اليوم، الأول من سبتمبر (أيلول)، الافتتاح الرسمي للدورة 78 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي. كلمة «الدولي» لم تعد تذكر كتعريف للمهرجان، لكنها كلمة رائعة المفعول تصف أعمال مهرجان يواصل الصعود، سنة بعد سنة، متجاوزاً أترابه على أكثر من صعيد.
إذا شئنا التواضع، هو بمستوى وشهرة ونجاح مهرجان «كان». إذا عمدنا إلى التخصيص والتمحيص، ما يوفره مهرجان فينيسيا يختلف - وفي بعض مجالاته يعلو - عما يوفره مهرجان «كان».
يكفي حرية تداول الأفلام المعروضة في المسابقة عوض اختيارها القائم على ترشيح شركات الإنتاج والتوزيع الفرنسية لأفلام المسابقة وسواها كما الحال في «كان»، كما لو أن «كان» ملعب كرة قدم لفريق محلي. طبعاً تختلف اللغات وتختلف المصادر والمواضيع، لكن الأفلام المعروضة على شاشة المهرجان الفرنسي، وعلى نحو غالب، مبيع سلفاً للتسويق الفرنسي والأوروبي.
أمومة حائرة
فيلم الافتتاح اليوم سيكون، كما أُعلن سابقاً، «أمهات موازيات» (Parallel Mothers) لكنه ليس الفيلم الأول في برامج العروض.
قبله، أمس الثلاثاء، تم عرض فيلمين فيما يُعرف بـ«حدث ما قبل الافتتاح» وهما «بيانل فينيسيا: السينما في زمن الكوفيد» لأندريا سيرج (ومن إنتاج المهرجان نفسه)، و«بين الأعجوبات» (Per Grazia Ricevuta) الذي حققه، سنة 1971، وقام ببطولته نينو مانفريدي، وذلك بمناسبة مرور 100 سنة على مولده.
يشرح عنوان فيلم «بيانل فينيسيا: السينما في زمن الكوفيد» نفسه بنفسه. في العام الماضي انبرى مهرجان فينيسيا كوحيد المهرجانات الكبيرة الثلاثة (برلين وكان في الجوار) الذي واجه الوباء بتحد مقرراً أن ينهض بأعبائه وأفلامه من دون تراجع أو استسلام، مكتفياً بحفنة من التدابير الضرورية.
هذه التدابير ما زالت في مكانها هذا العام، لكن هناك تدابير أخرى لازمة من بينها إلزام بالحجز الطوعي لعشرة أيام لبعض القادمين، بحسب الدول التي جاءوا منها، كذلك القيام بإجراء الفحوصات المعمول بها كل يومين أو ثلاثة (وهو ما اتبعه مهرجان «كان» كذلك).
من حسن الحظ أن «أمهات موازيات» هو فيلم الافتتاح الفعلي. ليس لأنه يبعد عن الأذهان أوضاع البشر الصحية وعن الأعين متاعبها، بل لأنه يمضي بعيداً عن الواقع الذي يحاصر الناس اليوم ليتبنى نظرة مختلفة تخص وضعاً يعالجه المخرج الإسباني بدرو ألمادوار بدرايته الميلودرامية الذكية.
بطلتا الفيلم هما جانيس (بينيلوبي كروز) وآنا (ميلينا سميت) تلتقيان في المستشفى من دون معرفة سابقة أو موعد. هما امرأتان في الأيام الأخيرة من الحمل. جانيس قلقة وآنا متحفزة. قلق جانيس يعود إلى أن الرجل الذي حبلت منه لا يود الزواج ويرفض تحمل المسؤولية المناطة به كأب. آنا لديها وضع مشابه من حيث إن مولودها لن يكون شرعياً، لكنها لا تخشى ذلك. تحاول طمأنة جانيس خلال حديثهما (الحوار قليل بينهما لكن ما فيه كاف).
النبرة التي يعتمدها ألمادوفار داكنة والتصوير يميل للأسود والأزرق بين الألوان. هو عتمة ودفء في وقت واحد، كما تشي مشاهد منتخبة للعرض قبل العرض الفعلي الكامل.
شرادر ولاران
هو الفيلم الثاني والعشرون للمخرج الإسباني، وأفلامه الأخيرة توجهت أكثر وأكثر صوب العلاقات العائلية وتأثيرها المتجاذب بين رجال يبحثون عن ماضيهم في كنف الأسرة أو بين نساء يجدن وحدة مصير فيما بينهن.
الأميركي بول شرادر هو أحد الأسماء الكبيرة الأخرى في محفل فينيسيا. الاختلاف هو أن بدرو ألمادوفار أشهر وقعاً حول العالم وأفلامه، عموماً، أسهل منالاً من قِبل مستويات متعددة من المشاهدين. شرادر اسم معروف لكنه محدود الانتشار، نظراً لأن أفلامه تتطرق إلى مواضيع ليست، غالباً، محط اهتمام أكثر من فئة قاصدة لأعماله.
