«دولتشي آند غابانا» تطلق عاصفة من النقشات في «فينيسيا»

تثبت قدرة قطاع الموضة على المقاومة والتأقلم مع الوباء

عرض الثنائي دومينيكو دولتشي وستيفانو غابانا في مدينة فينيسيا كان أكبر دليل على روح التحدي التي تتمتع بها الموضة
عرض الثنائي دومينيكو دولتشي وستيفانو غابانا في مدينة فينيسيا كان أكبر دليل على روح التحدي التي تتمتع بها الموضة
TT

«دولتشي آند غابانا» تطلق عاصفة من النقشات في «فينيسيا»

عرض الثنائي دومينيكو دولتشي وستيفانو غابانا في مدينة فينيسيا كان أكبر دليل على روح التحدي التي تتمتع بها الموضة
عرض الثنائي دومينيكو دولتشي وستيفانو غابانا في مدينة فينيسيا كان أكبر دليل على روح التحدي التي تتمتع بها الموضة

ما إذا كان قطاع الموضة قد تعرض كغيره من القطاعات لأضرار جسيمة بسبب جائحة «كورونا»؟ فإن الجواب معروف وتؤكده إفلاسات البعض وإغلاق الكثير من المحلات أو تقلص نشاطاتها. ما إذا كان استطاع أن يجتاز الأزمة بعد كل محاولاته المستميتة للبقاء من خلال عروض افتراضية والغوص في عالم الديجيتال؟ فإن الجواب أيضاً غير إيجابي مائة في المائة. والسبب طبعاً يعود إلى مراوغة فيروس «كورونا» وتمحوره المفاجئ والمستمر. لكن الجواب عمّا إذا كان هذا القطاع نجح في التعايش مع الفيروس وتعلم فنون مراوغته، فإن الجواب هو نعم. حقيقة تؤكدها أولاً استمراريته وثانياً العروض الفعلية التي بدأت بالتدريج منذ أشهر ونتوقع أن تزيد قوتها. فها هي دار «شانيل» تستعد لعرض نتوقع أن يكون ضخماً وفخماً في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) القادم بدبي، ومجالس الموضة العالمية، من نيويورك ولندن إلى باريس وميلانو، تستعد للعودة إلى عروض بجماهير في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.
أما عرض الثنائي دومينيكو دولتشي وستيفانو غابانا الذي احتضنته مدينة البندقية الإيطالية منذ أيام فكان أكبر دليل على روح التحدي التي تتمتع بها الموضة.
كان عُرساً صاخباً تراقصت فيه النقوشات والألوان على خلفية مدينة ساحرة اختلطت فيها مياه بحيرتها مع قطرات الأمطار التي باغتت الحضور. استحضر العرض فعاليات أيام العز عندما كانت بيوت الأزياء تستضيف نجوماً من كل أنحاء العالم تستعرضهم بنفس القدر الذي تستعرض به تصاميمها للدلالة على مكانتها وقوتها الإعلانية.
في عرض دار «دولتشي آند غابانا» حضرت وجوه عالمية كثيرة مثل جينفير لوبيز وهيلين ميرين وجينفر هادسون ومونيكا بيللوتشي وغيرهن، فيما غابت وجوه آسيوية كانت جزءاً لا يتجزأ من هذه العروض للتسويق للدار في واحدة من أهم الأسواق العالمية. فيروس «كورونا» والقوانين الصارمة التي تتبعها الصين منذ أكثر من عام فيما يتعلق بالسفر خارج البلاد كانت السبب.
ما أكده عرض «ألتا موضة» بفخامته وبذخه، شيء مهم وهو أن الموضة لم تعد تكتفي بالتحدي. فهي قد تأقلمت مع الوضع الحالي وبدأت تستعيد زخمها، كما تريد أن تعيد الثقة إلى نفوس عشاقها على أمل أن تُحرك السوق لا سيما أن التحديات الآن أصبحت أكبر مما كانت عليه قبل 2019، ليس بسبب «كورونا» وحدها بل أيضاً بسبب الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. المحللون الاقتصاديون لا يتوقعون عودة هذا القطاع إلى سابق عهده قبل نهاية 2022، وهناك دراسات كثيرة في هذا الشأن يعرفها القائمون على قطاع الموضة جيداً، إلا أن عملية البناء، أحياناً على «كانفس» أبيض جديد، كان لا بد ألا تتوقف في أي مرحلة من المراحل. فإذا كان هناك شيء واحد تعلمته الموضة من التاريخ فهو أهمية النفَس الطويل، وعدم التوقف عن الإبداع للبقاء في الواجهة، علماً بأن الإبداع لا يقتصر هنا على المصممين فحسب بل أيضاً على المديرين والرؤساء التنفيذيين الذين يُسيرون بيوت الأزياء كشركات تجارية. أصبح لزاماً عليهم تطبيق استراتيجيات جديدة وأفكار مبتكرة، لمواجهة تحديات عصر جديد تحركه تطلعات جيل شاب.
أحياناً قد تتطلب منهم هذه الاستراتيجيات تقليص إنتاجاتهم ورفع الأسعار لكنّ هذا لا يهم ما داموا سيركزون على الحرفية في التسويق مع توزيع ميزانياتهم بشكل غير تقليدي باستحداث أقسام جديدة. دراسة قامت بها شركة «ماكنزي للأبحاث» بالتعاون مع موقع «بزنس أوف فاشن» لعام 2021 أفادت بأن المستقبل سيكون للاستدامة بسبب ثقافة هذا الجيل الشاب الذي يطمح لإحداث تغييرات اجتماعية وبيئية، الأمر الذي يعني تغيير الدفة تماماً من التركيز على الأزياء الجاهزة السريعة إلى أزياء ومنتجات فريدة ومميزة.
دار «دولتشي آند غابانا» أكدت في عرضها الأخير في مدينة البندقية الساحرة أنها إلى جانب إلمامها بهذه الحقائق، تريد أيضاً أن تُبقي على بهارات أيام زمان وعلى رأسها عنصر الإبهار والإثارة.
لم تنسَ كذلك التلميح إلى أن شريحة كبيرة من زبائنها وزبوناتها من جيل عصر «إنستغرام»، وهو ما يتطلب ألواناً ونقشات قد تبدو صاخبة ومتضاربة بشكل مبالغ فيه على أرض الواقع، ربما إلى حد قد يُخيف ذوي الشخصيات الهادئة، إلا أنها حتماً تلمس وتراً حساساً لدى آخرين.
متابعة العرض لم تترك أدنى شك أن هذه النقشات والألوان وُلدت وصور «إنستغرام» على البال. الثنائي الإيطالي أشار إلى أن تشكيلتهما هذه تتوجه إلى شريحة صغيرة السن قائلين: «الكل يعتقد أن الهوت كوتور تقتصر على شريحة النساء الناضجات، لكن الأمر يجب ألا يبقى كذلك». ترجمتهما كانت بالاستعانة ببنات صديقات الدار مثل ابنة مونيكا بيللوتشي وابنة العارضة هايدي كلوم، لكن المتابع للعرض أو الصور يعرف أنها كانت أيضاً ترجمة حرفية لما تريده عاشقات نشر صورهن على «إنستغرام».


مقالات ذات صلة

«بالحب من ميغان»... رسالة حب وسلام من ميغان ماركل أم انفصام عن الواقع؟

لمسات الموضة ظهرت ميغان في لقطات عدة بالأبيض الكريمي (نتفليكس)

«بالحب من ميغان»... رسالة حب وسلام من ميغان ماركل أم انفصام عن الواقع؟

تراجيديا ميغان ماركل أنها «عدوة نفسها»، بسبب جموحها للظهور والأضواء بأي ثمن. هذا الثمن تعكسه أيضًا أزياؤها ومجوهراتها التي لا تتماشى مع الزمان أو المكان.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة توفق الحملة الرمضانية بين شخصية إليانا وبين تصاميم «كوتش» الأيقونية (كوتش)

الفنانة إليانا تراقص الجلود في حملة «كوتش» الرمضانية

أطلقت علامة «كوتش» حديثاً حملةً رمضانيةً تدعو فيها إلى التحلّي بالشجاعة وعدم التردد في التعبير عما يجول في الخاطر والذهن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة استعانت العلامة بالعارضة المصرية ليلى غريس في حملتها الرمضانية (تولر مالمو)

حملة «تولر مالمو» لرمضان 2025... ريش وشراشيب

بمناسبة شهر رمضان الفضيل، كشفت علامة «Taller Marmo» عن حملتها الترويجية الخاصة بتشكيلة الأزياء الراقية لموسم صيف 2025.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة أدت أريانا غراندي أغنية جودي غارلاند في فيلم «ساحر أوز» بشكل مؤثر (رويترز)

أريانا غراندي و«سكاباريللي»... إطلالة قديمة جديدة

افتتحت أريانا غراندي، نجمة فيلم «The Wicked»، حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام 2025، في نسخته الـ97.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة تعرض فيه حالياً منتجات الدار إلى جانب قِطع فنية (تصوير: سيلفيا ريفولتيلا)

كيف فرضت منحوتة مساحتها في عالم الموضة والفن؟

تعود القصة إلى عام 1999، عندما اشترى الفنان أرنالدو بومودورو مبنى حوّله إلى استوديو ومعرض خاص به في حي سولاري بميلانو.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».