلى حيث تسلم الصندوق ويخبر المعنيين بأن هناك خطأً فوالده ما زال حياً. من هنا هي ملاحقة حثيثة من الصبي للرجل الذي نفى أبوّته. في البداية يحاول ماريو التخلص من الصبي، لكن هذا يراوغ بعناد، مما يضطر ماريو لقبوله في العمل معه وفي منزله حيث نتعرف على زوجته الحامل.
يطوّر المخرج الأحداث بدراية وصبر. يكشف عن بضعة أحداث تشكل أهمية على صعيد تصوير انعكاسات الحبكة المذكورة على حياة الجميع. لكن الفيلم لن يؤكد إذا ما كان ماريو هو الأب الفعلي إلا عندما نلحظ أن المخرج استخدم ذلك كغطاء لتقديم حكاية حول رجل بلا ابن وابن بلا أب. الحبكة ذاتها مستخدمة، بمهارة كافية، للإيحاء بأن لب القضية فعلياً هو الصبي الذي يبحث لا عن أبيه فقط، بل عن موقع اجتماعي في محيط غير ثابت من حوله.


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.