حل لغز «الجليد المائي» على القمر

«خشونة السطح» توفر ملاذاً له من قسوة الطقس

القمر مغطى بالحفر والصخور ما يخلق «خشونة» سطحية
القمر مغطى بالحفر والصخور ما يخلق «خشونة» سطحية
TT

حل لغز «الجليد المائي» على القمر

القمر مغطى بالحفر والصخور ما يخلق «خشونة» سطحية
القمر مغطى بالحفر والصخور ما يخلق «خشونة» سطحية

أظهرت الملاحظات العلمية، أن جليد الماء موجود عبر جزء كبير من سطح القمر، حتى أثناء النهار، وهذا يمثل لغزاً كبيراً، حيث افترضت النماذج الكومبيوترية السابقة، أن أي جليد مائي يتشكل أثناء الليل القمري يجب أن يذوب بسرعة بسبب حرارة الشمس نهاراً. وهذا ما يثير السؤال حول كيفية بقاء جليد الماء في هذه البيئة القاسية.
في دراسة جديدة نشرت في «الإخطارات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية»، قدم كل من بيورن ديفيدسون، الباحث في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة «ناسا» في جنوب كاليفورنيا، والمؤلف المشارك سونا حسيني، باحثة وعالمة أدوات في مختبر الدفع النفاث، إجابة عن هذا السؤال، حيث افترضا أن الظلال الناتجة من «خشونة» سطح القمر توفر ملاذاً للجليد المائي؛ مما يمكنها من تكوين صقيع سطحي بعيداً عن سطح القمر، وشرحا أيضاً كيف يمكن أن يلعب الغلاف الخارجي للقمر (الغازات الضعيفة التي تعمل كغلاف جوي رقيق) دوراً مهماً في هذا اللغز.
وتعمل العديد من النماذج الكومبيوترية على تبسيط سطح القمر؛ مما يجعله مسطحاً وعديم الملامح،. ونتيجة لذلك؛ غالباً ما يُفترض أن السطح بعيد عن القطبين يسخن بشكل موحد خلال النهار القمري؛ مما يجعل من المستحيل على الجليد المائي البقاء على السطح المضاء بنور الشمس لفترة طويلة.
إذن، كيف يتم اكتشاف الماء على القمر خارج المناطق المظللة بشكل دائم؟ أحد تفسيرات هذا الاكتشاف هو أن جزيئات الماء قد تكون محاصرة داخل الصخور أو تأثير الزجاج الناتج من الحرارة والضغط المذهلين لضربات النيزك، وتقترح هذه الفرضية، أن ما يمكن الماء من البقاء على السطح حتى عند تسخينه بواسطة الشمس هو اندماجه في هذه المواد.
لكن إحدى مشكلات هذه الفكرة هي أن الملاحظات على سطح القمر تظهر أن كمية الماء تتناقص قبل الظهر (عندما يكون ضوء الشمس في ذروته) وتزداد في فترة ما بعد الظهر، ويشير هذا إلى أن الماء قد ينتقل من مكان إلى آخر خلال اليوم القمري، وهو ما سيكون مستحيلاً إذا حوصر داخل صخرة القمر أو ارتطام الزجاج.
قام ديفيدسون وحسيني بمراجعة النموذج الكومبيوتري ليأخذ في الحسبان خشونة السطح الظاهرة في الصور المأخوذة من بعثات «أبولو» من عام 1969 إلى عام 1972، والتي تُظهر سطحاً قمرياً مليئاً بالصخور ومليئاً بالحفر؛ ما أدى إلى خلق الكثير من المناطق المظللة حتى وقت الظهيرة، ومن خلال تحليل خشونة السطح هذه في النماذج الكومبيوترية الخاصة بهم، يشرح ديفيدسون وحسيني كيف يمكن للصقيع أن يتشكل في الظلال الصغيرة ولماذا يتغير توزيع المياه على مدار اليوم.
ونظراً لعدم وجود غلاف جوي سميك لتوزيع الحرارة حول السطح؛ فإن المناطق شديدة البرودة والمظللة، حيث قد تنخفض درجات الحرارة إلى نحو 350 درجة فهرنهايت تحت الصفر (ناقص 210 درجات مئوية)، يمكن أن تجاور المناطق الساخنة المعرضة للشمس، حيث قد تصل درجات الحرارة إلى ما يقرب من 240 فهرنهايت (120 درجة مئوية).
والصقيع السطحي الذي قد يتراكم في هذه المناطق الباردة والمظللة يتعرض ببطء لأشعة الشمس ويدور في الغلاف الخارجي للقمر، ثم تعيد جزيئات الماء تجمدها على السطح، وتتراكم في شكل صقيع في أماكن أخرى باردة ومظللة.
يقول ديفيدسون في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لمختبر الدفع النفاث التابع لـ«ناسا» في 2 أغسطس (آب) 2021 «الصقيع أكثر قدرة على الحركة من المياه المحاصرة، لذلك يوفر هذا النموذج آلية جديدة تشرح كيفية تحرك الماء بين سطح القمر والغلاف الجوي القمري الرقيق».
وفي حين أن هذه ليست الدراسة الأولى التي تأخذ في الاعتبار خشونة السطح عند حساب درجات حرارة سطح القمر، إلا أن العمل السابق لم يأخذ في الاعتبار كيف تؤثر الظلال على قدرة جزيئات الماء على البقاء على السطح أثناء النهار مثل الصقيع. وهذه الدراسة الجديدة مهمة؛ لأنها تساعدنا على فهم أفضل لكيفية إطلاق المياه القمرية وإزالتها من الغلاف الخارجي للقمر.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة
TT

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة

إن مسألة ما إذا كان الانحباس الحراري العالمي يتسارع، هي مسألة مثيرة للجدال بشدة بين علماء المناخ، ففي حين زعم ​​البعض أن معدل الانحباس الحراري الحالي -الذي بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق في العام الماضي- يرتبط ارتباطاً وثيقاً بزيادة انبعاثات الوقود الأحفوري وبالتالي يتماشى مع نماذج المناخ الحالية؛ يُحذر آخرون من أن الأرض أضحت أكثر حساسية لتأثيرات الوقود الأحفوري مما كان يُعتقد سابقاً، وأن البشرية تتجه نحو نقاط تَحوّل لا يمكن العودة منها.

وتيرة ارتفاع الحرارة أقل داخل مومباي والقاهرة

في دراسة حديثة، زادت مجموعة من الباحثين من جامعة ملبورن تعقيد هذا النقاش من خلال تحليل معدلات الانحباس الحراري في جميع أنحاء العالم والأسباب المحتملة للاختلافات الإقليمية.

النتيجة الرئيسية التي توصلوا إليها: تزداد حرارة الكرة الأرضية بمعدل أسرع، لكن هذا التسارع يحدث بشكل غير متساوٍ. ولكن من المثير للدهشة أن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مع التركيزات الكبيرة من الفقر -المدن الكبرى مثل القاهرة ومومباي-ـ ترتفع درجة حرارتها ببطء أكثر من المراكز الحضرية في أوروبا وأميركا الشمالية.

دقائق الهباء الجوي تعكس أشعة الشمس

لماذا؟ وجد الباحثون أن الكمية الكبيرة من دقائق الهباء الجوي في الهواء في المدن شديدة التلوث تعكس ضوء الشمس إلى الفضاء، وعلى الأقل في الأمد القريب، يمكن أن يكون لها تأثير تبريدي صافٍ على السكان.

وأشادت إديث دي جوزمان، المتخصصة في سياسة التكيف في مركز لوسكين للابتكار بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، بالباحثين، على عملهم.

وأكد مؤلفو الورقة البحثية أن النتيجة لا ينبغي أن تؤخذ على أنها علامة جيدة. فمن ناحية، من المرجح أن تكون مؤقتة فقط. وثانياً، تأتي الحماية، كما هي، فقط من الملوثات الضارة. ووافقت دي جوزمان على هذا الاستنتاج، قائلةً إن الاحترار المتسارع يعني أن «السكان الذين هم بالفعل عُرضة بشكل صارخ لمجموعة متنوعة من الظلم البيئي والمناخي سوف يكونون أكثر عرضة للخطر».

التخلص من التلوث الجوي يزيد الحرارة

ومع تطور البلدان اقتصادياً، تميل حكوماتها إلى تبني سياسات لتنقية البيئة من التلوث، ولكن مع صفاء الهواء، سوف تتعرض الفئات السكانية الضعيفة لخطر التعرض للحرارة الشديدة. وقد قدم كريستوفر شوالم، مدير برنامج المخاطر في مركز «وودويل لأبحاث المناخ»، مثال الصين، حيث بدأت الحكومة في تجهيز محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بتقنيات الحد من الانبعاثات مثل أجهزة التنظيف، لمنع السخام من التسرب من المنشأة. وقال إن مثل هذه التدابير جيدة لجودة الهواء، لكنها ستسمح بتسرب مزيد من الحرارة من الشمس.

الفقر يزيد تأثيرات ارتفاع الحرارة

وسوف يكون الأكثر تضرراً هم أولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى مكيفات الهواء والمناطق المظللة. وأضاف شوالم: «كلما كنت أكثر فقراً، ارتفعت درجة الحرارة، حيث تكون الحرارة استعارة لجميع أشكال اضطراب المناخ».

وأوضح شوالم أن المجتمع العلمي لديه نحو ثلاثين نموذجاً مناخياً متطوراً للغاية يُنظر إليه بشكل جماعي على أنه «لجنة من الخبراء» حول مسار الانحباس الحراري العالمي. يعتقد أن دراسة الاحترار المتسارع مفيدة لأنها يمكن أن تساعد البلدان على التخطيط لتدابير التكيف مع المناخ وفهم مدى واقعية أهداف سياسة المناخ الحالية -أو عدمها.

تغيرات مناخية مؤثرة

في العام الماضي، لم يحقق العالم أهداف الانبعاثات من اتفاقية باريس لعام 2015، وهو في طريقه لفعل نفس الشيء هذا العام. أصبح العلماء أكثر صراحةً بشأن ما تسمى وفاة التزام اتفاقية باريس بالحفاظ على العالم دون زيادة في درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت)، في محاولات لإجبار صناع السياسات على التعامل مع حتمية موجات الحر المتفاقمة والأحداث الجوية المتطرفة القادمة.

يقدم مؤلفو ورقة ملبورن رؤى مطلوبة بشدة حول شكل المستقبل وكيف يجب على الدول الاستعداد: «يجب أن تشجع نتائجهم «استراتيجيات التكيف مع المناخ المستهدفة» الموجهة إلى أفقر المجتمعات الحضرية في جميع أنحاء العالم.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».