هل يجابه تعاون «تويتر» مع المؤسسات الإخبارية آفة «الأخبار غير الدقيقة»؟

هل يجابه تعاون «تويتر» مع المؤسسات الإخبارية آفة «الأخبار غير الدقيقة»؟
TT

هل يجابه تعاون «تويتر» مع المؤسسات الإخبارية آفة «الأخبار غير الدقيقة»؟

هل يجابه تعاون «تويتر» مع المؤسسات الإخبارية آفة «الأخبار غير الدقيقة»؟

ضمن جهود منصات التواصل الاجتماعي للحد من الأخبار غير الدقيقة والإشاعات التي باتت تهدد مصداقيتها - وربما تُعرض بعضها للمساءلة القانونية - اتخذت منصة التغريدات «تويتر» حزمة من الإجراءات المتتالية كلها تصب في هدف واحد، هو المسؤولية المجتمعية للمنصة التي ارتبط اسمها بنقل المعلومات.
وبعدما منحت «تويتر» المغردين حق الإشراف المجتمعي من خلال إطلاق خاصية «بيرد ووتش» التي تسمح لهم بـ«الكشف عن التغريدات (المضللة) و(الأخبار الزائفة)»، خطت المنصة نحو مزيد من تنقية المعلومات الواردة لديها من خلال التعاون مع كيانين من أهم مصادر المعلومات في العالم، هما وكالة «رويترز» ووكالة «أسوشييتد برس» للأنباء بغرض الكشف عن المعلومات «غير الدقيقة» والمضللة.
وفق متخصصين، فإن «هذه الخطوة طبيعية لتبدو منصة (تويتر) جادة في التدقيق الإخباري ودحض الأخبار المضللة»؛ بيد أن هؤلاء رهنوا نجاح التجربة بـ«أسس وقواعد تنفيذها».
«تويتر» كشفت عن الشراكة الجديدة في إفادة لـ«رويترز»، فأعلنت أن «الغرض من الشراكة هو تقديم معلومات موثوقة بشكل أسرع على موقع التواصل الاجتماعي، كجزء من محاولة مكافحة انتشار المعلومات (المضللة)». وأوضحت «تويتر» أن «هذا الغرض يتحقق من خلال إضافة سياق دقيق لأي جدال يُثار عبر المنصة، من خلال اللجوء إلى الفريق المدرب لدى (رويترز) و(أسوشييتد برس) بما يحقق مزيداً من المصداقية». وقال المتحدث باسم «تويتر» حسب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في منتصف أغسطس (آب) الحالي، إن «هذا التعاون هو الأول الذي تتعاون فيه (تويتر) رسمياً مع مؤسسات إخبارية كبيرة لنشر المعلومات الدقيقة على منصتها».
حسب مراقبين، فإن «(تويتر)، مثل منصات عدة، تعرضت لضغوط اجتماعية وسياسية لحذف بعض الأضاليل التي أثيرت من خلال المغردين، لا سيما التي تعلقت بجائحة فيروس (كوفيد – 19) أو بمواقف سياسية». وهنا يقول الخبير السعودي محمد سعود اليزيدي، وهو مبرمج ومدقق تقنية معلومات لـ«الشرق الأوسط»، إنه «من الطبيعي لأي نشاط تجاري بشكل عام، وتقني بشكل خاص، أن يجري تعديلات لنموذج عمله التجاري، من أجل الاستمرار والانتشار والاستحواذ على أكبر حصة من السوق. وطالما أن الحديث عن المصداقية يتكرر، بل ويتصدر المشهد، فإنه من الذكاء أن تتزاوج جهود (تويتر) مع وكالات إخبارية بهذا الحجم لتبدو صادقة وجادة في دحض الأخبار المضللة».
وفي السياق نفسه، عن إمكانية كشف «الأخبار الزائفة»، يشير سعود اليزيدي إلى أن «ثمة عدة طرق تُمكن (تويتر) من كشف الأضاليل والارتكاز على سياق دقيق. وقد يدخل في ذلك خيارا (معالجة اللغات الطبيعية) (NLP)، و(تعلم الآلة) (ML) وغيرهما». ويضيف أنه «إذا جرى تصنيف بعض المعالم المشتركة للأخبار الكاذبة أو المزيفة والإشاعات - خصوصاً، أن هناك الكثير من التقاطعات والنقاط المشتركة بينها - يتيسر للآلة التعرف عليها والحكم فيها بنسب عالية».
