«مهرجان الشباب العربي» أفكار تشكيلية مفعمة بالحرية

معرض يضم مائة عمل فني متنوع

لوحة للفنانة هدير جمال
لوحة للفنانة هدير جمال
TT

«مهرجان الشباب العربي» أفكار تشكيلية مفعمة بالحرية

لوحة للفنانة هدير جمال
لوحة للفنانة هدير جمال

في باكورة نشاطه للموسم الفني الجديد افتتح «أتيليه العرب للثقافة والفنون» بالقاهرة معرض «فرسان ضي» الذي يضم نحو 100 عمل للفائزين في «مهرجان الشباب العربي الثالث» بمجالات التصوير والرسم والنحت والغرافيك والتصوير الفوتوغرافي والأعمال المفاهيمية.
وفي نسخته الجديدة تميز المهرجان الذي يقام كل عامين بعدم التقيد بثيمة محددة، ليعبر كل فنان بحرية تامة دون قيد، مما يسمح بمساحة أكثر اتساعاً للرؤى والاستلهام من الحضارات المختلفة، وفي مقدمتها الحضارة العربية الضاربة في التاريخ وفق هشام قنديل رئيس مجلس إدارة الأتيليه الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «طلبنا من الفنانين الشباب إطلاق العنان لخيالهم وموهبتهم، وتناول القضايا الإنسانية المختلفة، تاركين لهم موضوع المهرجان مفتوحاً في إطار من التنافس الجاد الهادف والحوار المشترك المتبادل فكرياً وإبداعياً».
يقف زائر المعرض طويلاً أمام أعمال تؤكد تمتع أصحابها بجرأة التجربة وحرية التفكير وصياغتهما بلغة بصرية مغايرة ومتمردة على المألوف، فهو ليس مجرد معرض تشكيلي جماعي، إنما هو بمثابة القطاف الثالث لمهرجان شبابي يصر بشفافية وموضوعية على صقل المواهب الشابة، ومساعدتها على شق طريقها في عالم الفن بحرية تامة.
على سبيل المثال، قام الفنان محمد عيد المدرس في قسم الغرافيك بكلية الفنون الجميلة، بإعادة صياغة إحدى جداريات مقبره «نب آمون» بالبر الغربي بالأقصر، (جنوب مصر)، في لوحة من الباستيل والإكريليك على توال، مختاراً لها عنوان «في حضرة نبلاء طيبة»، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن أعيد تقديم عملاً لأجدادي الفراعنة برؤية جديدة وخامات مغايرة أمراً ليس سهلاً بالتأكيد، لكنني وجدت نفسي مغرماً بذلك بعد زياتي للأقصر، فقمت بالجمع بين الأسلوبين الواقعي والمصري القديم في عمل واحد، وأتيح لي عرضه في مهرجان الشباب بـ(ضي)، الذي يُعد من أهم الغاليريهات التي تشجع الشباب على الاستمرار في تقديم تجاربهم، وذلك من خلال المسابقات والمعارض الجماعية والفردية على السواء».
تأثراً برائعة الأديب بهاء طاهر «واحة الغروب» قدم الفنان بلال قاسم لوحة «شروق واحة الغروب»، ضمن مشاركة متميزة له في المعرض ضمت خمسة أعمال كبيرة المساحة نفذها بتقنية الفحم والألوان الزيتية، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «تكتسب هذه اللوحة أهمية خاصة عندي لما تحمله من معان عميقة، ترتبط بقرائتي لرواية (واحة الغروب) فقد وجدت نفسي مستغرقاً في معنى الموت، الذي شغل أديبنا الكبير كثيراً كما وجدت نفسي أفكر في معانٍ فلسفية عديدة تتضمنها». مؤكداً أنه «في هذا العمل أردت تحويل الواحة من الغروب إلى الشروق، لتحمل دلالة رمزية ولذلك أطلقت عليها هذا الاسم».
وعن بورتريه له لامرأة مصرية الهوية والملامح، يقول قاسم: «المرأة هي منبع المشاعر، سيما المرأة المصرية، وقد اخترت لهذا العمل اسم (الما بين) تعبيراً عن عظمة مصر على مر العصور».
وتشارك هدير جمال، المعيدة بكلية التربية الفنية جامعة حلوان بسبعة أعمال من الرسم والتصوير وتأتي لوحة «وسوسة»، الخطوة الأولى لاكتشاف نفسها والتوصل إلى الأسلوب الفني الذي يعبر بصدق عن أفكارها ودواخلها على حد تعبيرها، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «هذه اللوحة هي الأقرب لقلبي، لأنها بمثابة البداية التي عرفت من خلالها طريقي، وقد استخدمت فيها ورق (الكرافت) وأقلام الخشب»، وتتابع: «من أعمالي بالمعرض أيضاً لوحة (قربان الأوز)، التي يجد المتلقي في طياتها أسئلة كثيرة تطرح نفسها عليه، ويظهر فيها تأثري الواضح بالفن المصري في بعض التكوينات واستخدام الدلالات الرمزية للأشياء».
وجاءت مشاركة الفنان عمر سنادة، بعمل واحد فقط هو «تهالك عمراني» تماهياً مع انشغاله الشديد بقضية هدم الفيلات والقصور العريقة في العديد من المدن المصرية بحسب الفنان الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «معظم أعمالي تتناول قضية التهالك العمراني الذي أصاب مصر، وتعكس كذلك كيف أن المباني القبيحة بدأت تتصدر المشهد على حساب المباني الأثرية، مما يمثل ضياع الهوية العمرانية المصرية».
استخدمت د. أسماء بخيت في أعمالها الخمسة المشاركة بالمعرض تقنيات متعددة على الورق، ومن الواضح ولعها بالأدب الأوروبي، فقد استوحت على سبيل المثال في إحدى لوحاتها أجواء قصة «الببغاء الحكيم» الألمانية، قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «أعجبتني كثيراً القصة، ومست قلبي عبر ما تبثه داخل النفس من أمل، ومعانٍ سامية مثل أن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، ومثلما تمر علينا أيام عصيبة، هناك أيضاً أيام سعيدة، وقد حاولت أن أمس قلب المتلقي بلوحتي».
بينما تأخذنا في لوحة «الدليل» إلى مكان آخر من الإبداع، إذ استلهمته من بعض كتابات شمس الدين التبريزي، وتقول: «توصلت من بعض أقواله إلى أن لكل منا دليلاً، قد يكون صديقاً أو أخاً أو شريك العمر، كما أنه قد يكون قلب المرء نفسه، المهم أن ذلك الدليل الذي يرشدنا إلى طريق الصواب والحق دون هدف أو غاية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».