ميقاتي يصطدم بالعقبات التي اضطرت الحريري للاعتذار

رئيس الحكومة المكلّف يدرس حالياً خياراته... ووساطة اللواء إبراهيم في «إجازة»

TT
20

ميقاتي يصطدم بالعقبات التي اضطرت الحريري للاعتذار

لم يبدل الاتصال الذي أجراه رئيس الجهورية ميشال عون برئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، وأبلغه فيه بأنه ليس هو المقصود بالبيان الذي صدر عن مكتبه الإعلامي من التأزم الذي آلت إليه مشاورات تأليف الحكومة، كما يقول مصدر سياسي مواكب لوساطة المدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، التي لم يُكتب لها النجاح حتى الآن لإخراج عملية تشكيل الحكومة من المراوحة.
وكشف المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» أن ميقاتي بدأ يواجه المشكلة نفسها التي اصطدم بها سلفه الرئيس سعد الحريري، ودفعته للاعتذار عن تشكيل الحكومة، وأكد أن مشاورات التأليف عادت إلى المربع الأول، وأن ترحيل استمرار وساطة اللواء إبراهيم إلى مطلع الأسبوع المقبل لا يعني أن الأجواء السياسية ستتبدل باتجاه فتح ثغرة في الحائط المسدود الذي يؤخر تشكيل الحكومة.
ويرى أن عون بات أسير الطروحات التي أصر عليها رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل في اجتماعاته التي عقدها مع المعاونين السياسيين لرئيس المجلس النيابي النائب علي حسن خليل، والأمين العام لـ«حزب الله» حسين خليل، إبان تولي الحريري مهمة تأليف الحكومة، واضطرتهما إلى تجميدها، بعد أن توصلا إلى قناعة بأنه لا جدوى من مواصلتها.
ويؤكد المصدر نفسه أن باسيل اتخذ قراره بأن يضع كل أوراقه السياسية في السلة الإيرانية، بعد أن أدرك أنه لا مجال لرفع اسمه عن لائحة العقوبات الأميركية المفروضة عليه بسبب ارتباطه بـ«حزب الله»، وتوفير الغطاء السياسي له، ويقول إن اتصال باسيل بوزير الخارجية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، لم يكن لتهنئته على توليه منصبه فحسب، وإنما لتمرير رسالة إلى واشنطن.
ومع أن المصدر السياسي لا يأخذ على عاتقه نفي أو تأكيد ما يتردد بأن باسيل يتواصل عبر وسيط مع ميقاتي، فإنه لم يستبعد أن يكون اللواء إبراهيم قد التقى باسيل بعيداً عن الأنظار، قبل أن يوقف تحركه بين عون وميقاتي منذ يوم الجمعة الماضي، على أمل أن يستكشف الأجواء، ويقرر إذا كانت وساطته ما زالت على قيد الحياة أم أنه صرف النظر عن استئنافها، على غرار ما حصل مع وساطته بين عون والحريري.
ورداً على سؤال، يوضح المصدر السياسي أن باريس وواشنطن تتواصلان مع عون وميقاتي، وإن كانتا تحملان مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة لعون وفريقه السياسي، ويؤكد أن اللواء إبراهيم لم يتمكن حتى الساعة من إحداث خرق لإحياء مشاورات التأليف بين الرئيسين، على الرغم من أن ميقاتي يربط زيارته للقاء عون باستعداد الأخير لتسهيل مهمته، ورفع شروطه التي تعيق ولادة الحكومة.
ويكشف أن سبب تجميد اجتماعات «الخليلين» بباسيل يكمن في أن الأخير يصر على عدم مشاركته في الحكومة، وامتناعه عن منحها الثقة، وتمسكه بحصول فريقه السياسي على «الثلث الضامن»، في مقابل تصلبه لجهة حصر تسمية الوزيرين المسيحيين بعون، ويقول إن ما يحصل الآن في ضوء الشروط التي يضعها رئيس الجمهورية على الرئيس المكلف يتقاطع مع الشروط التي تبلغها «الخليلان» سابقاً من باسيل.
