تأثرت الفنانة التشكيلية دزوفيك أرنيليان كثيراً بمهنة والدها كمصلح آلات موسيقية. فهي كانت منذ صغرها تراقبه كيف يفككها وينظفها ويدوزنها ويصلحها، ومن ثم يعيد تركيبها، فحفظت أقسامها وراحت ترسمها في خيالها قبل أن تغفو مساء كل يوم على وسادتها. فوالدها كان بذلك يعمل على ولادة جديدة لتلك الآلات، وفي مقدمها الساكسوفون.
دققت دزوفيك في شكل الساكسوفون وآلات النفخ الأخرى، واكتشفت أن داخلها يتألف من محتوى غني يسهم في خروج الموسيقى منها بهذه العذوبة. وبعد بحث حول هذا الموضوع دام نحو السنة قارنت فيه هذه الآلة بجسد المرأة، قررت أن تبدأ في رسم لوحاتها المنمنمة المستوحاة من هذا الموضوع. اختارت دزوفيك دوائر إسفنجية تشبه إلى حد كبير تلك التي تسكن جوف آلة الساكسوفون التي تمتص الصوت وتضبط الهواء. ومقارنة مع المرأة وجدت فيها أوجهاً عديدة تتشابه معها. فهي حساسة وتمتص النشاذ ومليئة بالأحاسيس. فرمت عليها ألوان طلاء الأكليريك، وحفرت عليها بصمات من جسدها، للتعبير عن بحث معقد في الهوية الأنثوية. وعلى خلفية سوداء تخرج منها أشكال بصمات، وفي إطار من الخشب الطبيعي ولدت أعمالها.
وتقول دزوفيك في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «إضافة إلى هذه الضمادات الإسفنجية في آلة الساكسوفون، تبرز في أحشائها أيضاً قطع جلدية ناعمة. إنها تنتفخ وتستريح حسب النوتات الموسيقية المعزوفة عليها. من هنا ولدت فكرة إقامة معرضي (24 أكوان)؛ إذ شبهت داخل الساكسوفون وخارجه إلى شكل المرأة وأحاسيسها. لقد قمت بطباعة بصمات من جسدي على هذه القطع، ووضعتها داخل إطار خشبي، وهو ما يمثل حساسية الأنثى باعتبارها جوهر الكون».
انتقت الفنانة اللبنانية الرقم 24 ليؤلف محتويات معرضها لماذا؟ ترد «لأنها تشير إلى سني عمري عندما أنجزت أول لوحة من هذا المشروع. لقد عملت على نحو 100 مادة إلى أن رسيت على فكرة دوائر الإسفنج. استخرجتها من آلات لعازفي ساكسوفون مشهورين لبنانيين وعرب وأجانب، كان يتولى أبي تصليح آلاتهم».
مساحات لونية مختلفة تلفت مشاهد معرض دزوفيك أرنيليان في غاليري «آرت لاب» في الجميزة الذي يستمر لغاية 25 سبتمبر (أيلول) الحالي. أما ميزة كل قطعة من هذا المعرض فتتمحور حول قياساتها وألوانها والبصمات التي تحملها. وتوضح دزوفيك في سياق حديثها «لكل لوحة معروضة خصائصها ومفاتنها تماماً كالنساء، اللاتي يشبهن بعضهن من حيث الشكل أحياناً، ولكنهن مختلفات من حيث المضمون. واخترت الألوان الدافئة لتمتصها تلك القواعد الإسفنجية، للتذكير بألوان الطبيعة. حتى التأثيرات الزمنية تظهر على كل واحد منها؛ إذ بينها ما لدعته أشعة الشمس، أو تشربت رطوبة من يدي، فأصيب سطحها بقروح أو بتشويه بسيط أسهم في اقتلاع جزء منها».
في كل لوحة من لوحات معرض «24 أكوان» نلاحظ نقطة انطلاق سوداء في وسطها، وكأنها تحدق في وجه مشاهدها. أما أطراف هذه الدوائر فتبدو من بعيد وكأنها مطرزة. «لقد رغبت في إضفاء الحياة عليها بدءاً من أطرافها وصولاً إلى وسطها. استخدمت للإشارة إلى ذلك ألوان الأكليريك أحياناً، وأحياناً أخرى الشكل الحقيقي للقطعة الإسفنجية لتأخذ المنحى الفني الحقيقي».
وأنت تتجول في المعرض تلفتك قطع آلة ساكسوفون مفككة وأخرى مكتملة. وتلاحظ أن قطع الإسفنج المستعملة في المعرض تتمدد في الساكسوفون، حيث يضع العازف أنامله. أما قياسها فيتراوح ما بين 3 و10 سنتمترات. ومهمتها ضبط عملية خروج الهواء كي يصدح صوت الآلة بسلاسة. وتعلق دزوفيك «المعرض يجمع ما بين الفنين البصري والسمعي، ولو بطريقة غير مباشرة. عملت على جمعهما معاً من باب وجودهما في الطبيعة بشكل عفوي. فنحن عندما نمشي في غابة أو في حديقة لا بد أن نستمع إلى زقزقة العصافير، ونشاهد جمال الطبيعة في آن. وفي هذه القطع نلمس الفن البصري بألوان وأشكال القطع، في حين الفن السمعي يحضر بصورة غير مباشرة من ضمادات الساكسوفون الإسفنجية والتي مهمتها امتصاص الصوت».
وتختم الفنانة «في (24 أكوان) يحضر الكون من خلال المرأة وبصمات جسدها، وكذلك سنو العمر وما تختزنه من تجارب مترجمة في حالة كل قطعة. أما الموسيقى فهي أساسية؛ لأن اللوحات تنبع من آلات نفخ الساكسوفون».
معرض «24 أكوان»... لوحات منمنمة مستوحاة من آلة الساكسوفون
تجمع فنوناً بصرية وسمعية
معرض «24 أكوان»... لوحات منمنمة مستوحاة من آلة الساكسوفون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة