Elegy of Laurel
> إخراج: دوسان كازاليتزا
> مونتينغرو (2021)
> دراما + فانتازيا | عروض مهرجان ساراييفو
> ★★★★
أحد أفضل وأجدر أفلام مسابقة مهرجان ساراييفو الذي انتهى في العشرين من هذا الشهر، هو هذا الفيلم الأول لمخرجه دوسان كازاليتزا. موهبة تسجل حضورها على نحو جدير بالاهتمام.
هو دراما عائلية فيها استلهام من أجواء أفلام السويدي إنغمار برغمن لكنها أبعد من أن تكون تقليداً أو استنساخاً. بطل هذه الدراما هو فيليب (فرانو لازيتش): بروفسور جامعي في الستينات من عمره يمضي عطلة في فندق سياحي في قلب الطبيعة مع زوجته كاترينا (سافينا جرساك). يتفوّه، في أول لقطة لهما وقد وصلا إلى المحطّة، بعبارة تجعل كاترينا تنظر إليه في استنكار. يقول وهو يتابع مشهد ترحيب حار لأربعة أشخاص «الموت وباء».
في الفندق ينصرف كل منهما لممارسة الرياضة المختلفة عن رياضة الآخر. وحين تجمعهما الكاميرا لا يوجد سوى القليل من الحوار وما يتوفر منه يأتي بارداً.
كاترينا تقرر أنها اكتفت لا من العطلة فقط، بل من زواجها أيضاً. يحاول تغيير رأيها لكنه لا يعرف كيف. الحرارة مفقودة منه في هذا الموقف كما كانت مفقودة منه في حياتهما المشتركة. هو شخص من أولئك الذين لا يعتقدون أنه يمكن لهم أن يخطئوا. لقطة من شرفة غرفتهما لها وهي تبتعد على طريق العودة.
هذا، وبضعة مشاهد أخرى بعد عودته للمدينة فصل ينتهي بعد نحو 50 دقيقة. الفصل الثاني هو لفيليب في زيارة لبيت والدته في منطقة غابات معزولة. هذه بداية فانتازيا غريبة. الأم في مثل سنه أولاً وهناك عنزة تقوده في مشيه للأدغال لتدله على الطريق. يلاحظ وجود عمّال يقطعون الأشجار. يشكو لوالدته.
في اليوم التالي يلتقي بثعبان وردي اللون تنقلب إلى امرأة وتدخل حياته وحياة والدته وتبدأ الطلب من الأم القيام بمهام صعبة عليها. فيليب يلتزم بالمرأة - الثعبان ويطلب من والدته مغادرة البيت لكن الحكاية لا تنتهي هنا.
إدارة محكمة لكل شيء. من التمثيل المقرون بتشخيص رزين بلا انفعالات (باستثناء مشهد واحد) إلى التحكم في حجم الكادرات التي نطل منها على ما يحدث، خصوصاً في الفصل الأول. أحياناً - وعن قصد - يترك بعض المتحدّثين خارج الكادر باستثناء أيديهم أو أقدامهم. بعد رحيل زوجته ثلاثة مشاهد لفيليب نلحظ فيها ارتسام ظلّه على نافذة أو زجاج. الموسيقى التي وضعها برانيسلاف يوفانزفيتش تستعير من التراث البلقاني في ألحان تلتصق بالمفادات بتلاؤم ومن دون ضجيج.
الانتقال من الواقع في النصف الأول إلى الفانتازيا في النصف الثاني يجعلنا أمام فيلمين وليس فيلماً واحداً. فيلمان متّصلان بشخصية تنتمي إلى عالم الأمس في حاضر اليوم. لكنه صلة ضعيفة خارج هذا الإطار، وما يجعلها مقبولة حتى النهاية هو الفن الممارس إزاء كل مشهد ولقطة، وحقيقة أن الفيلم إذ يستعين بهيئة أساطير وميثالوجيات المنطقة فجأة، إنما يرمي كذلك إلى تاريخ مضطرب لا لبطله فحسب، بل لمقدونيا نفسها من حيث إن الفيلم، في تحليل أبعاده، ينطق بالعجز الذي يمثّله البروفسور غير القادر على التعاطي مع المتغيّرات والآيل إلى البقاء داخل ذاته القديمة.