ولم يستبعد المصدر نفسه أن عون قد اتخذ قراره بأن ينسحب ما حصل مع الحريري على ميقاتي، ويعزو السبب إلى أنه يريد أن يدير شؤون البلد وحيداً، إلا إذا استسلم الرئيس المكلف لشروطه، فيبادر إلى تشكيل حكومته بغطاء سياسي منه، وهذا ما يرفضه ميقاتي الذي لا يقبل بأن يشكل حكومة بأي ثمن.
ويؤكد أن عون يصر على الثلث الضامن، باشتراطه الحصول على أكثر من 8 وزراء في حكومة من 24 وزيراً، ويقول إنه يريد الإمساك بالملف الاقتصادي، ووضع يده على الوزارات المعنية بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وهي الاقتصاد والطاقة والشؤون الاجتماعية، باستثناء وزارتي المالية والاتصالات، وهذا ما يلقى معارضة لا تقتصر على ميقاتي، وإنما تتجاوزه إلى المؤسسات الدولية، من مالية واقتصادية واستثمارية، إضافة إلى أن رئيس البرلمان نبيه بري ليس في وارد توفير الغطاء السياسي لحكومة تعطي الثلث المعطل لعون، ولو مقنعاً.
لذلك، فإن الأسبوع الطالع لن يحمل أي جديد ما لم يبادر عون إلى سحب شروطه التي تؤخر ولادة الحكومة، وتقطع الطريق على اللواء إبراهيم الذي قد يضطر إلى تجميد وساطته، وإلا سيكون لميقاتي موقف آخر، بعد انصرافه إلى تقويم الوضع في ضوء العقبات التي يفتعلها عون وفريقه السياسي. وقد يضطر ميقاتي للخروج عن صمته، خصوصاً أن تبادل التوضيحات بين مكتبه الإعلامي والمكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية لن يقدم أو يؤخر ما دام أن الأبواب ما زالت موصدة في وجهه، وإن كان الفريق المحسوب على عون يخطط لتحميل الحريري ونادي رؤساء الحكومات السابقين مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن تيار «المستقبل» استبق لجوء «التيار الوطني الحر» إلى رمي مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة في مرمى الحريري، واتهامه بأنه يضغط على ميقاتي لمنع تشكيلها، وبادر إلى إصدار بيان أكد فيه، بلسان مصادره، أن زعيمه لا يريد حصة لنفسه، وأنه يدعم ميقاتي، وأن كتلة «المستقبل» النيابية ستمنح حكومته الثقة.
وعليه، فإن ميقاتي يدرس خياراته، ومن بينها أن يتقدم من عون بتشكيلة من 24 وزيراً، من دون أن تتلازم مع تفكيره بالاعتذار عن تشكيلها، تاركاً القرار لعون، وما إذا كانت لديه القدرة على مواجهة الضغوط الدولية، خصوصاً أن دعم «حزب الله» لتشكيلها يقف عند حدود عدم الضغط على عون وباسيل، كأنه يريد توجيه رسالة للخارج، مفادها أنه لا يربط تأليفها بتوقف المفاوضات في فيينا حول الملف النووي الإيراني.
كما أن ما تردد عن وجود نية لدى ميقاتي بأن يتقدم بتشكيلة وزارية جديدة من 14 وزيراً، تضم الأقطاب وممثلين من الصف الأول للقوى السياسية، هي فكرة ما زالت قيد الدرس، إذ لم يبادر إلى استمزاج آراء معظم الذين وردت أسماؤهم في التشكيلة، وهذا ما أكده عدد منهم لـ«الشرق الأوسط» بقولهم إن ميقاتي قد يطرحها لحشر عون، أو أنه يريد اختبار ردود الفعل المحلية أو الدولية عليها، مع أن عون سيرفضها سلفاً لأن من يصر على «الثلث المعطل» لن يقبل بأن يتمثل بوزير واحد.
وبصرف النظر عن الترويج لحكومة من هذا القبيل، فإنها تبقى بمثابة «بالون اختبار»، وقد سبق لميقاتي أن طرح تشكيل حكومة تكنوسياسية، قبل اعتذار السفير مصطفى أديب عن تشكيلها، لكن يبقى السؤال: هل يمكن تسويقها شعبياً في ظل تحميل الطبقة السياسية مسؤولية الانهيار؟ وهل يوافق عون على حكومة كهذه لا تتضمن اسم باسيل كسواه من الأقطاب؟ إضافة إلى أنها تتعارض وروحية المبادرة الفرنسية، ولا تحظى بموافقة القوى السياسية التي فوجئت بها.



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.