مثل «فيرست ريفورمد»، الذي قدمه شرادر في مسابقة مهرجان فينيسيا سنة 2017، هناك طرح للدين والخطيئة والمغفرة في فيلمه الجديد «ذا كارد كاونتر». بطله (أوسكار أيزاك) خريج حرب من الحروب الأميركية. ارتكب فعلاً شنيعاً يطارده اليوم وقد عاد إلى الولايات المتحدة. يعيش الفعل ويعايشه ويحاول إيجاد وضع يخفف عنه آلامه الداخلية عبر اللعب على طاولات القمار.
الأقل شهرة بين الكبار، على صعيد انتشار أفلامه أساساً، هو المخرج بابلور لاران. في السنوات التي تبعت فيلمه الجيد «بعد الوفاة» (Post Mortem) الذي قدمه على شاشة مهرجان برلين سنة 2010 استدار المخرج التشيلي صوب أفلام عن شخصيات حقيقية عالجها بمزج الواقعي مع المؤلف من المواقف. وجدناه يوفر الأحداث التي قادت لمصير الشاعر التشيلي بابلو نيرودا في «نيرودا» سنة 2016، وهو العام ذاته الذي قدم فيه كذلك «جاكي» عن أرملة الرئيس الراحل جون ف. كيندي. الآن يقدم رؤيته للأحداث التي سبقت مقتل الأميرة ديانا (تؤديها كرستين ستيوارت المنتظر وصولها لمصاحبة العرض وإجراء المقابلات).
يضع المخرج لاران حكايته في ليلة الكريسماس سنة 1991، وتتمحور حول إدراك الأميرة الراحلة أن زواجها من الأمير تشارلز ليس ما تتمنى المضي فيه.
أسماء شابة
هذه الأسماء، بالإضافة إلى المخرجة الأسترالية جين كامبيون التي توفر هنا فيلمها الجديد «قوة الكلب»، هي الأسماء التي تشكل القطب للباحثين عن أعمال مخرجين سبق وأن أكدوا جدارتهم عبر تاريخ حافل.
معظم الآخرين هم جدد في المهنة قياساً.
الحاصل منذ سنوات ليست بالقريبة، أن الرحيل الشامل لعمالقة السينما مثل الإيطالي فديريكو فيلليني، والروسي أندريه تاركوفسكي، والبرتغالي مانويل أوليفييرا، واليوناني ثيو أنجيلوبولوس، وعدد كبير من المخرجين الأميركيين، خلق فاصلاً بين الماضي والحاضر ما لبث أن تحول إلى فجوة. هذا بالإضافة إلى مخرجين قدامى ما زالوا أحياء يرزقون لكنهم غير معنيين بالعمل إما لكبر السن أو بسبب فقدانهم الشهية للعمل.
طبيعياً، أن تحاول المهرجانات البحث عن أسماء جديدة يمكن لها أن تحتل المكانات ذاتها، لكن هذا ليس بالسهولة التي قد يتصورها البعض. فالمسألة ليست تغيير طاقم من الموظفين مثلاً، بل البحث عمن تتوفر فيهم الشروط الفنية والفكرية التي تؤهلهم للقيادة في سنوات اليوم أو الغد.
والوضع هكذا سنقرأ أسماء جديدة كثيرة من بينها فالنتين فاسيناوفيتش المخرج الأوكراني الذي ربح الجائزة الأولى في مسابقة قسم «أفق» سنة 2019 بفيلمه «أتلانتيس». يعود هذا العام بفيلمه الجديد «انعكاس». هذا الفيلم هو الروائي الأول الذي يتعامل والوضع الأوكراني - الروسي ولو في خلفية قصة طبيب أوكراني يلقي الروس القبض عليه في المنطقة المتنازع عليها. بعد إطلاق سراحه يبدأ بمراجعة حياته والتفكير بتغيير ما باحثاً عن معنى لما يعيش من أجله.
كذلك هناك آنا ليلي أميربور، وهي أميركية ذات أصل إيراني قدمت قبل خمس سنوات فيلماً لم يحدث الأثر الذي توخته هو «مجموعة سيئة». الآن تعود إلى المهرجان الذي استقبل فيلمها السابق بدراما حول امرأة تعاني اضطراباً عصبياً وتبحث عن حياة جديدة. الفيلم بعنوان «Mona Lisa and the Blood Moon».
على صعيد آخر، تتمثل إيطالياً بثلاثة أفلام يتصدرها فيلم «يد الله» لباولو سورنتينو. لا معلومات مسبقة كثيرة حول هذا الفيلم، لكن البعض في الصحف الإيطالية يردد بأن الحكاية تدور حول صبي في السادسة عشرة معجب لحد مفرط بشخصية لاعب الكرة دييغو مارادونا. هذا الإعجاب يقود إلى كارثة يُقال إنها مستخلصة من تجربة شخصية.