ما إذا كان قطاع الموضة قد تعرض كغيره من القطاعات لأضرار جسيمة بسبب جائحة «كورونا»؟ فإن الجواب معروف وتؤكده إفلاسات البعض وإغلاق الكثير من المحلات أو تقلص نشاطاتها. ما إذا كان استطاع أن يجتاز الأزمة بعد كل محاولاته المستميتة للبقاء من خلال عروض افتراضية والغوص في عالم الديجيتال؟ فإن الجواب أيضاً غير إيجابي مائة في المائة. والسبب طبعاً يعود إلى مراوغة فيروس «كورونا» وتمحوره المفاجئ والمستمر. لكن الجواب عمّا إذا كان هذا القطاع نجح في التعايش مع الفيروس وتعلم فنون مراوغته، فإن الجواب هو نعم. حقيقة تؤكدها أولاً استمراريته وثانياً العروض الفعلية التي بدأت بالتدريج منذ أشهر ونتوقع أن تزيد قوتها. فها هي دار «شانيل» تستعد لعرض نتوقع أن يكون ضخماً وفخماً في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) القادم بدبي، ومجالس الموضة العالمية، من نيويورك ولندن إلى باريس وميلانو، تستعد للعودة إلى عروض بجماهير في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.
أما عرض الثنائي دومينيكو دولتشي وستيفانو غابانا الذي احتضنته مدينة البندقية الإيطالية منذ أيام فكان أكبر دليل على روح التحدي التي تتمتع بها الموضة.
كان عُرساً صاخباً تراقصت فيه النقوشات والألوان على خلفية مدينة ساحرة اختلطت فيها مياه بحيرتها مع قطرات الأمطار التي باغتت الحضور. استحضر العرض فعاليات أيام العز عندما كانت بيوت الأزياء تستضيف نجوماً من كل أنحاء العالم تستعرضهم بنفس القدر الذي تستعرض به تصاميمها للدلالة على مكانتها وقوتها الإعلانية.
في عرض دار «دولتشي آند غابانا» حضرت وجوه عالمية كثيرة مثل جينفير لوبيز وهيلين ميرين وجينفر هادسون ومونيكا بيللوتشي وغيرهن، فيما غابت وجوه آسيوية كانت جزءاً لا يتجزأ من هذه العروض للتسويق للدار في واحدة من أهم الأسواق العالمية. فيروس «كورونا» والقوانين الصارمة التي تتبعها الصين منذ أكثر من عام فيما يتعلق بالسفر خارج البلاد كانت السبب.
ما أكده عرض «ألتا موضة» بفخامته وبذخه، شيء مهم وهو أن الموضة لم تعد تكتفي بالتحدي. فهي قد تأقلمت مع الوضع الحالي وبدأت تستعيد زخمها، كما تريد أن تعيد الثقة إلى نفوس عشاقها على أمل أن تُحرك السوق لا سيما أن التحديات الآن أصبحت أكبر مما كانت عليه قبل 2019، ليس بسبب «كورونا» وحدها بل أيضاً بسبب الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. المحللون الاقتصاديون لا يتوقعون عودة هذا القطاع إلى سابق عهده قبل نهاية 2022، وهناك دراسات كثيرة في هذا الشأن يعرفها القائمون على قطاع الموضة جيداً، إلا أن عملية البناء، أحياناً على «كانفس» أبيض جديد، كان لا بد ألا تتوقف في أي مرحلة من المراحل. فإذا كان هناك شيء واحد تعلمته الموضة من التاريخ فهو أهمية النفَس الطويل، وعدم التوقف عن الإبداع للبقاء في الواجهة، علماً بأن الإبداع لا يقتصر هنا على المصممين فحسب بل أيضاً على المديرين والرؤساء التنفيذيين الذين يُسيرون بيوت الأزياء كشركات تجارية. أصبح لزاماً عليهم تطبيق استراتيجيات جديدة وأفكار مبتكرة، لمواجهة تحديات عصر جديد تحركه تطلعات جيل شاب.
أحياناً قد تتطلب منهم هذه الاستراتيجيات تقليص إنتاجاتهم ورفع الأسعار لكنّ هذا لا يهم ما داموا سيركزون على الحرفية في التسويق مع توزيع ميزانياتهم بشكل غير تقليدي باستحداث أقسام جديدة. دراسة قامت بها شركة «ماكنزي للأبحاث» بالتعاون مع موقع «بزنس أوف فاشن» لعام 2021 أفادت بأن المستقبل سيكون للاستدامة بسبب ثقافة هذا الجيل الشاب الذي يطمح لإحداث تغييرات اجتماعية وبيئية، الأمر الذي يعني تغيير الدفة تماماً من التركيز على الأزياء الجاهزة السريعة إلى أزياء ومنتجات فريدة ومميزة.
دار «دولتشي آند غابانا» أكدت في عرضها الأخير في مدينة البندقية الساحرة أنها إلى جانب إلمامها بهذه الحقائق، تريد أيضاً أن تُبقي على بهارات أيام زمان وعلى رأسها عنصر الإبهار والإثارة.
لم تنسَ كذلك التلميح إلى أن شريحة كبيرة من زبائنها وزبوناتها من جيل عصر «إنستغرام»، وهو ما يتطلب ألواناً ونقشات قد تبدو صاخبة ومتضاربة بشكل مبالغ فيه على أرض الواقع، ربما إلى حد قد يُخيف ذوي الشخصيات الهادئة، إلا أنها حتماً تلمس وتراً حساساً لدى آخرين.
متابعة العرض لم تترك أدنى شك أن هذه النقشات والألوان وُلدت وصور «إنستغرام» على البال. الثنائي الإيطالي أشار إلى أن تشكيلتهما هذه تتوجه إلى شريحة صغيرة السن قائلين: «الكل يعتقد أن الهوت كوتور تقتصر على شريحة النساء الناضجات، لكن الأمر يجب ألا يبقى كذلك». ترجمتهما كانت بالاستعانة ببنات صديقات الدار مثل ابنة مونيكا بيللوتشي وابنة العارضة هايدي كلوم، لكن المتابع للعرض أو الصور يعرف أنها كانت أيضاً ترجمة حرفية لما تريده عاشقات نشر صورهن على «إنستغرام».
«دولتشي آند غابانا» تطلق عاصفة من النقشات في «فينيسيا»
تثبت قدرة قطاع الموضة على المقاومة والتأقلم مع الوباء
«دولتشي آند غابانا» تطلق عاصفة من النقشات في «فينيسيا»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة