لبنان يتجه إلى التحرير التام لأسعار المحروقات

​بعد فشل المحاولة الجديدة لتخفيف حدة الأزمة

TT

لبنان يتجه إلى التحرير التام لأسعار المحروقات

تبددت سريعاً الآمال بتحقيق انفراجات جزئية يمكن أن تخفف من تفاقم أزمة المشتقات النفطية في أسواق الاستهلاك اللبنانية، حيث تمددت طوابير الانتظار لعدة كيلومترات أمام محطات المحروقات العاملة، لا سيما على الطرق السريعة المؤدية إلى مداخل العاصمة من جهات الشرق والشمال والجنوب، وسط مشاهد إذلال ومعاناة لجموع المواطنين القابعين في سياراتهم تحت لهيب الشمس.
فمع نهاية الأسبوع الأول على بدء تنفيذ ابتكار آلية الدعم التمويلي التي استخلصها اجتماع وزاري برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، وبمشاركة حاكم البنك المركزي رياض سلامة والتي قضت بمضاعفة سعر دولار المحروقات المدعوم من 3900 ليرة إلى 8 آلاف ليرة بهدف التخفيف من حدة الأزمة الخانقة، تأكد بالقرائن المتمثلة بالازدحام الخانق على محطات المحروقات وتكثيف أنشطة المتاجرة في السوق السوداء، أن تحديد المهلة القصوى للتعديل المستجد للدعم بنهاية الشهر المقبل، انقلبت مفاعيله من هدف تهدئة المستهلكين والأسواق إلى زيادات صاروخية في حجم الطلب على مواد البنزين والمازوت (ديزل) والغاز المنزلي، رغم ارتفاع الأسعار «الرسمية» بنسب فاقت 60%.
ولم تصل التبريرات المعلنة للإصرار على مواصلة الدعم إلى مبتغاها كوسيلة لمعاونة المستهلكين على مواجهة موجات الغلاء المتتالية، ولو لفترة قصيرة يرجح أن تنقضي قبل منتصف الشهر المقبل. وبالتالي، فإن كلفتها الإجمالية المستجدة التي تصل إلى 225 مليون دولار، توازي تقريباً مساهمة البنك الدولي بنحو 240 مليون دولار بتقديم إعانات نقدية لنحو 750 ألف نسمة لمدة سنة. وبذلك ترسخت القناعة أكثر بوجوب تحويل الدعم النقدي مباشرةً إلى المواطنين عبر البطاقة التمويلية التي تم اقتراحها قبل 18 شهراً من الحكومة وواجهت عراقيل إدارية وقانونية متنوعة.
ورصدت «الشرق الأوسط» عبر التواصل مع مصادر معنية ومتابعة، تحولاً جدياً وميدانياً لقرب تحرير سوق المحروقات بشكل تام من دون الحاجة إلى إعلان رسمي، إنما بسبب النضوب الحقيقي للاحتياطات الحرة لدى البنك المركزي. كذلك فإن الوقائع الميدانية عززت قناعات المستهلكين والأسواق وقطاعات الاقتصاد بأن موسم دعم المواد النفطية دخل أيامه الأخيرة ما دام يتعذر توفير مبالغ إضافية لتغطية الفارق مع السعر الواقعي للدولار البالغ حالياً نحو 19 ألف ليرة. ودعم صدقية هذا الاستنتاج أيضاً صلابة موقف المجلس المركزي لمصرف لبنان بعدم المس بالتوظيفات الإلزامية البالغة نحو 14.5 مليار دولار، بصفتها حقوقاً متوجبة حصراً للمودعين من مقيمين وغير مقيمين بالعملات الصعبة لدى الجهاز المصرفي المحلي.
وتزامن هذا التحول مع تطورين مترابطين يتشاركان مع توقيت الأسبوع المقبل. الأول هو الإطلاق الرسمي لمنصة التسجيل الإلكتروني للبطاقة التمويلية المعوّل عليها لتغطية رفع الدعم نهائياً عن المشتقات النفطية مع استمراره على القمح ولوائح محددة من الأدوية للأمراض المزمنة والمستعصية وحليب الأطفال الرضع وبعض المستلزمات الطبية الملحة. والآخر هو بدء تنفيذ الاتفاقية النفطية مع العراق، والتي وفّرت تسهيلات مالية عن طريق المبادلة بخدمات ومنتجات لقاء مد لبنان بمليون طن من الفيول الأسود لمدة سنة، مما يغطي جزءاً وازناً من احتياجات مؤسسة الكهرباء ويخفف تلقائياً من قسوة تقنين التيار، والذي تدنى إلى ساعة يومياً فقط في بعض المناطق.
وبالفعل، فقد فازت شركة بترول الإمارات الوطنية (ENOC) بالمناقصة الأولى لاستبدال نحو 84 ألف طن من النفط الأسود بنحو 30 ألف طن من الفيول الثقيل ونحو 33 ألف طن من الغاز أويل، من ضمن آلية تنفيذ الاتفاقية لاستقدام مليون طن من الفيول الأسود لمدة سنة، واستبداله عبر مناقصات سبوت كارغو(cargo spot) شهرية تماثل ما بين 75 و85 ألف طن لصالح مؤسسة كهرباء لبنان. وبعد إعلام الجانب العراقي بالنتيجة النهائية، ستستقدم الشركة الفائزة بالمناقصة الفيول المستبدل إلى لبنان بعد نحو أسبوعين من تاريخ تسلمها شحنة النفط الأسود من العراق بين 3 و5 سبتمبر (أيلول) المقبل.
تزامناً، انضم القطاع الفندقي إلى القطاع الصناعي في التحرر من تقنين كميات دعم مادة المازوت التي يحتاج إليها لتشغيل مولدات الكهرباء، حيث أعلن رئيس اتحاد النقابات السياحية بيار الأشقر، أنه بعد استفحال أزمة المازوت وارتفاع صرخات أصحاب المؤسسات الفندقية، قام بمراجعات وتواصل مع المعنيين في الحكومة ووزارة الطاقة والمياه، أثمرت عن تفاهم قضى بالسماح للمؤسسات الفندقية باستيراد المازوت لمصلحة مؤسساتهم وفقاً لقرار وزارة الطاقة الذي حدد سعر طن المازوت غير المدعوم للصناعيين والقطاعات الاقتصادية والحيوية بسعر 540 دولاراً للألف لتر، أي نحو 10.5 مليون ليرة بالأسعار السارية حالياً للدولار في السوق الموازية.
وأكد الاشقر أن هذا الحل الذي فرضته الوقائع الصعبة المستجدة على الأرض، والتي حالت دون قدرة الفنادق على الحصول على المازوت، أو الحصول عليه من السوق السوداء بأسعار باهظة، تفوق سعره الحقيقي غير المدعوم، من شأنه أن يساهم إلى حد بعيد باستمرارية عمل المؤسسات الفندقية، مؤكداً سعيه إلى توسيع دائرة الاستفادة من القرار لمختلف المؤسسات السياحية من مطاعم ومؤسسات سياحية بحرية والشقق المفروشة وبيوت الضيافة، سنداً إلى أن قرار وزارة الطاقة يشمل كل القطاعات الحيوية ومنها هذه المؤسسات.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.