من جانبه، يفيد خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في الإعلام الرقمي، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، بأنه «منذ عام 2016 هناك خطوات جادة من قبل (تويتر) للتصدي للأضاليل، لا سيما أنها المنصة التي تُعد الأهم فيما يخص تداول المعلومات. ولكن هذه المرة يمكن وصفها بالأكثر جدية في شأن التدقيق الإخباري». ويتوقع أن «يجني هذا التزاوج بين التكنولوجيا والخبرة في صناعة الأخبار، ثماره قريباً، وربما يخلق بيئة إعلامية واعدة، وبالأخص أنه إذا عملت كل جبهة - سواء تكنولوجية أو إعلامية - بمعزل عن الأخرى، لن تحقق النتيجة المأمولة».
ويرهن البرماوي «نجاح التجربة بأسس وقواعد تنفيذها». ويضيف أن «البيانات الصادرة من الجهات المعنية بهذه الشراكة لم توضح بعد ما إذا كانت (تويتر) ستصبح طرفاً في صناعة الخبر أم لا، وإن من المفترض أنها وسيلة لنقل المعلومة فقط. أما مصدر المعلومة أو الخبر سيظل شأن وكالات الأنباء، وليس منصات التواصل الاجتماعي، والتزام كل جهة بواقع خبرتها يضمن نجاح التجربة».
ويثمن البرماوي خطوة «تويتر»، ولكن من دون أن تأخذه التوقعات بعيداً، فيضيف: «تداول وبروز الأخبار المضللة لا يقعان على عاتق جهة وحدها. ومن المبالغة الافتراض أنها مسؤولية منصات التواصل الاجتماعي فقط، بينما هناك أطراف متناثرة وعديدة تساهم في نشر الأخبار غير الدقيقة». ويتابع: «صحيح أن منصات التواصل الاجتماعي خلقت بيئة خصبة لانتشار الإشاعات بسرعة، ربما لا تلحق بها صناعة الأخبار حتى الآن؛ لكن الحلول تتحقق بتضافر جهود كل من منصات التواصل الاجتماعي، ومؤسسات المجتمع المدني، وآليات التبليغ عن الأضاليل، والتعليم... وبالطبع الإعلام. وحتى إن كانت منصات التواصل الاجتماعي تظل تمثل القاسم الأكبر في المعادلة، فمن دون تعاون كل الجهات، لن يتحقق شيء على أرض الواقع».
هذا، وحسب ما أعلنته «تويتر»، فإن «التعاون مع وكالتي (رويترز) و(أسوشييتد برس) يقتصر على الأخبار بالإنجليزية». وعلى هذا يعلق موضحاً البرماوي أن «الخدمة تقتصر على أوروبا وأميركا، وهو ما يشير إلى أن سوق الأخبار في المنطقة العربية مختلف وربما يكون أكثر تحدياً». ثم يستطرد قائلاً إنه «حتى وإن شمل هذا التعاون اللغة العربية، فإن تأثيره سيكون محدوداً».
في سياق متصل، يعتبر مراقبون أن «جائحة (كوفيد – 19) تربطها صلة مباشرة بمحاولات الحد من التقارير المزيفة والأضاليل الشائعة». ويدعم محمد سعود اليزيدي هذا الرأي، إذ يقول «جميع الشركات التقنية وغير التقنية والحكومات والمنظمات الدولية تأثرت بالجائحة وتبعاتها الاقتصادية. إلا أن هذه الخطوة واعدة بالنسبة لـ(تويتر)، ومرد ذلك لأهمية مصداقية وموثوقية المحتوى بالمنصة. ولو أخذنا جائحة (كوفيد – 19) على سبيل المثال، نجد مدى أهمية المحتوى الموثوق بالممارسات الموصي بها لتجنب العدوى وغيرها، وفي الجانب الآخر ندرك خطورة الإشاعات والمعلومات التي قد تكون سبباً في تفشي الجائحة بشكل أكبر». ثم يشير إلى «التشريعات الداخلية في الولايات المتحدة والعديد من الدول لمثل هذه المنصات ضمن إطار محاربة الإشاعات وخطابات الكراهية والعنف والعنصرية بشتى أنواعها».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
TT

كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)

قبل 861 عاماً، نهضت كاتدرائية «نوتردام دو باريس» في قلب العاصمة الفرنسية. ومع مرور العقود والعصور تحوّلت إلى رمز لباريس، لا بل لفرنسا. ورغم الثورات والحروب بقيت «نوتردام» صامدة حيث هي، في قلب باريس وحارسة نهر السين الذي يغسل قدميها. إلا أن المأساة حلّت في شهر أبريل (نيسان) من عام 2019، عندما اندلع حريق هائل، التهمت نيرانه أقساماً رئيسة من الكاتدرائية التي انهار سقفها وتهاوى «سهمها»، وكان سقوطه مدوياً.

منظر للنافذة الوردية الجنوبية لكاتدرائية نوتردام دو باريس(رويترز)

حريق «نوتردام» كارثة وطنية

وكارثة «نوتردام» تحوّلت إلى مأساة وطنية، إذ كان يكفي النظر إلى آلاف الباريسيين والفرنسيين والسياح الذين تسمّروا على ضفتي نهر السين ليشهدوا المأساة الجارية أمام عيونهم. لكن اللافت كانت السرعة التي قررت فيها السلطات المدنية والكنسية مباشرة عملية الترميم، وسريعاً جدّاً، أطلقت حملة تبرعات.

وفي كلمة متلفزة له، سعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى شد أزر مواطنيه، مؤكداً أن إعادة بناء الكاتدرائية و«إرجاعها أجمل مما كانت» ستبدأ من غير تأخير. وأعلن تأسيس هيئة تشرف عليها، وأوكل المهمة إلى الجنرال جان لويس جورجولين، رئيس أركان القوات المسلحة السابق. وبدأت التبرعات بالوصول.

وإذا احتاجت الكاتدرائية لقرنين لاكتمال بنائها، فإن ترميمها جرى خلال 5 سنوات، الأمر الذي يعد إنجازاً استثنائياً لأنه تحول إلى قضية وطنية، لا بل عالمية بالنظر للتعبئة الشعبية الفرنسية والتعاطف الدولي، بحيث تحوّلت الكاتدرائية إلى رابطة تجمع الشعوب.

وتبين الأرقام التي نشرت حديثاً أن التبرعات تدفقت من 340 ألف شخص، من 150 دولة، قدّموا 846 مليون يورو، إلا أن القسم الأكبر منها جاء من كبار الممولين والشركات الفرنسية، ومن بينهم من أسهم بـ200 مليون يورو. ومن بين الأجانب المتبرعين، هناك 50 ألف أميركي، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وكان أحد الأسباب التي دفعته للمجيء إلى فرنسا؛ البلد الأول الذي يزوره بعد إعادة انتخابه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

متطوعون يضعون برنامج الحفل على المقاعد قبل الحفل (أ.ف.ب)

منذ ما يزيد على الشهر، تحوّلت الكاتدرائية إلى موضوع إلزامي في كل الوسائل الإعلامية. وخلال الأسبوع الحالي، حفلت الصحف والمجلات وقنوات التلفزة والإذاعات ببرامج خاصة تروي تاريخ الكاتدرائية والأحداث الرئيسة التي عاشتها في تاريخها الطويل.

وللدلالة على الأهمية التي احتلتها في الوعي الفرنسي، فإن رئيس الجمهورية زارها 7 مرات للاطلاع على التقدم الذي حققه المهنيون والحرفيون في إعادة البناء والترميم. وإذا كانت الكاتدرائية تجتذب قبل 2012 ما لا يقل عن 12 مليون زائر كل عام، فإن توقعات المشرفين عليها تشير إلى أن العدد سيصل العام المقبل إلى 15 مليوناً من كل أنحاء العالم.

المواطنون والسياح ينتظرون إفساح المجال للوصول الى ساحة الكاتدرائية (أ.ف.ب)

باريس «عاصمة العالم»

خلال هذين اليومين، تحوّلت باريس إلى «عاصمة العالم»، ليس فقط لأن قصر الإليزيه وجّه دعوات لعشرات من الملوك ورؤساء الدول والحكومات الذين حضر منهم نحو الخمسين، ولكن أيضاً لأن الاحتفالية حظيت بنقل مباشر إلى مئات الملايين عبر العالم.

وقادة الدول الذين قدّموا إلى «عاصمة النور» جاءوا إليها من القارات الخمس. وبسبب هذا الجمع الدولي، فإن شرطة العاصمة ووزارة الداخلية عمدتا إلى تشكيل طوق أمني محكم لتجنب أي إخلال بالأمن، خصوصاً أن سلطاتها دأبت على التحذير من أعمال قد تكون ذات طابع إرهابي. وإذا كان الرئيس الأميركي المنتخب قد حظي بالاهتمام الأكبر، ليس لأنه من المؤمنين المواظبين، بل لأنه يُمثل بلداً له تأثيره على مجريات العالم.

لكن في المقابل، تأسف الفرنسيون لأن البابا فرنسيس اعتذر عن تلبية الدعوة. والمثير للدهشة أنه سيقوم بزيارة جزيرة كورسيكا المتوسطية الواقعة على بُعد رمية حجر من شاطئ مدينة نيس اللازوردية، في 15 الشهر الحالي. والمدهش أيضاً أنه منذ أن أصبح خليفة القديس بطرس في روما، «المدينة الخالدة»، فإنه زار فرنسا مرتين، ثانيها كانت لمدينة مرسيليا الساحلية. بيد أنه لم يأتِ إلى باريس إطلاقاً. ووفق مصادر واسعة الاطلاع، فإن قرار البابا أحدث خيبة على المستويين الديني والرسمي. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى حدث تاريخي رئيس، وهو أن بابا روما بيوس السابع، قدم إلى باريس يوم 2 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1804، لتتويج نابليون الأول إمبراطوراً.

وتمثل لوحة الرسام الفرنسي الشهير لوي دافيد، التي خلد فيها تتويج بونابرت، ما قام به الأخير الذي لم ينتظر أن يضع البابا التاج على رأسه، بل أخذه بيديه ووضعه بنفسه على رأسه، وكذلك فعل مع الإمبراطورة جوزفين.

احتفالية استثنائية

لم يساعد الطقس مساعدي الاحتفالية الذين خططوا لأن تكون من جزأين: الأول رسمي، ويجري في ساحة الكاتدرائية الأمامية؛ حيث يلقي الرئيس ماكرون خطابه المقدر من 15 دقيقة، وبعدها الانتقال إلى الداخل للجزء الديني. وكان مقدراً للمواطنين الـ40 ألفاً، إضافة إلى 1500 مدعو حظوا بالوجود داخل الكاتدرائية، أن يتابعوا الحدث من المنصات التي نصبت على ضفتي نهر السين، إلا أن الأمطار والعواصف التي ضربت باريس ومنطقتها أطاحت بالبرنامج الرئيس، إذ حصلت كل الاحتفالية بالداخل. بيد أن الأمطار لم تقض على شعور استثنائي بالوحدة والسلام غلب على الحاضرين، وسط عالم ينزف جراء تواصل الحروب، سواء أكان في الشرق الأوسط أم في أوكرانيا أم في مطارح أخرى من العالم المعذب. وجاءت لحظة الولوج إلى الكاتدرائية، بوصفها إحدى المحطات الفارقة، إذ تمت وفق بروتوكول يعود إلى مئات السنين. بدءاً من إعادة فتح أولريش لأبواب «نوتردام» الخشبية الكبيرة بشكل رمزي.

كاتدرائية «نوتردام» السبت وسط حراسة أمنية استعداداً لإعادة افتتاحها (إ.ب.ى)

وسيقوم بالنقر عليها 3 مرات بعصا مصنوعة من الخشب المتفحم الذي جرى إنقاذه من سقف الكاتدرائية الذي دمرته النيران، وسيعلن فتح الكاتدرائية للعبادة مرة أخرى. ونقل عن المسؤول عن الكاتدرائية القس أوليفييه ريبادو دوما أن «نوتردام»، التي هي ملك الدولة الفرنسية، ولكن تديرها الكنيسة الكاثوليكية «أكثر من مجرد نصب تذكاري فرنسي وكنز محبوب من التراث الثقافي العالم، لا بل هي أيضاً علامة على الأمل، لأن ما كان يبدو مستحيلاً أصبح ممكناً»، مضيفاً أنها أيضاً «رمز رائع».

الأرغن الضخم يحتوي على 8 آلاف مزمار تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام (أ.ف.ب)

كذلك، فإن تشغيل الأرغن الضخم الذي تم تنظيفه وتحضيره للمناسبة الاستثنائية، تم كذلك وفق آلية دقيقة. ففي حين ترتفع المزامير والصلوات والترانيم، فإنه جرى إحياء الأرغن المدوي، الذي صمت وتدهورت أوضاعه بسبب الحريق. ويحتوي الأرغن على 8 آلاف مزمار، تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام. وقام 4 من العازفين بتقديم مجموعة من الألحان بعضها جاء مرتجلاً.

إلى جانب الشقين الرسمي والديني، حرص المنظمون على وجود شق يعكس الفرح؛ إذ أدت مجموعة من الفنانين الفرنسيين والأجانب لوحات جميلة جديرة بالمكان الذي برز بحلة جديدة بأحجاره المتأرجحة بين الأبيض والأشقر وزجاجه الملون، وإرثه الذي تم إنقاذه من النيران وأعيد إحياؤه.

وبعد عدة أيام، سيُعاد فتح الكاتدرائية أمام الزوار الذي سيتدفقوة بالآلاف على هذا المعلم الاستثنائي.

حقائق

846 مليون يورو

تدفقت التبرعات من 340 ألف شخص من 150 دولة قدموا 846 مليون يورو لإعادة ترميم نوتردام