Beckett
> إخراج: فرديناندينو سيتو فيلمارينو
> الولايات المتحدة | (2021)
> تشويق| عروض: مهرجان لوكارنو
> ★★★
حب وحنان وكلام رقيق في الدقائق العشر الأولى من الفيلم بين الشاب الأسود بَكيت (جون ديفيد واشنطن) وصديقته البيضاء أبريل (أليسيا فيكاندر): أميركيان حميمان يسوحان بين آثار اليونان ثم يركبان السيارة في طريق عودتهما إلى الفندق. الوجه الثاني من الفيلم يبدأ هنا: يغفو بَكيت بينما يقود السيارة ليلاً على الطريق الريفي. تضرب السيارة حافة الطريق بقوّة ثم تهوي إلى مستقر لها في منخفض بعيد. هي تموت وهو يخرج بجروح في اليد والرأس. انتهى العيد.
«بَكيت» نوع من أفلام المطاردات يقترض من سينما السبعينات عندما انتشرت بعض الأفلام الأميركية حول مؤامرات الظل الحكومية التي تحيل حياة أبطالها إلى جحيم من السعي للبقاء حيّاً ضد قوى أكبر شأناً منه. لا يحاول الفيلم تجاوزها. في الواقع هناك ثغرات في الكتابة تلازم العمل منذ سقوط السيارة وحتى مشاهد النهاية، لكن إخراج فيلمارينو كفيل بمعالجة معظمها. تبعاً لأفلام نظريات المؤامرة، ليس على المُشاهد تصديق ما يدور دائماً لكن التجاوب مع احتمالاته. «بَكيت» أيضاً يُثير بعض القلق حين يأتي الأمر للإيحاء بأن حياة الأميركي قد تكون في خطر إذا ما زار دولاً أخرى. هذه الإثارة غير مقصودة بذاتها هنا لكن الفيلم هو الثاني بعد Stillwater في هذا الشأن. في فيلم توم مكارثي نرى الأميركي (مات دامون) يكتشف أن هويّته لم تعد ذات وقع إيجابي وترحيب كبير خارج حدود بلاده. لم تعد تعني شيئاً مميّزاً الآن. «بَكيت» لا يذهب إلى هذا المنظور لكنه ينضم إلى حقيقة أن بطله الأميركي يخوض حرباً ضد سُلطات يونانية أمنية وسياسية لا تكترث لشأنه أو للحماية التي قد يوفرها جواز سفره الأميركي. خلال تحقيق مع أحد ضباط البوليس (بانوس كورونيس) في البلدة الصغيرة التي وقع فيها الحادث، يذكر بَكيت أنه شاهد امرأة شقراء مع ولد صغير يقتربان من السيارة المنقلبة ثم يغيبان. هذا ما جعل الضابط والشقراء يلاحقانه عندما عاد بَكيت إلى موقع الحادثة لأنهما شريكان في خطف صبي لأغراض تتضح في النهاية. من تلك اللحظة، يجد بَكيت نفسه مطارداً أينما حل واتجه (على الطرق العامّة، في القطارات، بين الآثار والجبال إلخ…) وهذا قبل نجاحه في اللجوء إلى السفارة الأميركية في أثينا، حيث يكتشف - وهذا قبل نحو نصف ساعة قبل نهاية الفيلم - أن الموظف الأميركي الذي يستقبله (بويد هولبروك) شريك في اللعبة.
يتناوب المضمون الإيحاء بأن اليسار يتهم اليمين والعكس صحيح في قضية الصبي المخطوف ليتبين في النهاية أن هناك جهة أخرى في الموضوع. لكن هذا لا يرفع من شأن الفيلم. بل هو هروب من الدفع تجاه وضع كان يمكن له أن يكون شريكاً في الإثارة، وليس في العرض العام فقط. اليونان هنا متهمة بالفساد، كذلك أحد موظفي السفارة الأميركية وكلاهما يحتاج لبعض الإقناع. هذا في المضمون والكتابة، لكن التنفيذ جيّد والسرد بالانتقال من واقعة لأخرى مثير وعلى خط واحد. والمخرج يحوّل العقدة إلى سلسلة متكاملة من بحث بطل عن سبل الحياة وسط بيئة شعبية متعاطفة وسلطوية فاسدة. واشنطن في الدور لا يعكس ما تعكسه أفلام أخرى مشابهة. هو ليس المتصدّي والبطل الذي لا يمكن له أن يؤذَى، بل إنسان عادي ليس مهيئاً لأكثر من محاولة فعل الهروب من الخطر الذي يتطوّر لاحقاً لأبسط وسائل الدفاع عن النفس.
★ ضعيف| ★ ★ : وسط| ★★★: جيد | ★★★★: ممتاز | ★★★★★: تحفة